|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمان.. الظاهر والمضمر
عاشقة
الصحراء :
أطلقت الأديبة اللبنانية غادة السمان رسائل الشاعر اللبناني أنسي الحاج من عقالها، وأصدرتها في كتاب، كان مفاجأة للمثقفين في معرض بيروت الدولي للكتاب الذي أقيم في كانون أول 2016. يأتي نشر هذه الرسائل بعد مرور عامين على وفاة أنسي الحاج، صاحب ديواني: « لن» و»الرأس المقطوع». وهي سبع رسائل كتبها الحاج عام 1963. وكان متزوجًا في السادسة والعشرين من عمره، وله ابن وابنة. أما غادة السمان فكانت طالبة في الجامعة الأمريكية ببيروت، وفي العشرين من عمرها، تتلمس طريقها في عالم الأدب بعد صدور مجموعتها القصصية «عيناك قدري». ليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها الأديبة اللامعة إلى مثل هذا العمل؛ فقد سبق ونشرت عام 1993رسائل غسان كنفاني، الأديب والمناضل الفلسطيني المعروف التي كتبها خلال عامي 1966_1967. وكان القاسم المشترك بين الحالتين أن غادة لم تنشر رسائلها إلى كل منهما من ناحية، وأن النشر جاء بعد مدة من موت كليهما؛ مدة طويلة جداً، عشرين عامًا في حالة رسائل غسان كنفاني، وطويلة نسبيًّا، سنتين في حالة رسائل أنسي الحاج. لعل المثقفين والمتابعين لما يجري على الساحة الثقافية العربية محقون في إثارة أسئلة كثيرة لما أقدمت عليه غادة السمان من نشر رسائل الاثنين: لماذا كان بعد الموت؟ لماذا انتظرت مدة طويلة؟ لماذا لم تنشر رسائلها إليهما، أو على الأقل توضح ما أحاط بها من تفاصيل؟ هل من اللائق نشر رسائل لم يشأ أصحابها أن يتكلموا عليها في حياتهم؟ أليس في هذا العمل اقتحام للخصوصية، وإساءة للأمانة، والمشاعر الجميلة؟ لقد أجابت غادة السمان عن بعض هذه التساؤلات، إذ أقدمت على نشر هذه الرسائل ــ كما صرحت ــ بأنها «لن تحرق سطرًا مبدعًا أو يكتبه مبدع كبير في حقله»، وأنها لم تنشر الرسائل التي كتبتها لغسان كنفاني؛ لأنها لم تجد لها أثرًا. أما فيما يتصل بأنسي الحاج فهي ببساطة لا يوجد لديها ما تنشره. لقد كانا يلتقيان في مقاهي شارع الحمرا في بيروت، ولم تكتب له أي رسالة. تبدو إجابات غادة السمان، فيما يخص، على الأقل رسائل أنسي الحاج موضوع اهتمامنا، غير مقنعة. فليس مقنعًا أنّ الدافع لنشر هذه الرسائل هو الحرص على إبراز القيمة الأدبية. فلماذا الانتظار حتى يأتي الموت لأنسي الحاج؟ كما يبدو غير مقنع قولها بأن لقاءهما المستمر جعلها لا تكتب إليه. فإذا كان اللقاء يمنع الكتابة بينهما فكيف نفسر كتابته لها، واستقبالها رسائله؟ أرى أن اللجوء إلى آراء غادة السمان لا يكفي لفهم ما أحيط بهذه الرسائل، وتوضيح جوانبها الغامضة. لعل العودة إلى نصوص الرسائل نفسها يفيدنا في فهم بعض الحقائق المضمرة أو التي غيبت من الطرفين. فالشاعر في تلك الفترة الحالمة من حياته كان غارقًا في المثالية والوحدة، خاصة بعد وفاة والدته، إنه احتاج إلى من يستمع إلى عذاباته وأنينه، ويشاركه بعض ما يعاني من أسى واغتراب. يقول مخاطبًا غادته في احدى الرسائل:» لا أعرف شخصًا سواك أتحدث إليه. صرت كل شيء أعرفك وتعرفينني منذ البداية. أنت أختي وحبيبتي». إن أنسي الحاج يعبر عن آلامه في كتابة رسائل إلى إنسانة ينتظر منها أن تتجاوب مع ما فيها من مشاعر صادقة، لكن من يخاطبها كانت تتلذذ بأن فتى لامعاً، وصحفيًا ناجحاً، وشاعرًا متجددًا مغرمًا بها، بل يكاد يذوب بين يديها. إنها كمن تتلذذ بآلام قتلاها. هذا ما نلمسه