|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
أبلغ من عتاب ....قصة قصيرةسنية عبد عون رشو
شدتني طلتها من الشرفة ..... في ليلة شتائية باردة قادتني حيث سحرها وجلال انوثتها ....من بعيد تناديني زهور عمرها المتفتحة اشراقا ونضوجا ... تذكرت ليلى الاخيلية أو المرأة الاسطورة في قصص جدتي التي يخجل القمر عند طلتها ... تقف في شرفتها كأنها في انتظار القادم... تنظر يمينا وشمالا وهي تمد نصف جسدها فوق حافة الشرفة مما يزيدني تشبثا بمكاني متواريا بين الاشجار يدفعني فضولي لمعرفة.... الذي تنتظره...؟؟ لكني لم أفز يوما برؤيته .....
عاشقة الصحراء : كان يتحرك في مقعده دون مبرر ويستعين بإشارة يدية كثيرا... رمقته بنظرة خاطفة من فوق نظارتي فوجدته متورد الوجنتين وهو يتصبب عرقا ....لكني حاولت ان أمنحه ثقة بنفسه حين أخبرته ان تصرفه ازاء المرأة كان طبيعيا بالنسبة لشاب كل ما حوله مرتبك .... تعودت ان أمنح مرضى عيادتي النفسية فرصة لاسترسال حديثهم ...دون ان أقاطعهم إلا للضرورة .... ثم طلبت منه ان يتابع حديثه .... قال : ـ يتكرر تواجدي هنا ك ....تدفعني البطالة والضجر ..... ادمنت هذا اللقاء... وكل ما أتمناه ان أمد جسور تواصلي بين رأسي المثقل بهمومه وبين هذا الجسد المتعب .. لعلي أهيئ نفسي لمغامرة تطيح بجيوش صمتي وتقتل المارد الذي يسكن خوائي وضعفي.... عند أول غروب الشمس وحين ينشر الليل غلالته السوداء ....تبدأ رحلتها بطقوسها المعتادة ... دون ان تشعر بي او تراني...تعصرني لفحات برد قاسية ... وتداعب مخيلتي ضحكة أنثوية أو خيال امرأة تعشقني ...وتتفانى بإخلاصها من أجلي ....أتلفع بمعطفي شادا أزراره .... ثم أربط حزامي فوق خصري ...أتقنع بلفاف حول دائرة رأسي .... أقف ساعات دون ان أشعر بإجهاد او تعب ...ولكن تنمل أقدامي ووخزات ألمها تجبرني ان أتقرفص خلف شجرة قد تدلت أغصانها على الارض وتشابكت مع أغصان شجرة أخرى وذلك مما يتيح لي فرصة ناجحة ومضمونة للتخفي الآمن وبعيدا عن أعين المارة ... قاطعته ....أمتأكد ان فتاتك كانت عذراء آنسة أم انها امرأة متزوجة .....؟؟ قال : ـ أنا غير متأكد من ذلك ....!! اذن تابع كلامك ....اني أسمعك ...وكن مطمئنا اني لا أبالي ان طال حديثك ...بل أفهمك أكثر ....ابتسم ابتسامة تنم عن الرضا والاطمئنان ثم قال : ـ حدثني صديقي عن مغامراته مع نساء كثر بينما كنا نقطع مسافات طويلة سيرا على اقدامنا ....كنا نسير في شوارع لم أرها من قبل ....وقد أدهشني أمره وأثار استغرابي ....فأخذت بتوجيه اللوم له مرة والسخرية منه مرة أخرى ...فسألته ...وكيف بإمكانك ان تشطر قلبك بينهن ..... حينها ثأر لحماقتي ونعتني بالأبله ....وادعى اني أخفي عنه أمرا يمنعني من عقد صداقة مع أي أنثى وان كانت علاقة حب نقية عدها بزغت تلك المرأة من شرفتها بقامتها النحيفة وشعرها المنسدل وفستانها الازرق كأديم السماء... رافعة كمي ثوبها حتى مرفقيها وهي تنشر ملابسها .... أبهرتنا طلتها فثقلت خطواتنا ....بل وأخذنا نصوب نظراتنا نحوها وأخذ صديقي يتمتم بكلمات الاعجاب .... أخذت ترفع خصلات شعرها وتدس بداخله كماشة للشعر ولكن بطريقة مبعثرة ودون اكتراث ....لكنها شدتنا نحوها ....دون ان تعير أي اهتمام لنا .... عندها برقت فكرة في مخيلتي وبادرت ان أقول لصديقي ....دعني أكشف لك عن سر.....بهت صاحبي وبانت على وجهه علامة استغراب .....عندها أخبرته ان تلك المرأة التي في الشرفة ..... هي حبيبتي .... واني أعرفها منذ مدة ليست بقليلة .... أكدت كلامي ولفقت قصصا جمعتنا سوية ....انبهر بجمالها ورشاقة جسدها لكنه أطرق رأسه احتراما لصداقتنا .... تحولت تلك اللعبة الى حقيقة ....وأخذت أقتل وقتي بمراقبتها فهي لعبة أعجبتني لما أعانيه من موت الاماني التي رسمتها خلال مسيرة حياتي.....شعرت بتفاهة ايامي وأدمنت على ابتلاع دخان سجائري بإفراط... تعذبني ذكريات قديمة وحب قديم وحبيبة قديمة.... خذلت أمانيها ...