ذات يوم كنت أجلس على مقربة من أنفاس أمي ، يزاد شوقي مع اشتعال نبض قلبها، كنت أسارقها النظرات حينما كانت تروي لي قصة والدي الأسير.
أرى ضحكتها ممزوجة بدمعة ، تتحدث عنه بلهفة و شغف ، تمارس طقوس العشق في سرج حديثها عنه.
و من حديثها عنه تعلمت كيف تكون الأمومة نابضة ناضجة ، كيف يكون ولاء الزوجة لزوجها ، ووفاء الحبيبة لحبيبها .
و كلما تحشرج صوتها و كادت الدمعة تنحدر من مقلتيها، صمتت برهه وصوبت نظرها باتجاه جهاز الحاسوب، تتأمل صورة والدي المشع وجهه كالشمس في ضحاها، ولامست بأصبعيها ملامح وجهه المتلألئ كالبلور، وبيدها الأخرى قربتني صوبها و احتضنت بأنفاسها بقايا حروفي.
بحركة عفوية لامست يدها الجهاز فتبدلت الصورة ، وظهرت صورة تجمعنا سوية ، رجل كالشمس معه امرأة جبلت من النيروز و بين يديهما طفلة لم تتجاوز عدة أيام.
أماه .. من هذه الطفلة التي تتأرجح بعطفكما "سألتها مندهشة"
ابتسمت وقالت: هذه ملاكنا، و قطعة السكر التي جعلت من علقم الحياة شهد الأسيل.
هذه الجنة التي دونها لم اواكب الحياة، هذه أنت يا ملاكي.
تهلل وجهي فرحاً من سرد أمي، كم أنت رائعة يا كفوف الجنة
اقتربت منها أكثر فأكثر ملامسة وجنتيها وطرحت قبلة حارة.
ضحكت أمي قائلة آه من شقاوتك يا عصفورتي.
قلت: أماه .... وتلعثمت قليلا ً
قالت: نعم حبيبتي ما بك لم صمتي ؟!
قلت: أين أبي؟
مذ سطوع شمس الحياة لم أراه ، لم أقبله ولو قبلة واحدة، لم يحتضنني بين ذراعيه.
أماه.... قد اشتقت إليه كثيراً.
وكلما تتحدثين عنه أشتاق إليه أكثر فأكثر ،،،،
صمتت برهه و أنفاسها تلج في صدرها كمهرة ضاقت بها الحياة من قيودها.
لملمت مشاعرها اليائسة و بشهقة موجعة قالت: طفلتي الحبيبة والدك لم يتركنا بمحض إرادته، عندما انجبناك كان عليه أن يؤدي واجباته نحو الوطن، آنذاك كانت حرب موجعة و مفجعة جدا، قد أنهكت الكل.
كان يحتم عليه أن يدافع عن الوطن المسلوب، سمع صوت النداء و لباه بروح قانعة.
لم أقف عائقاً كالمطرقة أمام سنديان واجباته، بل كنت له من المشجعين.
ذهب ملوحاً قائلاً: سأعود في القريب العاجل إن شاء الله.
وبعد عام تقريباً علمت بأنه في غياهب السجون، حاولت مراراً أن أصل إلى مكانه حتى أتمكن من زيارته ولكن لم تسنح لي الفرصة.
وقد حكم عليه مدى الحياة، لأنه أثخن في الأعداء ونكل بهم.
لذا تم منعه من الزيارة هذه السنوات الطوال.
ولكن سيأتي يوماً وينفض غبار السجن ويفك زرد السلاسل، سنجتمع به لا محال ، ستقبلينه قبلة الحياة، و سيعتلي بك عنان السماء، فلنصبر قليلاً حبيبتي لم يتبقى لذلك إلا القليل فقط.
شعرت بوجع أمي وكم قلبها الصغير محطم، رغم إنها تحاول جاهدة أن لا تظهر ذلك.
صوبت الحديث إلى اتجاه آخر،،،،
قلت: أماه ... أنت جميلة جداً، هل عندما اكبر ستكون ملامحي مشابهه ملامحك.
ضحكت بصوت عال، ضحكات هستيرية تشبه الخيال.
قالت: آه يا عذبة الأنفاس أنت، لا لن تكون ملامحك كملامحي.
بل ستكونين كالشمس الساطعة، لأنك تجمعين ملامحنا معاً.
ضحكت لها قائلة: سأصبح ملكة إذا...
كملكات الجمال اللائي يتحدثون عنهن،،
قالت: بل ستملكين لبيب القلوب بجمال روحك وطهارة همسك، و براءة إحساسك.
ضممت يدها بكلتا كفوفي وقبلتهما قائلة : يا كفوف الجنة أنت.