تستشرف الكاتبة مها عز الدين برهومة في كتابها «نداء قلب»الصادر مؤخرا عن دار الابتكار، المستقبل الأجمل والأفضل للإنسانية، منطلقة مما يـُكنـّه الجيل الرافض والغاضب لكل المنغصات السلبية التي تحول دون رسم علاقات أوثق وأوفى وأكثر إخلاصا بين البشر.

تجول الكاتبة بخيالها المحلـّق في المجهول، تنظر من كل النوافذ، باحثة عن ضوء في آخر النفق، تستخدم تيار الوعي والمونولوجات الداخلية، وهي تقدّم العالمين الداخلي والخارجي للمرأة العربية، لتتحدث عن

وحدتها ومعاناتها، رغم ما في الصحافة والأدب من  عن تحرر المرأة.

ورغم ما يواجه المرأة في الواقع من صور سوداوية، إلا أنها في هذا الكتاب أقوى، وأقدر على التحدي وعلى المواجهة وعلى إحداث التغيير المنشود، بالفعل قبل الكلام.

تبثّ المؤلفة في كتابها هذا مشاعرها الصادقة التي  تؤكد التزامها بهموم المرأة العربية، وسعيها لإحداث التكامل بين الرجل والمرأة على قاعدة الحب المثالي والتفاهم غير القائم على الأنانية أو المصالح.

وفي خضم انشغالها بتجدد الحياة واستمراريتها، نجدها ترسم معالم شخصياتها في قصص قصيرة وخواطر ووجدانيات ونصوص مفتوحة، وكأن هذا الكتاب منفتح على كل الأجناس الأدبية ،لتنتقي منها المؤلفة ما راق لها حسب المضمون الجاد الذي تتحدث عنه،والشكل الفني المتقدم الذي تسعى عبر جمالياته لتقديم مادة أدبية تتناغم مع مشاعرها وعواطفها الصادقة.

ورغم إطلاق الكاتبة لخيالها المـُحلـّق، في أثناء خوضها في المجهول، نجدها تحافظ على استقلاليتها ولا تتأثر بمن خاضوا بموضوعاتها سابقا، لاسيما جبران خليل جبران، ومي زيادة، وكلما غاصت في المضامين حتى كانت تنسى نفسها معها، وتمضي بها إلى حيث تشاء،نجدها تنطلق بوعيها ونضجها، لتوقف مسلسل الأحداث التي لا ترضى عنها، وتبث من روحها مواقفها الفلسفية دون أن يتأثر مسار السرد، فالحمولة الفكرية لديها موزعة عبر الصفحات، ولم تكن تسكبها دفعة واحدة حرصا منها على عدم السقوط في المباشرة، أو في الكتابة التسجيلية «غير الفنية».

وإن كانت الكاتبة قد حظيت بالشهادة الايجابية التي قدّمها م. صفوان البخاري، فإن كتابها لا يخلو من السيرة الذاتية والغيرية والجمعية، السيرة التي لا ترفع من مكانة أحد، بقدر ما ترفع من مكانة التجريب في الأدب، لأنه أتاح للكاتبة أن تـُقدّم بنجاح وجهات نظر الشخصيات في شتى الموضوعات، وخاصة نكوص المرأة في عالم الوحدة، الأمر الذي وإن كان يثير خيالها، إلا انه يبعث في نفسها الكثير من القهر والاغتراب الداخلي، وكأني بها تدعو المجتمع لإحداث نوع جديد من التفاعل القائم على المحبة والوفاء والعدالة والإنصاف والمساواة، ووفق كل المثل والقيم التي شغلت البشرية وهي تبحث عنها، دون أن تنجح في تطبيقها في الواقع. 

المصدر : جريدة الدستور