|
|
||
|
نجلاء عطية : شاعرة تخيط الحزن بإبرة العبارة..!!
حسن بيريش، اسم يتجاوز حدود المغرب الذي منه وإليه يعود ، يخترق حلمه أسوار القلوب التي تضيق...
يكتب ويرسم ويلون في آن....
يحب فيقترف كل الذنوب ....
يعشق فيتيه على غير واقع الإنسان...
يتمرد فيكسر كل قيود اللغة...
يموت في الكلمات ويحيا في المعنى القصي....
ينسج للمرأة عالما من خلود....
يهبها مفاتيح الانتماء إلى ذاتها بفخر ...
يعلمها الصلاة في محراب المجاز...
يرمي بها أمام مرايا الفجرلتكشف نفسها كدهشة...
حسن بيريش، أسطورة جيل يعاند الخمول...
يواجه بقلب حاف سطوة الأنثى ، وينتشي حين يعري أسرار الإعجاز فبها...
يقارب فيها الهاوية و التخوم.... ساحر له غواياته ....
طريقه إلى الجنة والنار تغازل المستحيل ...
ويقيس المسافة بينهما بما تعلمه عن كبار المفكرين...
حسن بيريش،
عضو المجلس الإداري لاتحاد كتاب المغرب.
عضو النقابة الوطنية للصحافة المغربية.
رئيس تحرير سابق لتلفزيون قرطبة.
فائز بجائزة أفضل كاتب بورتري في الصحافة المغربية سنة 2016.
له عدة إصدارات أدبية.
صنف ضمن رسالة دكتوراه واحد من أهم وأكبر كتاب البورتري في العالم العربي.
المستشار الثقافي لمؤسسة النشر المغربية ومضة.
حسن بيريش، في كتاب فريد من نوعه، كتب عن أديبات ذاع صيتهن في العالم العربي كأحلام مستغانمي، غادة السمان، جميلة الماجري، حياة الرايس، سونيا الفرجاني ، أسماء المصولحي وغيرهن كثيرات.... وقد حباني كرما وتكريما بهذه الوقفة النقدية الموغلة في التفرد ...
بورتري
نجلاء عطية
شاعرة تخيط الحزن بإبرة العبارة..!!
حسن بيريش
(1)
ذهابي
إليها.
لما أزمعت الكتابة عنها، قلت لها: أنت في رهافة اللون. ردت: "بل أنا بنفسجة تبذر اسمها في فضيحة لونها". سألتها: " هل أنت بصدد غزل وشاح للمجاز؟ أجابت: "أنا هنا أخيط الحزن بإبرة الجمال الكئيب".
انتهى الانهمار، وبي إدراك أن حبري إزاء "زهرة في هاوية"،
بيد أنها رمت في وجهي وردة الجحيم، ونبست، في رهافة أخاذة، بما أسقى جدب انتظاري: "أنا أكثر امرأة تعشق قبح بودلير المذهل"..!!
إيابي
منها.
وعدت أدراجي، وفيما أنا أردد: في الفرق بينها وبيني ليس هناك غير نأي يسري في خفق تأويل التداني.. جاءني منها تأويل مغاير، وسمعت جنونها يهجس لي: "المسافة بين الله والشيطان رسمها بودلير بجناح فراشة"..!!
"أنا لست شاعرة
لأصف انكسار الظلّ
على صمت البحيرات
الحزينة
- أنا لست أنتِ
لأنازع الآلهة
على عرش الأولمب
- أنا لست أنا
لأقول كم أحبّك
يا حقول التّبغ في وحم المدينة...".
(2)
من بواكير التعاطي، حتى أوج الانصهار، كم يربكني مخيال نجلاء عطية، ليس، فقط، لأنه يندفع بي نحو غرابة الصور، نحو حبق العبارة، بل لأنه، أيضا، يخصم من العمر المنفلت، ليضيف إلى القصيدة المحلقة.
ثمة قلب للأشياء في شعر هذه المرأة المضيئة كالماس، إنه عناد الحواس، حين تلتقي بارتعاشات الحياة، وحين يربض وجيبها بين يدي الظاهر والمستتر، ويجعل منهما، معا، صلة وصل بين تلاوين الوجد، وسيماء الشجن.
