|
عرار:
واصل الكاتب الصحفي محمد هليل الرويلي نشر سلسلة تقاريره التي يتغنى بها ويبدي مدى حبه وإعجابه بالأردن . وتاليا نص الجزء الثاني من سلسلة تقارير الرويلي : في «أُردُنّا» يا أعرابي، لا تنتهي قصتنا بسرعة ولا روايتنا وقصائدنا بسهولة، كل ما تسمعه وتقرأه أو نحكيه لك طويلٌ جدًا ومهيب أكثر! إذ بين كل ما ابتدعناه سيعتريك الشغف و تنتابك شهقة حتى تصل للصفحة الأخرى.. ستشهق بين الفواصل و الفواصل، وقبل ذلك ستشعر بشيء من شهوة المستطاب تتخللك : «فتلتذ برحيق الأغلفة»، تسف حلة أوراقها ومكنوزها الشهي، كما سيتسرب لعينيك الرقم تِلْوَ الرقم.. إلى أن تحتاج عند النقطة الأخيرة وبعد كل هذا الشّدَه «لزفرة» تشعرك معها أن كل سطرٍ قرأته - سابقًا- استقام، كطابور جُند في حضرة صاحب الجلالة الملك، خاشع ومتمدد بين وريدك وشريانك، لكون ضيفنا الأعرابي سيتعرف بين دواوين شعرائنا على موضع سجدة أشعارنا، كما عرفها جدنا «الفرزدق». كان ذلك حين مر بمسجد بني أقيصر وعليه رجل ينشد قول «لبيد»، فسجد الفرزدق فقيل له: ما هذا يا أبا فراس؟ فقال : أنتم تعرفون سجدة القرآن، وأنا أعرف سجدة الشعر!، وهذا شاعرنا «عرار» مصطفى التل (1899- 1949م)، من أشهر ما قال: والقلب أشهى إليه منك بلقعة من سهل اربد لا عشب ولا ماء وكل عين حزيم الظبي قرتها لا تستبيها رياض منك غناء في غير وادي الشتا في غير أربعه ما تورف الظل للأشواق أفياء إن الهوى والجوى والوجد معدنه مذ آنست رسها بالقلب حواء ملاعب خلدت أسماءها غرر من شعر من علمته الشوق زيزاء وكرم جلعاد ما بعد التي عصروا بالسلط منها تلذ الشرب صهباء وبعد عمان ربع لا تزايلهم بنعمة القيل ذي رغدان آلاء أما رائد روايتنا فهو أديب رمضان، صاحب (أين الرجل؟/جرائم المال)، وأما ذاك وتلك فسنعرفك عليهم في قصصنا القصيرة. لكن دعنا الآن يا أعرابي ننحدر بك صوب «وسط البلد» نجوب بين دور النشر بعد أن نمررك على «كشك الثقافة العربية»، ونتذوق «حلويات حبيبة» ونرتشف سويًا القهوة في «ركوة عرب». ولا تتردد بالسؤال حين نمر بالبناية المكونة من ثمانية طوابق، المكتوب عليها بالحديد الأسود وكأنها تعويذة سحر أو تحضير جن : لنتخيل .. الأنهار تحترق في البعيد .. نسمع الصمت وفجأة .. تأتي الموسيقى نحونا .. كي تقتلنا .. ليعود الرقص أقوى .. تحت الشمس لنتخيل .. سيجيبك «جلجامش» ملحمة قديمة كأنها تُرجمت لتكون عمان كل ملاذ في هذا الكون الشاسع، وسيجوب صوت الشاعر محمد خضير وكأنه الأنهار والموسيقى والشمس مترنما: عمّانُ كمْ ضاقتْ بلادٌ بالوَمَى وَوَسعتِ يا صَدْراً تعمَّدَ بالسَّما لكِ يا مَلاذَ العيْنِ رأْفةُ راحمٍ إنْ أدْمَعت؛ سبْعٌ تجلَّت بلسَما فاضَ السَّبيلُ على ثراكِ وحورُهُ كنَّ الشَّواهدَ إذْ جَرَى منها الحِمى الحساسية الجديدة في الشعر الأردني المعاصر ** أوضح أستاذ الآداب في الجامعة الأردنية الناقد الدكتور «سامي