|
|
||
|
عن الفلسفة، الكتابة، النشر والنقد المسرحي: حوار مع الكاتب والناقد المسرحي ياسين سليماني
عن الضيف:
ياسين سليماني كاتب وناقد مسرحي جزائري، أنجز عدداً كبيراً من الدراسات النقدية في مجال المسرح، شارك وأشرف على تأليف العديد من الكتب الجماعية والفردية، نذكر منها:” سؤال الدراما، خطوط غير مستقيمة،العين والمدى، تلغيم الفن، جنون المسرح وجنائنه، القارئ والعلامات”. صاحب عمود أسبوعي في يومية الجمهورية تحت عنوان ” تياترو ياسين“. نصّ الحوار:
على عكس ما يبدو من بساطة في السؤال لكن الأمر ليس كذلك مطلقًا. السؤال يطلب أن نتحدث عن ذواتنا ونحن ننظر إليها في مرآة الحياة والوجود ولا أصعب من هذا. يمكن بنوع من التبسيط المخل أن يقول أحدهم كما يُكتب غالبا في أغلفة كتبي: كاتب وناقد من الجزائر يشتغل أستاذا للفلسفة. لكن بيني وبينك ما أصعب هذا الإيجاز.
الفرق الظاهر بينهما هو أن الفلسفة اشتغال نظري تتعامل مع الأفكار بينما المسرح اشتغال في الميدان. الفلسفة بحث فردي في الغالب. المسرح عمل جماعي. الفلسفة نخبوية في معظم ما تقدمه مع بعض الاستثناءات بالطبع بينما المسرح جماهيري يفتح أبوابه للجميع. لكن المسرح يقوم على فلسفة فن وإبداع ورؤية. دعنا من بديهية أن المسرح والفلسفة ظهر كلاهما في التربة اليونانية في الوقت نفسه تقريبًا. ودعنا من أن أرسطو العظيم قد كتب عن المسرح كتابه الأشهر فن الشعر، حتى عندما أراد الكثيرون تبسيط رؤاهم توجهوا نحو المسرح. خذ سارتر مثلا، كتب الوجود والعدم وهو مغرق في الصعوبة كما يرى الكثيرون وكتب أيضا الأبواب المغلقة مسرحية لا تبتعد في أفكارها الأساسية عما كتبه في الأول. شخصياً، عمّقت دراستي للفلسفة رؤيتي النقدية للحياة والنفس والعالم، وعندما انتقلت لدراسة المسرح وجدت الكثير من الاستعدادات لدي لكتابة النقد المسرحي. حقيقة إني لا أزال أفتخر بهاتين المحطتين: دراسة الفلسفة والمسرح.
لا أظن أن الأمر كان متعلقًا بقرار اتخذته لأكون كاتبًا. الأمر ربما نوع من الميول أو الشغف والاهتمام الواضح بالقراءة ثم محاولة التجريب. كتبت مرة قصة عن بقرة ولدت بيضة وبقيت تنظر إليها. عندما نتذكر في البيت هذه القصة يضحك الجميع لأنّي عجزت عن إكمالها. في السنة الأخيرة في الابتدائية قالت لي معلمة اللّغة العربية أنها تتمنّى أن أكون كاتباً كبيراً في المستقبل بعدما رأت عندي كراسا فيه قصة طويلة كتبتها بتأثير مباشر من عمل كرتوني كنت أشاهده على القناة الوطنية وقتها. لا تتصور كم شجعتني تلك الجملة. حتى أنّي، اعترافا بجميلها، أخذت لها الطمينة أول ما أعلنت نتائج البكالوريا رغم أنها لم تتذكرني في البداية عندما ذهبت إلى منزلها. كنت آخذ قصص الأطفال وأسأل نفسي إن كان سيأتي يوم أحمل فيه كتبي بين يدي كما أحمل كتب الآخرين، كان وقتًا جميلاً. بالنسبة لسؤالك عن صلاحية النشر فبالطبع ليس كل ما يكتب يصلح للنشر. يستلزم الأمر التجريب والصبر قبل النشر، التشطيب أيضا والتمزيق مع أنه صعب لكن لازم أحيانًا.
لا أعرف إن كنت نهمًا أم لا. لكن تعرف أن المهتم بالكتابة عليه أن يتعامل بشكل يومي مع كل النصوص وخاصة النصوص الأساسية في المسرح مثلا. صحيح أنني فوجئت ببعض كتاب المسرح الشباب والممثلين والمخرجين لم يقرؤوا يوما لشكسبير ولا لموليير ولا انتبهوا لأعمال عربية ولا أجنبية. مع ذلك يفتخرون بانتمائهم المسيح للمسرح، فالقراءة الواعية مهمة جدا. أقرأ كثيرا نعم لكن الجزء الأكبر تستحوذ عليه القراءة في المسرح ونقده.
