|
|
||
|
قراءة نقدية لقصيدة "وَطَنٌ يَرْقُصُ"للشاعرة ابتسام الخميري ... اعداد د. موسى الشيخاني
قراءة نقدية استقرائية فلسفية وجمالية لقصيدة "وَطَنٌ يَرْقُصُ" بقلم الشاعرة إبتسام عبد الرحمن الخميري ... إعداد: د. موسى الشيخاني
أولًا: السيرة الذاتية وسياق التجربة الشعرية
الشاعرة إبتسام عبد الرحمن الخميري، صوت شعري تونسي جريء ومتفرد، تنتمي إلى جيل معاصر يواجه متغيرات الواقع العربي بانحياز وجودي عميق، ووعي أنثوي لا يُهادن. هي عضو مجلس إدارة مركز عرار للدراسات الأدبية والنقدية والنقد المقارن، ورئيسة جمعية التسامح للإبداع الثقافي بتونس، ما يعكس موقعها الفاعل في المشهد الثقافي والفكري، ويمنح تجربتها الشعرية بعدًا مركبًا بين التنظير والممارسة. تستند في كتابتها إلى خلفية معرفية تعي دور الكلمة في مقاومة الاغتراب، وبناء المعنى، وإعادة تعريف الذات أمام سلطة "الوطن" والذاكرة.
ثانيًا: القراءة الاستقرائية للقصيدة
1. مشهد الافتتاح: وطن يحتضر ويرقص القصيدة تفتتح بمفارقة مؤلمة: "وَطــنٌ يَرقــصُ في السَّطرِ الأخيرِ.. منَ الحياةِ، قالَ:..." الرقص الذي يواكب النهاية لا يُعبّر عن الفرح، بل عن عبث الوجود، وربما هروب الوطن من مواجهة الحقيقة. في هذه الصورة، الوطن يتحوّل من كيان مقدّس إلى جسد عاجز، يطلب المغفرة لأنه لم يمنح "ما تشتَهين".
2. الحوار بين الأنثى والوطن القصيدة تنتقل إلى مشهد حواري وجودي بين الأنثى و"الوطن الرجل"، حيث يعتذر هذا الوطن عن عجزه، ولا يمنح سوى "قبلة، أنفاس، نبيذ"، ما يجعل الأنثى تدرك خواءه، وتعلن سيادتها: "من يَسُودُ القَومَ سِـوايَ؟؟؟ من يسوسُ سوايَ؟؟" هذا الإعلان لا يمثّل فقط تمردًا نسويًا، بل يقدّم قراءة مغايرة لمعنى الانتماء، السيادة، والسياسة الشعرية للذات.
3. تصعيد لغوي ورمزي كثيف "قُـدَّ أحلامكَ من نُجومٍ غائِراتٍ لا غُـيومَ هائِماتٍ..." الشاعرة تمزج بين اللغة الرمزية والصور الفلسفية، لتُحمّل الوطن مسؤولية انهيار الحلم. "النجوم" رمز للثبات والنور، و"الغيوم" رمز للتيه والضبابية. إنها دعوة إلى بناء الحلم على الحقائق لا الأوهام.
ثالثًا: القراءة الفلسفية
1. القصيدة كصرخة وجودية القصيدة لا تتعامل مع الوطن كمكان، بل كفكرة، كقيمة مهدّدة. الوطن يتحوّل إلى علاقة مهزوزة بين أنثى متمرّدة ورجل مأزوم، وكأن الشاعرة تعيد بناء "الميثولوجيا الوطنية" من جديد.
2. المرأة كذات قادرة لا موضوع خاضع يتحول النص إلى خطاب سيادة، حيث لا تقبل الأنثى أن تكون جارية في بلاط الوطن الذكوري، بل تعيد تموضعها: "لن تُضاجعَ طُهْـري العَـنـيدَ فلا تُكابدْ و تَـنَـحَّ..." الطهر هنا ليس رمزًا للخضوع، بل للتعالي، وللتمسك بجوهر داخلي غير قابل للبيع أو المساومة.