محمد عبابنة» أن الشعراء العرب انتهجوا في العصر الحديث نهجًا خاصًا في التعامل مع اللغة الشعرية لتمكينها من حمل رؤاهم الحديثة القائمة على الإحساس بالقلق والشك والتمرد والرفض وانهيار القيم الاجتماعية والإنسانية. مبينًا أن الشعراء الأردنيين المعاصرين - في أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الجديد - انتبهوا إلى هذا الأفق الشعري، وانساقوا خلف هذه الرؤى التجريدية. ويأتي هذا الاهتمام بهذه الظاهرة في الشعر الأردني المعاصر لما لوحظ من بروز هذه الظاهرة على نحو واضح ولضرورات تلقي هذا الشعر والقدرة على التعامل مع خصوصيته في جانبي الرؤية واللغة في القراءة النقدية. «وأضاف»: على الرغم من أن الاهتمام ببحث هذه الظاهرة في تجربة الشعراء الأردنيين المعاصرة يكاد ينحصر - هنا - بالسنوات الثلاثين الأخيرة، إلا أنه لا مناص من العودة إلى شاعر الأردن الأول عرار (مصطفى التل) (1899- 1949م) وما تركه من أثر واضح في هذا النهج، فالمكانة التي اكتسبها «عرار» في الشعر الأردني، وقيمة ما قدمه للشعر العربي الحديث، تكاد تتمثل فيما امتاز به من جرأة في الرؤية والطرح الفكري، وإذا كانت سلمى الخضراء الجيوسي تعده أول شاعر بوهيمي مهم في الشعر العربي وأول لا منتم حقيقي (الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث)، فإنه إلى جانب ذلك من أوائل من تجرأ على اللغة الشعرية التقليدية وحاول بث رؤيته الخاصة للحياة وموقفه منها اجتماعيًا وسياسيًا بلغة خاصة جسدت هذا الحسّ الرؤيوي المفرط بالذاتية، فمن ذلك قوله: لقد ظهر تأثير عرار واضحًا في الشعراء الأردنيين، فكان بمثابة الرمز عند حيدر محمود في قصيدته «نشيد الصعاليك»، فيقول: وســــوف « يا مصطفى » أمضـي لآخــرتي كمـــا أَتيتُ : غريــبَ الــدّار وحـــداني مــــاذا أقول « أبــــا وصفي » وقد وضعوا جـــمــرا بــكــفّي... وصخرا بين أسناني لقد مثلت رغبة التشكي والتظلم والإحساس باللاجدوى والانسحاق التي أسس لها عرار في شعره أبرز اهتمامات الشعراء الأردنيين أمثال تيسير سبول كما في قصيدته «كلمات ثقيلة» : وتقذف الأمواج بي وزورقي صغير مولهٌ برغبة الإبحار فوق الأفق .. كما ساهم جيل الثمانينات في ترسيخ حسّ التمرد والرفض كما ظهر في قصيدة حيدر محمود «الحصار» ومثل هذا الإحساس بالاغتراب عن الذات ظهر كذلك لدى محمود الشلبي في «الجراحُ تكبر في المنفى». أمان الشعراء للحس الوطني والانتماء الاجتماعي وأكد «عبابنة»: لقد ظل شعراء هذه الجيل أمينين إلى حسّهم الوطني وانتمائهم الاجتماعي، فالجيل التالي من الشعراء كان أكثر انفتاحًا على إحساسهم الذاتي الجديد، هذا الإحساس الذي تجلى في خلخلة القيم الثابتة والمستقرة، والإحساس بالتمزق وعدم الانسجام في المحيط الذي يحياه الشاعر، مما جعل اللغة الشعرية ممتلئة بمشكلات الذات الفردية في معاينتها لوجودها وما يحيط بها بنظرة