|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
الاديبة والكاتبة نجاح ابراهيم تكتب ( ما الذي روّض الجامح فيها؟!..)
عاشقة
الصحراء :
كم تبدو صهوة السؤال مدهشة ولافتة؟ ما الذي يجعل الرّوح المتمردة هادئة إلى درجة أن تغدو هاجعة ومقيدة بألف قيد دون مقابل؟!. تلك الرّوح المبدعة المحلقة، في جسد تلك المرأة، التي لا تقيم وزناً لمجتمع أو عرف, كيف رُوّضت؟!. على الرّغم من الشهرة والحرّية والمتعة، كان لابد للكاتبة الفرنسية "جورج صاند"[1] أن تكبل روحها، فثمّة رغبة عميقة في داخلها تنبئ عن نقص، رغبة تشبه رسالة نبيلة. فما العوامل التي شكلت التمرّد في هذه المرأة التي لن تتكرّ؟ ما السرّ في انحنائها لنداءات الآخرين؟ تشكلت "جورج صاند " من خلطة عجيبة قلما تكون في بشريّ، فقد كانت مزيجاً من النبل والوضاعة، من الجموح والهدأة والتأمل. من الوفاء والمثالية وفيض الخيانة المشتهى، فأمّها كانت تافهة، رخيصة، بينما جدتها كانت محافظة، فحين احتضنت الفتاة اليتيمة، استطاعت غرس صفات نبيلة فيها، وذكرتها كل حين أنّ نسلها يمتد إلى أحد أجدادها الذي كان ملكاً لبولونيا. بينما ظلّ يجري في عروقها دم الوضاعة فاختزلت راقصة في شريانها، وضياع صاحب حانة سكير، وتاجر طيور، والى أحد أجدادها الذي كان ملكاً لبولونيا. ************************************************************************************************ فتارة تكون امرأة تتشبه بالرجال فتلبس جرأتهم، لا تتقيد بخجل، تلهث وراء حواسها، وتارة تنزع نحو المثالية والتضحية والعزلة. ولعل جموحها جعلها تترك زوجها السيد دودفان. معللة عدم احترامه للأدب ولموهبتها الابداعية. التي أوصلتها إلى ضفاف المئة كتاب. استطاعت صاند أن تكون تلك المرأة المتمرّدة على التقاليد والاصطلاحات المتداولة في المجتمع الفرنسي، فعزمت أن تهجر عالم المرأة وتتخلى عن ابراز أنوثتها لتتزيا بزيّ الرّجال وتسمى بأسمائهم، وتتخلق بأخلاقهم. لم تكن صاند لتقف عند حالة عاطفية أو علاقة غرامية، كانت مندفعة في تيار الشهوة، تعيش كل حين حباً عنيفاً، تستمد منه دافعاً إلى الكتابة، وإشباعاً لنقص ما في داخلها. فكانت سيرتها مشينة، ولكن هل يشفع لها الأدب بجعل الناس يغفرون لها؟. قال أحدهم:" إنّ السيدة صاند صنعت المخازي، ولكنها كتبت الروائع"!. كانت لا تأبه، ومع ذلك ترهف السمع لما يقال عنها، فتدافع عن حياتها الخاصة لتقول:" إن العواطف أقوى من المحاكمات المنطقية، وإن القيود التي فرضتها على نفسي لم تجدني نفعاً، غيرت رأيي أكثر من عشرين مرة آمنت بالوفاء، وفاء الزوجة لزوجها، وبشرت به وحرصت عليه، ودافعت دونه أمام هبوب العواطف، ولما كفر الناس به كفرت به أيضاً دون أشعر بوخز الضمير، لأنني كنت مسوقة بدوافع محتومة من القدر."[2] وقد سوغت عشقها المتكرر، وغير المحدود ببحثها عن العاشق المثالي، الذي لم تجده قط، ولكنه سيأتي لا محالة. وبقيت ممتطية صهوة الجموح، واللوبان إلى أن التقت ب " الفريد دي موسيه"[3] وكان يصغرها بسبع سنوات، رجلاً متناقضاً، قلقاً، غير متماسك، شديد الاهتمام بمظهره إلى درجة المغالاة. أحبته صاند بعد لأيّ، وذلك بعد أن أرسل إليها آخر رسالة، فكانت الشعرة التي قصمت ظهرها، وجعلتها توافق نهاية المطاف، قال في نهاية رسالته:" إني أحبك كما يحبّ الطفل." حينها شهقت روحها العطشى وهي تردد كالمجنونة :" يحبني كالطفل ! رباه ماذا يقول؟ هل دري مقدار الضرر الأدبي الذي ألحقه بي؟!.. واتجهت إليه، هدأت من صهيل خيولها، ترجلت عن صهوة التمرد وأمسكت بطرف حبل، وانساقت إليه كالمسحورة. كيف استطاع هذا الكاتب أن يروّضها؟ ما الأسباب، وما السرّ في عبارته التي روّضت الجموح فيها؟. لقد عرف مواطن ضعفها، فأصابت العبارة مقتلاً منها، تبين أنها تحب الرجل الضعيف، الذي يحتاج إلى حنان ورعاية، تحبه مستسلماً، باكياً ،مريضاً، كي تخرج ما بداخلها من عطف وحنان، وشفقة هي المعبأة بالأمومة، كما انها ملت من التجارب العاطفية العابرة، والتي حملتها خيبات وغصات، وربما كانت الوحدة القاسية تؤلمها! [٩:٥٠ م، ٢٠١٨/٣/٧] +٩٦٢٧٩٨٥٨٢٠٥٢: لقد أحبته وانساقت إليه، تمدّه حنان أم مفترضة، فأخذ يكثر من دلاله وتعطشه. وتعايشا على الرّغم من الخلاف الكبير الذي بينهما، كان كلّ منهما يقف على نقيض الآخر من الوجهة السياسية، فقد كان محافظاً يدافع عن بقاء النظام الملكي، بينما كانت ثورية ذات ميول جمهوري اشتراكي، وحين ارتبطت بحبه، التزمت البيت والأسرة، وتخلصت من عاداتها القديمة، هجرتها وعادت الى مثاليتها، بينما هو ازداد زهوّاً وتناقضاً حتى فقد التماسك الى حدّ الجنون من كثرة ادمانه على الخمرة والأفيون وكذا النساء، واستحال إلى رجل يضمر لها العذاب والمرارة. ********************************************************************************************* ولم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما وصل الى الضرب والإهانة، بل راح ينعتها بصفات ما عهدتها في نفسها، ولا عرفها المجتمع فيها، ليقول: أنت الملل المجسم، والمرأة الحالمة المتوحشة، والراهبة الباردة". واستحالت العلاقة إلى اشمئزاز، فانسحبت صاند منها، لتعود إلى سابق عهدها من التمرد والانفلات من القيود. إلى أن التقت بالموسيقى البولوني " شوبان " في فرنسا، وسمعته يردّد " من لي بمن يحتضنني ويرعاني؟." فرأت فيه صاند العشيق والابن، هي التي تلهث وراء المبدعين من العشاق حتى قيل: أن العناية خلقت لها شوبان". بادئ ذي بدء لم ترق له بدت له مسترجلة، فكان يتساءل: هل هي امرأة حقاً؟. ولكن في اللقاء التالي، بينما كان يعزف، اقتربت من " البيانو" وغمرته بنظراتها اللاهبة حتى أحسّ أنَّ قلبه انتزع من صدره. ونما الحبّ سريعاً لأنّ ثمّة فراغاً في قلبه، واعتلالاً بمرض خطير دفعه إلى أن يعتمد على امرأة حانية قادرة على العطاء والسخاء. وأسلست لهذا الحبّ القياد، وأنعم شوبان برعايتها وحبّها، وحاولت كثيراً في أن تحمي هذا الحبّ من أعين الحساد والرقباء والمتطفلين، فهربت مع شوبان إلى اسبانيا، ولكن الحبيب ازداد اعتلالاً إذ كان مريضاً بمرض السل. وتحوّلت إلى ممرضة له، وكذلك إلى خادمة بعد أن سكنا ديراً مهجوراً، تهيئ له الطعام، بعد أن تذهب إلى السوق وتشتري الحاجيات، متحملة قساوة الظروف. وهو ينهمك بمرضه وبالتأليف الموسيقي، حتى أبدع أجمل قطعة موسيقية والتي أسماها "تمهيدات".. كانت صاند تحنو عليه وتشجعه، تهمسُ في أذنه وهي تمسح على أصابعه: "تشجعي أيتها الأنامل المخملية ، تشجعي". ولكن شوبان كان نزقاً وضجراً وخائفاً من المجهول والوحدة بسبب مرضه. أعطته الرّعاية والحبّ والاهتمام الكبير حتى نسيت نفسها، فقال الناس: إنّ شوبان سوء طالع صاند، ونحسها المقيم، بل هو آفة تفترس قواها". وأمضت معه سبع سنين، لا تعرف نفسها سوى أنها امرأة منساقة الى إلغاء نفسها والاهتمام بمريض، قالت لصديقة لها: سبع سنين وأنا أعيش معه عذراء، لقد دبّ إلي الكبر قبل أوانه، إني تعبة". ولكن شوبان كان يتهمها بالصدود عنه، والتمنع، وما تمنعها الا كي يبقى حياً. وبقيت تنظر إلى أصابعه النحيلة المصفرة وقد اختفى بريق عينيها من كثرة البكاء، والشفتان الشهوانيتان طوتا الرغبة، ولكن الروح المتمردة الجامحة، كفت عن التمرّد، فثمّة رسالة كتبت بحبر الّقدر، رغبت صاند في أن تبلغها.
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الأربعاء 07-03-2018 10:19 مساء الزوار: 1185
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
مليكة اسلام تكتب بمناسبة اليوم العالمي ... | منظمة عاشقة الصحراء لشؤون المرأة العربية والدولية | اسرة التحرير | 0 | الإثنين 07-03-2016 |