|
|
||
|
(( أميمة يوسف )) أنموذج الأدب النسوي الملتزم والشعرية الأخاذة العميقة.. قراءة للناقد محمد الحراكي
الأديبة الشاعرة (( أميمة يوسف )) أنموذج الأدب النسوي الملتزم والشعرية الأخاذة العميقة
تتحصن الأمة بالأدب وتدافع به وتجاهد وتنافح، فالأدب يقرب الإنسان من الإنسان حين يعبّر عن وجوده وبيئته وواقعه، عن حزنه وفرحه، عن فكره وتصوره.
ثم هو يسير مع الإنسان وينتقل حيثما انتقل ببصره وتصوره، ولا يقف عند حدود العرض والوصف، فهو يحلل ويربط ويرسم علاقات البشر وروابطهم وصلاتهم.
إنه أشرف الفنون في حياتنا وأكثرها التصاقا بنا ، ويرتبط بكل فرد في الأمة. وينمو الأدب مع نمو الإنسان والجماعة والأرض.
والأدب مغروس في فطرة الانسان يتنقل من جيل إلى جيل، ويطوف في أرجاء الأرض، فهو أحد مقومات الطبيعة الانسانية..
من هذه النظرة التقت الأديبة الشاعرة أميمة يوسف في أدبها مع عناصر الفطرة السليمة، فنما أدبها في أحضان الصدق والوعي، وعبرت بصدق مشاعرها عن حياتها و ومشاعرها الإنسانية، واستطاعت أن تجول في الطبيعة البشرية، وخاضت في ميادين المشاعر بأسلوب ولون مميزين، وسمت في مواهبها وثقافتها وموهبتها حتى تميزت، وكان إنتاجها فريدًا عميقًا، يحمل الكثير من الدلالات الواسعة والكلمات الندية التي تحث بفنية عالية على القيم، وتنهى عن المقابح، وتدعو الى الفضائل ومحاسن الأخلاق.
تقول في إحدى قصائدها :
يا صبحُ علّمني الحياةَ فإنّما مرآةُ روحي مذْ ولدْتُ مُغبّشة
قفْ بِي على كتفِ النهارِ لأقضِها ساعاتِهِ بالمُبهجاتِ مُفرفِشة
واملأْهُ فيضَ سكينةٍ ومحبةٍ آثارُ فضلِكَ حينَ تمنحُ مُدهشة
وأنرْ دُروبي منْ ضياكَ ونجّني منْ أنْ تضيّعَني الدروبُ الموحِشة
خبزُ الحياةِ إذا تغمّسَ بالرضا حلوُ المذاقِ وكم تطيبُ القرمشة
وإذا القناعةُ زيّنتْ قلبًا رأى خيطَ الحريرِ يحوكُ أحلى الأقمشة
دثّرْ فؤاديَ رحمةً ولتكسُني ثوبًا من الإيمانِ حلوَ الزركشة
يا صبحُ إنّي دونَ شمسِكَ هشةٌ غبراءُ تمضي في الحياةِ مُهمّشة
ووقفت مع المستحسنات من القول، فكانت لغتها جميلة أغنت المعاني وأكرمت لفظها، وأجادت بفن المنظوم والمنثور، وأنتجت لنا أدبا سبرت به أغوار الحياة معنى ومبنى، وعبرت بأسلوبها الجميل عن حالاتها الشعورية، وكانت ترمز للأهداف السامية وتشير إليها.
حتى في فخرها، ظهرت شاعرتنا بصورة المرأة العربية المعتدة بعروبتها ودينها ورقتها المفطورة عليها يوم خصها الإله بأن خلقها أنثى. تقول :
هذي أنا..
شرقيةٌ عربيةٌ قدسيةٌ ورديّةُ الأحلامِ والألوانِ
قلبي حقولُ الياسمينِ وقد نمت في راحتيّ مباهجُ الرّيحانِ
وطني السماءُ وها الغيومُ تلفُّني والشمسُ بيتي والنجومُ مكاني
عنقاءُ حيرت الزمانَ بلغزها لتذيبَ معنى الماءِ في النيرانِ
من مغرب الشمس الشهيّةِ أشرقت فتلعثمت في وصفها الشفتانِ
وعريقةٌ بالنورِ صِيغتْ أحرفي وصحائفي قد رُصّعتْ بجمانِ
ارتبط أدبها بلغة سليمة واكتسبت ألفاظها النمو والاتساع، وقد كان الأساس الفلسفي والفكري لأدبها متوافرا في إنتاجها، مما مكنها من الفوز بالتكريم وشهادات التقدير.
وقد حظيت بتكريم واسع في الكثير من المنتديات الأدبية، وكانت تتمتع بحضور مميز في كثير من المهرجانات مع كبار الأدباء والشعراء على المستوى المحلي والعربي متأهلة الصدارة، و مستحقة لشوق المتلقين الذي بدا من خلال الحضور الكبير والتصفيق الحار من الجمهور، ما مكننا أن ندرك جمال أدبها وبنائها الفني الساحر لقلوب جمهورها.
مضت شاعرتنا في زحام الأنداد إلى قمم المجد والعلاء والسمو، وحلقت على جناح أحرفها محلقة في آفاق الجمال والإبداع والكلمة الطيبة الضاربة جذورها في الأرض، الممتدة فروعها في السماء.
وعبرت في أكثر من نص شعري عن تمسكها بحقها في الحياة، رغم المصاعب وضنك العيش، فهي بنت الصباحات الندية، تمنح الحياة صفاءها :
يا ليلُ يا ليلُ يكفي ما تجودُ بهِ من الأسى واقتيادِ الحُلمِ للعدمِ
لكن سأسهرُ حتى لا أراكَ هنا ويسهرُ الحبرُ في الأفكارِ والقلمِ
بنتُ الصباحاتِ روحي بنتُ فجرِ غدي فكيف أخشى على روحي من الظُلَمِ
سأستضيءُ بنورٍ فاضَ من ألمي ولن أفرّطَ حتى الموتِ بالحُلمِ
فكل التقدير لهذه الأديبة الراقية أميمة يوسف الشاعرة الجديرة بكل الاحترام والمحبة والتقدير..
************** محمد الحراكي ابن العابدين الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الجمعة 15-01-2021 10:51 صباحا الزوار: 233 التعليقات: 0
|
|