تجريدية غير حافلة - في الأغلب - بالحس الوطني أو الاجتماعي، ولعل هذا المضمون الشعري الذي يعد أحد تمثلات اللامنتمي كما ظهر الأمر عند «عرار» هو ما جسد هاجس الشعراء الأكثر صلة بالحساسية الجديدة، فقد بدأت أسئلة القلق والشك حول الذات هي ما تؤطر اللغة الشعرية، وتميز ملامحها الأسلوبية، فأسئلة إبراهيم نصر الله بدت غير عابئة بالوصول إلى إجابة نهائية، إذ يقول في قصيدة «اندفاع». لاهــــثا أركـــــــض قاطـــــعا الـعمر بين سؤال وآخر باحثا عن إجابة استريح على عتاباتــها لأواصــــــل أســــئلتي ويعبر أمجد ناصر «يحيى النعيمات» عن إحساسه الحاد بتفرده وانسلاخه عن أي حالة تماثل أو انتماء في قصيدته «أغصان مائلة» : أُريـــدُ أن أُنـــظِّـــــــفَ روحـــــي منآي الطاعةِ وعناقيدِ المــــغــفـــــــــرةِ أُريــــــدُ أن أُنــــظِّفَ وجـــهــــي من سيــــــمــــــاء الـــــســلاّلة وأغصــان شجـــــرة الـــعــائــــلة فالرغبة واضحة بالانشقاق عن أي انتماء اجتماعي أو سياسي أو غيره، والإحساس الحاد بالتفرد والاغتراب الذاتي هو ما يظهر في شعر أمجد ناصر وغيره من شعراء هذا الجيل، الذي بات يشعر باللاانسجام في هذه الحياة، وبورطته في الوجود والكون. وامتد هذا الإحساس إلى الجيل الجديد من الشعراء خاصة في مطلع القرن الحادي والعشرين، كما يظهر لدى شعراء من أمثال: محمود فضيل التل، وخالد محادين، وراشد عيسى، وحسين جلعاد، ومها العتوم، وعبد الرحيم مراشدة، ونضال برقان، وإبراهيم الكوفحي وغيرهم. وتابع: فيما تجلّت النزعة المتسائلة عن الإنسانية المفتقدة في العصر الحديث - كما تصورها شعراء «الحساسية الجديدة» - في ما يبدو في قصيدة «رسالة إلى جيفارا» لخالد محادين معلنًا موت الإنسان: نَســـــأل عــن ذاك الإنــسان الإنسان مـــــــن ينشر للريح شراعا للحب شراع فيما يتجلى هذا الإحساس بالوحدة والتفرد لدى راشد عيسى معبرًا عن إحساسه الحاد بالوهم والفراغ واللاشيء وبنفس هادئ يشي بالامتلاء بهذا الوقع الجديد، كما يظهر في قصيدة «اللاشيء». مشيْتُ خلف فضاء الوهمِ متئدا والأمسُ منذهلٌ حتى يصيرَ غدا وبدت الرغبة واضحة في تأسيس فكرة التجاوز والتخطي لعلاقة الشعراء بماضيهم وأسلافهم، وهو ما تقوله مها العتوم (1973م) في قصيدة «دوائر الطين». وهـــل دســــــتُ فــطـــرَ البراءةِ مـــــن غــيــــر قـــصـــد؟ «وزاد»: كما اتكأ شعراء «الحساسية الجديدة» على ثيمة «الطين» التي تشكل أساس التكوين البشري ليعلنوا من خلالها عن هذا الأصل البشري الذي مثل حالة البدء الأول والمنتهى في الآن ذاته، ليثير ذلك الإحساس بالحصار الذي يحيط بالوجود البشري، وليعبر الشعراء بعد ذلك عن رغبتهم في كسره أو تجاوزه، وهو ما يبدو في قول نضال برقان في قصيدته «مصيدة الحواس». أريــــدُ أنّ انــــسل مــــن جــسدي لأســــكــــنَ فـــي تـــراب العارفين وأحيانًا يتجلى