أظن أن الصعوبات اختفت الآن بسبب ثورة الميديا والانتشار المريع لدور النشر أو دعنا نقول (المطابع). لم أواجه صعوبة في النشر. عندما أردت نشر أولى مسرحياتي توّجهت إلى دار نشر سلّمتها العمل وطلبت منّي مقابلا ماديا. توفر لدي ذلك المبلغ وقتها فتّم النشر ووُزِّع الكتاب الصغير بشكل جيد. كان مسرحية موّجهة للأطفال واهتمت بها بعض المدارس إذ وزّعتها على تلاميذها، لذلك عاد لي ذلك المبلغ وأكثر منه وهذا شجّعني جدّا على أن أستمر في الكتابة. بعد هذه السنوات ومجموعة كتب نشرت في الجزائر وخارجها أصبحت أرفض مطلقا نشر كتاب على نفقتي أو بمشاركة مادية منّي. الكتاب يأخذ مني وقتا وجهدا وتعبا حقيقيا فلا يعقل أن يأخذ مني أيضا المصروف اليومي الذي أقتني به الخبز للبيت. تعاملت مع أكثر من دار نشر في سورية والأردن و يهّمني أن استمر معهم.
الأمر نسبي طبعًا. هناك كم هائل من الكتابات التي لا يمكن أن تُقرأ. لكن أيضًا بفضل هذه المنصات تعرفت على مجموعة كبيرة من الكتاب والنقّاد والشعراء الممتازين فعلا حتّى وإن تمّ تغييبهم في الإعلام التقليدي.
كل مجال يصنع خصوصيته.. أنا لست أي واحد من هؤلاء فقط. أنا أنجز تمارين في الكتابة. هذه التمارين مرة تكون كتابة درامية ومرة نقدية ومرة ترجمة وهكذا. أهتم بالنقد أكثر بسبب وجيه وهو النقص الكبير في الجزائر في هذا الشأن.
إضافة إلى إخراجي لمسرحية الغريب لألفريد فرج، التي كانت ضمن متطلبات تخرّجي من قسم الفنون، لدي تجربة إخراج وحيدة متمثلة في مسرحية هواية أسامة. ولكن كما تعرف، الإخراج عمل جماعي يحتاج إلى فريق متكامل وتعب وجهد متواصل من هذا الأخير عكس الكتابة. مع أني حسب قسم الفنون متخّرج بشهادة في الإخراج المسرحي، لكن لا أجد نفسي في حال أفضل إلاّ من خلال الجلوس إلى المكتب والكتابة.
النقد المسرحي في الجزائر موضوع متعب حقيقة ومزعج بالفعل. بعد كل هذه السنوات ووجود جامعات كبيرة إلا أنّنا ليست لدينا ساحة نقدية واضحة. لدينا محاولات متشظيّة من المتخصصين. أقصد بالمتخصصين من درس المسرح بكل مفرداته وهذا لا يكون إلا في أقسام الفنون. وأنت ترى أن أقسام الفنون للأسف لم تخرج لنا نقّادا يمكن أن يكونوا فاعلين حقيقيين. لدينا أساتذة جيّدون. بعضهم نشر رسائله الجامعية في كتب مع بعض المحاضرات أو المشاركات العلمية هنا وهناك وعمومًا في المناسبات. لكن ليس لدينا في الغالب نقاد ينخرطون في الفعل النقدي الدائم عبر المجلات والصحف. هناك أقسام أدب عربي أو فرنسي أو إنجليزي قدمت دراسات جامعية حول المسرح لكن عيبها الكبير أنها تدرس المسرح بوصفه نصا فقط مثله مثل الشعر والرواية وهذا لا يضيف الكثير. اطّلعت على الكثير من هذه المنشورات وفيها الكثير من الثغرات.
المسرح منجم ضخم لتجربة الإنسان مع نفسه والعالم في مختلف السياقات. إن لم يكن للمسرح أية فضيلة سوى أنه يجمعنا مع بعض في قاعة واحدة ليناقش الإنسان والحياة والزمان والمكان بخطاب فني وأدوات جمالية لكان ذلك كافياً.
في الواقع لا يوجد في الفن لفظة (يجب). الفنان يقدم رؤية فنية لموضوع ما في أي سياق ومع أي مدرسة أو اتجاه. ليس المهم فقط ماذا يقول العمل ولكن كيف يقوله. أغلب المشكلات التي يطرحها المسرح هي مشكلاتنا اليومية التي لو لم تحدث معنا فقد حدثت مع غيرنا. لكن كيف يعبر عنها الفنان؟ وما هي الأدوات التي يختارها؟، هذا هـو الهدف الأساسي.
لا أتفق مع من يقول إن هناك نقصًا في النصوص الجزائرية. الكثير من النصوص مكتوبة محليا ونجحت ولا تزال ناجحة، والكثير من شباب الجمعيات والتعاونيات يكتبون نصوصًا جميلة. النصوص العالمية مهمة حتى يضطلع الجمهور على الثقافة العالمية. هذا مهم جدا لكن أيضا تحميس الشباب على الإبداع مهم أيضا. كما أن الرواية الجزائرية فيها نصوص في غاية الجودة ومن الممتاز أن يتم الرجوع إليها واقتباسها للمسرح.