"للشاعر أن يرشو الغياب
بسوناتة رعويّة
تمدح جراح الحبيب
في حنّاء على ضفائر الشّوق
وللناثر
أن ينصب الفِخاخ
لقَطاة
تضيء ليل الكنايات
ولي أنا، الموزّعَ بين وضوح البراري
والتباس المدى،
ان أرصّع ببوسة خال
خاتم هذا الصّدى".
هي ذي نجلاء، تركب براق الكلم المستبطن، فيما شاعريتها مصوبة نحو سدرة المعنى. لذلك، تجعل قلب الدوال نابضا، مدمنا لاهتياجها، ودائم التلفت صوب ما يعريه.
(3)
مقلة نجلاء، لا تكثر شعرا، كي لا يجافيها الإبداع، وكي تظل مصابيح شعرها مضيئة، وتكون في الموعد، لما يزف إهلال القصيد.
تذهب يوميا إلى الشعر، تواجه مخاطر الطريق المؤدي إليه، وعلى لسان مهارتها، تردد:
قل لن يصيبني
إلا ما كتبه الشعر علي..!!
لم تصبح هذه التونسية، غير المتوقعة أبدا، واحدة من أبهى
رعايا مملكة الشعر، إلا بعد أن ٱمن يراعها أن النوايا، لا تكفي للقبض على قصيدة تصهل بالمواجيد، وتنتصر على تشظيات الزمن اللولبي المناقض للشعر.
"حين أراها
من شرفات العمى
يخضرّ المدى
يضحك الماء في خرّوب لماها
حين أراها
بين تجعّد الضّوء في صوتها
تتهاوى الكواكب كالزّنابق
على حنين الأراك إلى
لازورد سناها
حين أراها
في جروح الغروب
يسبّح الأقحوان بسين اسمها:
سبحان من سوّاها
فهل أرى قمرا سواها؟
لفرط فتنة هذا النص، لما وصلت إلى "سواها"، صحت بعلو حبر البورتري:
هذي مبدعة،
إذا افتخرت بالشعر،
يوما،
صدقها الشعر
دائما..!!
(4)
شفافة لغتها مثل البلور، يصلني توقها بحجم عباد الشمس، برائحة الخزامى، وببهاء النرجس.
إنها لا تكتب وبينها وبين اللغة مسافة من حياد المعنى، أو
تخوم الهدوء النفسي. بل تتوتر وهي تبدع، كي ترغم لغتها على التأجج، والتأهب لاستقبال تبدلات الأحاسيس، وزخم الأعماق، وسمفونية الدخائل، وشطحات المخيلة.
ثمة في لغتها ذاك السريان الخاطف الذي يربك التلقي، لأنه من غير المتوقع يهل، في سلسبيل العراء يتشكل، في مهب الاعترام يضع إمضاءه، وعلى الجسد يفشي غموض وضوح نصاعته، وما من تأويل لتناسل ماهيته.
نيئة تمنحنا لغتها، لا تطهوها على نار المحايث، لأن عبارتها تندلع حريقا في جسد المعنى قبل التلقي، فكيف تطهو النار لغة مدمنة على الاحتراق..؟!
"أمام أبواب الجنان الموصدة،
يقف آدم وحيدا
بكامل أناقته
ينتظر يوم القيامة
كان يطهو الوقت بتفاحة
يقضمها على مهل...
لا شيء في المدى
سوى دودة تحدّق فيه...
وتبتسم..
حوّاء... أيتها الٱلهة
ترجّلي
مسّدي بشهقة قافية
خوف هذا المكان
حوّاء... أيّتها الٱلهة
تمهّلي
يا شمسا تحتال على الفاكهة
لتبوح بتجاعيدها قبل
الأوان
وحده الحبق يشحذ في صمت
نصال خُضرته
على ظلال الصّوّان".
هذا النص، " لو كان آدم شاعرا"، فتن قراءتي، ٱل بي صوب السحائب الماطرة، وأيقظ في مكامن إعجابي ما لن أخفيه، بل أعلنه على مسمع ومشهد من لحظتي.
هذه النجلاء
غائرة في لباب الكلم،
ضليعة في دم الشعر.