في إحدى الرسائل؛ إذ تبدو تلك المعشوقة غير عابئة من ناحية، ولكنها مهتمة وسعيدة بما يُكتب لها من ناحية أخرى. إنها لا ترد على الرسائل خوفًا من أن توقف أو تطفئ هذه الكلمات الجميلة، والعواطف الملتهبة، والأحاسيس المرهفة، والعبارات التي تبعث اللذة في كل من تسمع مثلها من الفتيات الحسان؛ لذا لا مانع من الاستمرار بعذاب صاحبها بعدم الرد، كمن يعذب عصفورًا بسجنه ليسمع منه أعذب الألحان. نفهم هذا من قول الشاعر الحاج:» إنك تُخيّلين على أفكاري وتلتهمينني. هل أكمل يا غادة؟ هل أكمل محاولة وصف ما بي؟ أم أنك لا تبالين؟ أم أنك ستقولين لي أنك معتادة على هذا الهذيان؟» هكذا نرى الشاعر أنسي الحاج قد أفرغ ما في قلبه في تلك الرسائل، وشفي من مرضه العشقي إزاء ما رأى من تجاهل من أحب؛ فتوقف عن الهوى المجنون، ونسي ما كان، واستمر على هذه الحالة حتى غاب عن الحياة. تذكرنا حالته بالشاعر الألماني غوته الذي عدل عن الانتحار بعد أن أفرغ ألمه وحزنه على ضياع محبوبته شارلوت بيف بزواجها من غيره في روايته الخالدة «آلام فيرتر». أما غادة السمان فاحتفظت بالرسائل لتعود إليها من وقت لآخر تذكرها بماضيها العابق حركة وجمالًا. ثم ارتأت وهي في هذه السن المتقدمة، الرابعة والسبعين، التي لا يحس الإنسان فيها بحرج إذا اعترف بكل شيء؛ فقد اقتربت اللعبة من الانتهاء. ولكن رغم ذلك لا يمكن الجزم بأن غادة نشرت الرسائل كما تلقتها من الشاعر، فلا بدّ من أنها تناولتها بالتغيير؛ زيادة، أو حذفًا، أو بالتقديم والتأخير، كما يعتري كل تدوين. استنادًا إلى ما نعرفه عن حياة غادة السمان، وما أقدمت عليه من نشر ما وصل إليها من رسائل سواء من غسان كنفاني أو أنسي الحاج، نظن بوجود رسائل أخرى تمتلكها الأديبة لرجال غير كنفاني والحاج. ربما لناصر الدين النشاشيبي أو توفيق صايغ. فقد كان الاثنان زميلين لها في الجامعة الأمريكية، كما أن توفيق صايغ كان ذا مزاج متوتر مثل أنسي الحاج، وتتشابه ظروفه بالظروف التي مر بها، وخاصة فقدان أمه في تلك الفترة التي تعرّف بها إلى غادة. وقد ورد في مقال للدكتور محمد شاهين( نزوى،ع89 ، يناير 2017م، ص 96) بأن الدكتور إحسان عباس حذر صديقه توفيق صايغ من غادة السمان قبل موته بقليل؛ لأن شخصيتها مختلفة تمامًا عن شخصيته، ولكنه لم يعبأ بنصيحته، وأعرض عنه، وظن أنه يريد أن يوقع بينهما. إننا ننتظر من الأديبة غادة السمان مزيدًا من البوح عما كان بشأن هذه الرسائل، وأنّ تنشر ما يمكن أن يكون لديها من رسائل لأدباء ومثقفين آخرين؛ ففي ذلك فائدة كبيرة في فهم ما أنجزه هؤلاء الأدباء البارزون، وفهم ما أنجزته غادة السمان نفسها. مصدر / الدستور الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: السبت 25-03-2017 12:28 صباحا الزوار: 631
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
مجمع اللغة يعيّن الدكتورة رحمة الحاج ... | اخبار الاديبات والشاعرات | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 13-09-2024 |
الشاعرة فايزة النعيمي تشارك في فعاليات ... | اخبار الاديبات والشاعرات | إدارة النشر والتحرير | 0 | الجمعة 18-10-2019 |
الشاعرة فايزة النعيمي تشارك بكرنفال ... | اخبار الاديبات والشاعرات | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 19-02-2019 |
حفل توقيع كتاب : \"الثقافة في أفق ... | اخبار الاديبات والشاعرات | اسرة التحرير | 0 | الثلاثاء 27-11-2012 |