معرفة العرب بالمسرح في الجزائر قليلة ومحصورة في أسماء قليلة راحلة أو في بعض المبدعين الذين يشاركون في مهرجانات وتظاهرات عربية. لا تخرج هذه المعرفة عن كليشيهات سريعة. لم يستطع المسرح عندنا أن يوصل صوته بقوة إلى شمال إفريقيا والمشرق.
على المستوى الوطني، عدا مهرجان المسرح المحترف، على نقائصه وهفواته المتكررة كل عام لا يوجد مهرجان وازن يستحق الإشادة. في السابق كانت بعض الولايات مثل خنشلة تقيم مهرجانا وطنيا لمسرح الطفل على مستوى مرموق، بعدها خفتت الجهود ولم يبق إلا أيام مسرحية وبعض التظاهرات، صحيح أنها مهمة ولكن ليست بالمستوى الكبير المطلوب. عربيا دور الهيئة العربية للمسرح في الشارقة مهم جدًا. إذ تصرف على المسرح ببذخ وهذا ممتاز، إضافة إلى المنشورات الهامة الخاصة بالظاهرة المسرحية في كافة البلاد العربية. مهرجان قرطاج مغاربيا أيضا مهم جدا ولا يزال يحتفظ بقيمته الكبيرة وهذا ليس غريبًا على بلد مثل تونس. في مصر هناك مهرجانان مهمّان: مهرجان المسرح التجريبي وهو دولي في غاية الأهمية أيضا ومهرجان المسرح القومي الذي يشبه مهرجان المسرح المحترف عندنا بالجزائر.
دعم المسارح الجهوية موجود وبعض المسارح تهدر أموالا ضخمة بينما تنتج أعمالا في غاية الضحالة. أما بالنسبة لدعم التعاونيات أو الجمعيات فالعديد منها يستفيد من الدعم وينتج أعمالا بسيطة وبعضها يقدم أعمالا وازنة دون أي دعم حتى المعنوي.
فكرة التحكم يسأل فيها القارئ. لكن أظن نعم. أنا خريج قسم فنون درامية بالجمع لا بالمفرد ويدخل ضمن هذا السينما. الكتابة عن السينما ليست جديدة، كتابي سؤال الدراما فيه جزء خاص بالمسرح وجزء درست فيه أفلاما. وخطوط غير مستقيمة فيه حديث عن السينما أيضا. ما تعلمته مثلا من ناقد كبير مثل برنارد ديك مؤلف الكتاب العظيم تشريح الأفلام أضاف لي الكثير وأنا أقرأ باستمرار ما يكتبه النقاد العرب والفرنسيون خاصة.
في الجزائر وبعض البلاد العربية ربّما يكون هذا الكلام صحيحا. لكن المسرح أفاد بشكل كبير من تقنيات السينما ومن تطور تكنولوجيا الإضاءة والصوت حيث أصبحت الكثير من العروض تعتمد على الإبهار البصري حتى في ظل تدحرج قيمة النص إلى الخلف.
ناقشت هذا السؤال في كتابين: خطوط غير مستقيمة والقارئ والعلامات. أظن أن المسرح يحتفظ بخاصية أساسية لا توجد في السينما أو التلفزيون أو الأنترنت ألا و هي الحضور الحي للمبدع أمام المتلقي. يجب على صناع المسرح أن يستثمروا في هذا ليجددوا الخطاب المسرحي بأفكار وأدوات تشجع الجمهور على التوجه إليه.
حاليا لا أزال مشغولا بعدد من مشاريع الكتابة النقدية في المسرح والسينما ومنها أعمال جماعية تأخذ وقتا طويلا في إنجازها. الكتابات في مجالات أخرى ربما يحين وقتها ذات يوم.
أظن أن تجربتي في الكتابة الفكرية وإن كانت قليلة لكنها ذات قيمة. أصدرت كتاب العين والمدى ونفدت طبعته الأولى في وقت سريع. كما شاركت في إنجاز موسوعة فلاسفة العرب المعاصرين وأصدرت بإشراف الصديق الدكتور بشير ربوح عملا جماعيا بعنوان: المقدس والتاريخ نشر في مؤسسة مؤمنون بلا حدود.
لست بمقام النصح ولكن من الجيد أن نذهب إلى المسرح ونحضر حفلات ونشاهد سينما ونتناقش حولها. يسعدني كثيرا عندما أجلس في مقهى وأجد شبابا يناقشون فيلما أو حتى في صفحة على الفايسبوك، هذا رائع. المصدر النقطة الزرقاء الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: السبت 29-08-2020 03:28 مساء الزوار: 148 التعليقات: 0
|
|