3. عبث الزمن والتاريخ المنكسر "منذُ آلافِ الوَجعْ.." "في السّطرِ الأخيرِ منَ الحياةِ.." يتكرر الشعور بالزمن المهزوم، الزمن الذي لا يحمل خلاصًا. الوطن قديم في جرحه، والأنثى سئمت انتظاره.
رابعًا: البعد الجمالي
✔ الجانب الإيجابي: - لغة رمزية كثيفة ومشحونة بالأسطورة والدلالة (عشتار، موسى، الفراشات...). - بنية حوارية تعمّق التوتر النفسي والفلسفي في النص. - مشاهد شعرية تنقل القارئ بين الوجد، الغضب، الحنين، والتمرّد.
✘ الجانب السلبي: - أحيانًا تتراكم الصور إلى حد الغموض الذي قد يُضعف التركيز الدلالي. - بعض المقاطع تميل إلى الخطابية، وهو ما يُضعف الموسيقى الداخلية. - غياب توازن الإيقاع في بعض الأسطر يترك انطباعًا بالنثرية أكثر من الشعر.
خامسًا: خلاصة نقدية
"وَطَنٌ يَرقُصُ" ليست مجرد قصيدة عن الوطن، بل عن الأنوثة التي تُعيد مساءلة فكرة الوطن ومفهومه، لتعيد رسم العلاقة معه بوعي جمالي وفلسفي جريء. القصيدة تؤسس لكتابة شعرية ذات حمولة فكرية وأنثوية تحررية، تؤكد من خلالها الشاعرة إبتسام الخميري حضورها المتميز في المشهد الثقافي العربي، بوصفها فكرًا وموقفًا، لا مجرد صوت.
إعداد د. موسى الشيخاني الرئيس التنفيذي لمؤسسة عرار العربية للإعلام رئيس مجلس إدارة مركز عرار للدراسات الأدبية والنقدية
قصيدة الشاعرة : ########## وَطــنٌ يَرقــصُ في السَّطرِ الأخيرِ.. منَ الحياةِ، قالَ: " معذرةً سيِّدتي لم يكنْ بي ما تشتَهين... مَعذرةً سيِّدتي لمْ يكنْ بي.. سوَى قُـبلةٍ و أنفاسٍ و نبيذْ.." فتبسّم له القمرْ... و نهاهُ أنْ: " لا تُطلْ" لستَ "عَشْتَارَ" و ما أنتَ "موسى" قُـدَّ أحلامكَ من نُجومٍ غائِراتٍ لا غُـيومَ هائِماتٍ... تبَرّجْ مِلْءَ أوْتارِ الألمِ تَصّاعَدْ حْذْوَ نُفاثٍ سَقيمْ و راقِصهُ على مرِّ الحنينْ.. و لا... لا تفتّشْ عنْ وطنٍ بَديلْ." هَزّها الوجدُ...قليلا قالتْ: "من يَسُودُ القَومَ سِـوايَ؟؟؟ من يسوسُ سوايَ؟؟" و انْبرتْ.. ترسُمُ طرقاتٍ و بَوادرْ تضحَكُ حدَّ الـشّبـقْ.. لن يكونَ بكَ ما أشتَهِي لن تُضاجعَ طُهْـري العَـنـيدَ فلا تُكابدْ و تَـنَـحَّ... عَـلّـنِي أنْسَى العَـويلَ و العَـراءَ؟ عـلّـني أنْـسى الجِراحَ و السّـقـمْ؟ عـلَّـني ألفُظُ عَـنّي أجْسادًا تتَهاوى في سُكونٍ و نُواحًا أصْدعَ فـأغارَ؟؟ هيّـــا أعلنْ: أنتَ ثائرْ بلْ: أنتَ بَقايا من بَقايا حائِراتٍ منذُ آلافِ الوَجعْ.. و.. أنــــا ألفُّ بينَ أحشائي بَقايَا فراشاتٍ بريئَة.. و أقضِمُ.. أقضِمُ زغبًا تَهاوى و لُهاثا لنْ يُداوَى.. و أدورُ... في السّطرِ الأخيرِ منَ الحياةِ.. هيّا صلِّ.. و تبَسّمْ.
بقلم إبتسام عبد الرحمن الخميري من تونس الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الثلاثاء 15-07-2025 10:08 مساء الزوار: 127 التعليقات: 0
|
|