يرى فيها الإبداع
مهارته،
وترى هي فيه
عسره..!!
(5)
الكتابة عندها
امرأة ورجل.
والإبداع واحد، لا ينقسم إلى شطرين، ولا يخضع لتصنيف على أساس الجنس، باعتبار أن الحبر لا يفرق بين يد مذكر ويد مؤنث.
كلاهما، الرجل والمرأة،
يمتح من اللغة،
وهي مؤنث،
وكلاهما يلوذ بالشعر،
وهو مذكر..!!
تشهر نجلاء عطية رأيها حول هذا الانفصال المؤدي صوب انفصام، وتقول بجلاء:
"النصنيف الجندري للكتابة،
هو تصنيف لا علاقة له
بجوهر الفعل الإبداعي.
فالنص ينفلت عن عقال الجنس
والمستوى التعليمي.
فكم من عصامي أدهش الأكاديميين،
وكم من امرأة بزّت الرجال،
وصارت رائدة من رواد الأدب،
كنازك الملائكة، أحلام مستغانمي،
غادة السمان، مي زيادة،
ونوال السعداوي"
هذا رأي لم يصنعه وعي أنثوي متضخم الذات، ولا وعي ذكوري يتوهم الوصاية على الأدب.
(6)
أن تمارس العبارة الإفضاء، أو تجنح نحو الكتمان، مسافات يتجلى في هديرها ذاك الفرق بين التصريح، وهو ليس من شيم الجملة الإبداعية، والتلميح، وهو قرين العبارة المشفة عما تحتها.
نجلاء تعشق الإفضاء، ولا تتجانس مع الكتمان، بيد أنها لا تسلس العنان للجسد كي يهجس برغائبه في منأى عن لغة الإيحاء المضمر في ثنايا الكلم.
لذا،
قد تمتطي صهوات الجسد،
لكنها تفصح عنه في إبانة،
كي تجهش بالضوء الغائب،
وتبين عنه في فصاحة،
كي تشي بالعتمات الحاضرة.
لنستمع إلى نجلاء، ففي لغتها نعثر على إنارة لجماع هذه الحلكة:
"لا أحد ينكر أن لغة الجسد
هي جزء من المعنى
وماهية الإنسان كتابة.
وأعتبر أن من مهمة
الشاعر أو المبدع
ملامسة الدلالة برقي
دون الوقوع في الصور الفجة،
إلا إذا كان ذلك وظيفيّا.
وبعيدا عن الأحكام
التي قد تنال من حرية المبدع
في تناول التابوهات،
أعتقد أن تعرية العبارة،
والجنوح إلى الإثارة
في تناول تيمة الجسد،
هي ضرب من ضروب الابتذال،
وأفضل التلميح على التصريح،
والمجاز على المباشرة".
(7)
لما أرى تواضع هذه العارمة أمام سطوة الشعر، وأستشعر رهبتها إزاء سلطة التلقي، أجدني أكتب، بلا أذيال ظنون، وبدون حتف يقين:
هذه امرأة
تغزل سجادة من
الكلام الملون،
وتأبى أن تعلقها
على جدار تفوقها..!!
بلى، هذه قارورة إبداع تتضوع بطيوب الكلم، وعن رفيع الرفيع لا تحيد، أو تترجل.
"هذا المساء أجلس كالأميرات
كبنفسجة
تبذّر اسمها في فضيحة لونها
كم يلزمني من السّحر
لبلح الشّعر
ومن كاف تشبيه
لأشبهني".
(8)
ذهابها إلي.
"كن شاعرا
وعلق حذاءك القديم
على مشجب الوقت،
وامض حافيا
إلا من صدقك"..!!
هكذا قالت لي نجلاء، حين كنت أيمم خطوي شطر تأويل غيابها في حضوري. ولما كنت قيد مثول مهيب بين يدي إجادتها، بين مكامن دهشتي.
إيابي منها.
سأكون ناثرا
وأشهر لغتي المشبوبة
على ملإ من شعرك
وأمضي ظامئا
إلا من روائك..!!
هكذا سأقول لها، سأقول لي.
الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الجمعة 11-09-2020 08:55 مساء الزوار: 231 التعليقات: 0
|
|