وعودي لخطبتها غدت في مهب الريح ....لاني لم أجرؤ ان أبوح بذلك لأسرتي التي تعاني من شظف العيش وفقر الحال ....وكان اتصالي بها تلفونيا للمرة الاخيرة قد أنهى كل شيء... لوحدي أحاول نسيانها ...لكني لا أفلح لحد هذه اللحظة ..... تعودت ان أراقب المرأة في شرفتها... طلتها تدغدغ روحي اليائسة ....لكني سمعتها يوما تصرخ على غير عادتها طالبة النجدة من الاخرين ...وحدي من سمع استغاثتها ....فالشارع كان خاليا ...خرجت مذعورا من بين الاشجار وقد اختلطت في صدري مشاعر خوف وانتصار ...وكأن كوكب عالمها يناديني ليجعلني أحد توابعه السابحة في الفضاء .... دخلت شقتها الانيقة التي بهرتني بساطتها لكنها توحي بذوق رفيع في ترتيب أدق التفصيلات ...استقبلتني بوجه تعلوه حمرة ارتباكها وخجلها ....بادرتني قائلة ....أرجوك ساعدني لقد غا بت عن الوعي .... سألتها باستغراب .....من هي ....؟؟؟ انها أم زوجي ...وهي ترقد في حجرتها .... ساعدني لنقلها الى المشفى....ولكن هل بإمكانك مساعدتنا ....؟؟؟ نعم نعم بالتأكيد... إذن عليك إحضار سيارة بسرعة .... كان هناك طفلان يمسكان بثوبها ويسيران خلفها اينما اتجهت وقد بدا الخوف على ملامح وجهيهما أيضا .... عدنا من المشفى دون تأخير وقد استقرت الحالة الصحية للمرأة المسنة لاحظت استقرار وهدوء حالة الطفلين وهما يمسحان وجه الجدة ويتحدثان اليها بكلام لم أسمعه ....فابتسمت الجدة محاولة مداعبتهما وضمهما الى صدرها .... بادرتني بابتسامة الشكر والعرفان ...بينما خرجت المرأة من المطبخ وهي تحمل فنجان الشاي وتقول ....لقد تسببنا بتأخيرك وإننا في غاية الامتنان والاعتذار .. جلست مضطرب الافكار ....وقبل ان يصل قدح الشاي الى فمي شدّ انتباهي وجود برواز مذهب لصورة بحجم كبير معلقة في احد زوايا الغرفة .... ولكن صاحب هذه الصورة أنا أعرفه ....نعم أعرفه بالتأكيد .....فسألتها ....هل هذه صورة ( .....) ...؟؟؟ أجابتني بعد ان تنهدت طويلا وبانت على وجهها علامة حزن مضن ....ثم قالت بصوت خفيض ...هو بعينه ....انه أخي ..!!!. بدا الإرباك واضحا على طريقة كلامي وتلعثمي فوضعت فنجان الشاي فوق المنضدة دون ان أتذوقه .....انه صديقي وزميلي في الجامعة...ثم سألتها ....أأنت أخته التي ..؟؟ ....لقد حدثني عنك وعن حفلة عقد قرانك لزميل لك ....وقد دعاني لتلك الحفلة...ولكن لم أحضرها لظروف خاصة آنذاك .... أخبرتها ...اني كنت شديد التعلق بأخيها لمرحه ودماثة أخلاقه ...كان يحب رياضة كرة القدم وكان مرشحا ان ينضم الى الفريق الذي يمثل البلد ...فسألتها ..... فما هي أخباره الان ...؟؟....وهل حقق أمنيته...؟ وهل حصل على وظيفة ...؟؟ أو انه مثلي مازال يراوح بمكانه ....؟؟ قالت : ـ لشديد أسفي أخبرك انه قد مات قبل عامين . قتيلا في انفجار سيارة عابرة... وما أخبار زوجك اذن ....؟؟ زوجي يملك صالون حلاقة ....وبدوري أساعده بغسل مناشفه وصداري زبائنه ....وأراقب عودته ليلا في الشرفة .... نزل من عيادتي مطمئنا على ان حكايته لا تحتسب وفق اخطائه هو فقط .... بل انها أخطاء مركبة ....!!! في الشارع أشعل سيجارته وأخذ نفسا عميقا ...وأحس بداخله بتبجيل لتلك المرأة و بحزنه الشديد تجاه صاحبه وزميله ..... لكنه حمد الله انه لم يمت بعد ... وان الحياة.. لم تزل حياة....
الكاتب:
ابتسام حياصات بتاريخ: السبت 23-03-2013 11:19 مساء الزوار: 729
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
على اعتاب قلبك ......................... ... | القصيدة الفصحى والنثرية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 20-01-2022 |
وقفة عتاب ....................بقلم ... | القصيدة الفصحى والنثرية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 01-01-2022 |
بقلم الشاعرة مريم خضراوي قصيدة بعنوان ... | القصيدة الفصحى والنثرية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 15-03-2019 |