وداد أبوشنب

صدر عن دار أمجد للنشر والتوزيع وبدعم من دائرة المكتبات/ أمانة عمان ديوان (ابتهال القرنفلة) للشاعرة الأردنية أميمة يوسف، ديوان من القطع المتوسط في 128 صفحة نطالع فيه ثمان وعشرين قصيدة رقيقة تسمو بنفس القارئ إلى عالم الروح وصفائها ونقائها..

«ابتهال القرنفلة» شعر حالمٌ، يمتح ألفاظَه ومعانيَه وألحانه من أحاسيسَ رقيقةٍ ناعمةٍ شفيفة، تناجي الروح وترتقي لتهيم في ملكوت العفّة والرقّة والطُّهر والشموخ..

«ابتهال القرنفلة» عنوان منسجم في ذاته ما بين قداسة الابتهال وعطر وطهر القرنفلة، عنوان إلهي أنثوي يغطي ما بداخل الديوان من وجدانيات وردية أنثوية بامتياز، تسبر غور الإنسان، تتسامى الروح في «شارع المواجع» حيث تلتف الذكرى بها ببعض العتاب وبعض الألم وبعض الأمل. ديوان أنثى سامية ذات ترفع عما قد يدنس الروح والذات، فتقف في أبيات تشيد بنفسها الأبيّة، وفي أبيات أخرى تذكِّر برقَّتها وأنوثتها وشهرزاديّتها، وفي أخرى تمجِّد شجرة انتسابها الأصيلة..

ترتقي الشاعرة العوالم الصوفية عن طريق المعجم الروحي والمعجم الطبيعي، لتدخل في كونية متفردة على متن بحور الشعر المتنوِّعة التي أعطت للنصوص إيقاعات متَّسقة تفي بغرض كل قصيدة حسبما يليق بها من تراقص بين أجراس الورود وبتلات الأزهار، إلى اهتزاز رخيم على أوتار اللّيل الشّجي، إلى تماهٍ يليق بروحها الأنثوية المتسامية يعلن صادحا: إنّها أميمة يوسف!! الشاعرة المتنوّعة الواثقة من نفسها حرفا وروحا وبهاء وعطاء...

هذا الديوان انتصار للمرأة وتعبير صادق لجُلّ إنفعالاتها إن لم يكن كلّها، عبّرتْ فيه الشاعرة عن الأنثى الحقيقية وعن الإنسان بمعناه الكوني، مُسَخِّرَةً قاعدتها الثقافية وملكتها اللغوية الكثيفة في تبنّي الرّموز لإيصال أفكارها بكل جمالياتها للمتلقي الذي كلما مرّ على بيت قال هل من مزيد؟ فكان المزيد: القرنفلة وشهرزاد وعشتار ..

أميمة يوسف وانعكاساتها التي تُظهِرها في كلّ قصيدة في حلّة جديدة، وجوه متنوعة براقة الحرف راقية المعنى في «حديث المرايا» وهو مناجاة الرّوح وارتداد الصدق على السامعين، متتالية ألحقتها الشاعرةُ بقصائدها كي تُرَسِّخَ لدى القارئ الأثرَ الذي تكوَّن لديه من تتبع القصائد الأولى: إنّها الإنسان، إنّها حواء بكلّ الرفعة والأناقة والقوة والرقة ..

كلّ تلك الأرواح اللطيفة والمعاني المتفجرة من وحي شاعرة متمكنة، بين دفتيّ «ابتهال القرنفلة» لأميمة يوسف، فشكرا لك يا أميمة لتلوينك عالم الأنثى بحرفك الوردي السامق الأنيق.

أترككم مع أولى قصائد الديوان (إشراق) لكل من يرغب أن يرتقي بذائقته إلى عالم الشاعرية المرهفة: «إشراق»:

هَمَت يداي بدمعٍ سالَ في ورقي

حتى تشاهقَ طيرُ السّهد والأرقِ

ما لي أداري انصداعًا في بروجِ دمي

كأنّ شمعيَ إشراقٌ من الشفقِ

أمسيتُ أجمعُ أحزاني ألملمُها

وأبصرُ القلبَ مسفوحًا على الغسقِ

صارَ الربيعُ خريفًا راكضًا لغدي

وسيفُهُ يقطعُ الأزهارَ من طُرُقي

لا لن أكونَ به يومًا مرحّبةً

ولن أبيحَ له أن يشتري أفُقي

سأتّقيه بصبري لن أجاملَهُ

حتى أراهُ بعيدًا عن مدى عبَقي

سأرتدي حللا من زهر قافيتي

وأرسل الفجر يزهو من دجى الحدقِ

ما زال لي في يد الأيام منتجعٌ

وفي يد الحُلْمِ أغصانٌ من الحبقِ

ما زلتُ أرسمُ آمالي ألوّنها

من دمعةِ الوجدِ أو من بسمةِ الألقِ

بحرُ الحياةِ صغيرٌ لا يطاولُني

أعطيه كفّي لكي ينجو من الغرقِ.