أشرف قاسم/ مصر
في مجموعتها القصصية الثانية «هذا الوجه» تلتقط سميرة شرف لقطات من مشاهد الحياة الخاصة والعامة، تخلط بكثير من الذكاء السيرذاتي بالعام، تزاوج بين الأمل واليأس، الخوف والرجاء، النور والظلمة، ترسم صورة متعددة النسخ للإنسان في شتى حالاته، في قوته وانكساره، في انتصاره وخذلانه، ترينا وجوه الحياة المتعددة، وتعرض علينا ألبومات مختلطة الصور.
في تلك المجموعة التي تربو على الثلاثين نصا تتجلى الأنثى بتناقضاتها، عقلها وجنونها، جمالها وقبحها، فرحها وأحزانها، تلك الأنثى التي تؤمن بضرورة وجودها، وضرورة إثبات هذا الوجود.
ربما من هنا كانت موفقة في اختبار القصة التي افتتحت بها مجموعتها والتي جاءت تحت عنوان «ألبوم صور»، فهي تروي في تلك القصة شذرات من سيرتها الذاتية بفنية عالية، تفاصيل صغيرة تكشف لنا معاناة البطلة وهي من أصحاب الحالات الخاصة منذ طفولتها، وما عانته من تنمر بسبب مشيتها، ووصايا أمها لها في أول يوم دراسي بألا تلتفت لتلك المحبطات، وتركز على دراستها لتصبح دكتورة، وهذا ما كان.
وكذا في قصة «البيت القديم» حيث جاءت على شكل بورتريه إنساني يحمل ألم الذكريات، وآثار الزمن على جدران الروح التي تشبه البيت القديم المهجور.
وعلى الرغم من تقاطعات السيرة الذاتية للكاتبة مع الهم الإنساني بشكل عام إلا أن هذا لم يمنع الكاتبة من تسجيل رؤيتها الخاصة عبر ثنايا نصوصها في كل ما يخص المرأة في المجتمع الشرقي الذي مازال ينظر إليها نظرة ملؤها التهميش والدونية، وكأن سميرة شرف أرادت أن تسجل موقفها من قضايا المرأة دون مباشرة فجة، وهذا ما حملته عدة نصوص ضمن نصوص المجموعة منها « القفص» هذا النص الذي عبرت من خلاله الكاتبة عن معاناتها وسجنها داخل شرنقتها من خلال معاناة أرنب داخل قفص الأرانب يحاول الخروج، فيدور ويدور، «يتحرك نحو جدار القفص، يتشمم قضبانه ويعلو برأسه حتى سقف القفص، ثم يتحرك هنا وهناك ويمر فوق الأرانب الأخرى، وكل مرة يتشمم قضبان القفص ثم يقف برهة ويعاود الكرة، ليتها تستطيع مساعدته» ص 25
استطاعت الكاتبة أن تطوع خيالها ليستوعب واقعها ومعاناتها، بأسلوب مكثف أخاذ، رسمت من خلاله صوراً متعددة لصراعها الداخلي، اعتمدت فيه على تقنية الفلاش باك لاستعادة التفاصيل الحياتية القديمة، ربما كنوع من التخفف من أعباء الماضي عن طريق البوح الذي جاء غالباً بضمير الغائب.
كما أن الخطاب السردي هنا في تلك النصوص يعتمد على توليد جمالياته من خلال اللغة الحميمة تارة كما في قصص «باقة من الياسمين، ثوب زفاف، دمعتان»، ومن خلال سبر أغوار النفس البشرية تارة أخرى كما في قصص «صورة جدي، هو، الزيارة انتهت».
اللغة في المجموعة التي بين أيدينا ذات دلالات مؤطرة، ثرية بطاقة تعبيرية هائلة، من رموز وإيحاءات، وحذف مضمر يترك للقارئ مساحة لقراءة ما لم يكتب، وفسحة لتعدد التأويل، فلغة الكاتبة تحمل قدرا كبيرا من التركيز والإيحاء، ولديها الجرأة على الحذف والاقتصاد في لغتها، لذا جاءت أكثر نصوصها قصيرة مختزلة، خالية من الثرثرة والإسهاب، محملة بانفعالاتها النفسية كما في قصة «نظرة غضب»، لا تعتمد على شاعريتها قدر اعتمادها على توثيق اللحظة كما في قصة «لحظة»، إذ هي في الأساس أداة تواصلية بين الكاتب والمتلقي.
استطاعت سميرة شرف التعبير عن وحدتها/ وحدة الكائن البشري/ وشعورها الدائم بالفقد، فقد الأب والأم والسند كما في قصتي «العودة، ثوب جديد»، وافتقاد الماضي الذي تراه جميلاً مقارنة بالراهن القاسي كما في قصة «البيت القديم»، لذا جاءت نصوص المجموعة تنويعات متشابهة على مواقف إنسانية متغايرة يجمع بينها الشعور الدائم بالفقد، ولا تخفى قدرة الكاتبة على استيطان مشاعر الآخر، ورصد المواقف والتناقضات النفسية والصراع الأزلي بين الرجل والمرأة، ومن هنا تتجلى صورة المرأة بشتى حالاتها في تلك النصوص بوضوح.