هذا الإحساس القلق بالفردية المنقطعة التي ترى في ذاتها وكأنها المستطلعة والرائية لحقائق الأمور، لكنها تحس بالألم والتعب إذ لا تجد أذنًا صاغية، يقول إبراهيم الكوفحي في قصيدته «في اليمّ». في اليمّ .. مَنْ يُصغي لإعيائي سـفينتي مـن غـير مــيناءِ وحدي أقاسي فوق ( نوحـيّةٍ ) ( جوديّـها ) قــد ذاب في الماءِ كــم لجّـــــةٍ مجنــــونةٍ تحتــها تقــذفـــها فــي مــوحــشٍ نائي أبحثُ عن خارطتي ..، لم أجدْ والريحُ تعــوي ، غــيرَ أشـلاء أبحــثُ عن بوصلـــةٍ في يـدي فـلا تراها عــــينُ ( زرقـــاءِ) الصبحُ مسودّ الخطى ،لا يرى أمامـــــه ، أعــمى بظلمـاءِ والنجـــــمُ في الليل بــدا حائراً يبحــثُ عــن ضـوءٍ وأنحـــاءِ ماذا وراء الأفـــقِ ؟ كم بارقٍ يكشـفُ عــن غـيـمٍ وأنـواءِ وعـن غرابيبَ ، لها ضحكـةٌ ســـوداء .. كــم تهــزا بأرزائي ليس ســوى اللــهِ أرى منقـذاً مَــنْ غـــيره السامـعُ والرائي ! وبين «عبابنة»: إن هذه الإطلالة على المشهد الشعري في الأردن في أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الواحد والعشرين تظهر تحولات الرؤية والمضمون الشعري في أفق «الحساسية الجديدة» بتجاوزها لمضامين الشعر العربي القديم وموضوعاته التقليدية، وتجاوزها الموضوعات النضالية والقومية، والبحث عن كنه الذات الإنسانية لتعيد طرح أسئلة الوجود الإنساني من جديد، وهي تأتي منسجمة مع التحولات الحياتية التي عاينها الشعراء، فضلاً عن أنّ هؤلاء الشعراء قد تأثروا بالأفق الشعري العربي المعاصر وما حمله من قضايا وموضوعات الإنسان في عالمه الأرضي، فبدت صورة الإنسان الممزق والقلق والمتأمل في وجوده من أبرز ما مثل هذا النهج الجديد في الكتابة الشعرية، ولعل انعكاس ذلك على اللغة الشعرية قد تجلى في استغلال الشعراء للرموز الإنسانية والدينية برؤى جديدة ولغة مستفزة تتجاوز مرجعياتها المعروفة لتضعها في نسق العلاقات اللغوية الذاتية الممتلئة بالحس الفردي في معاينة الكون والوجود الإنساني. «أين الرجل؟ .. أديب رمضان» وفي محور الرواية الأردنية قال الباحث والناقد «موسى إبراهيم أبو رياش»: لا تختلف الرواية الأردنية عن ميثلاتها العربية وخاصة في دول المشرق العربي، من حيث البدايات، وظروف النشأة والعوامل المؤثرة، والموضوعات التي تناولتها. ويمكن القول إن الرواية الأردنية قد مرت بأربع مراحل منذ انطلاقها حتى الآن، بدأ من «مرحلة البدايات» التي انطلقت برائد الرواية الأردنية أديب رمضان، الذي أصدر في العام 1935م «أين الرجل؟ ، جرائم المال». وتنوعت الموضوعات التي تناولتها الروايات في هذه المرحلة، فتناول روكس بن زائد العزيزي موضوعًا تاريخيًا تمثل في صمود أهل الكرك وخاصة عشيرة الضمور أمام غزو إبراهيم باشا في الرواية الصادرة في العام 1937م «أبناء الغساسنة وإبراهيم باشا»، وتناول تيسير ظبيان موضوعًا اجتماعيًا في روايته «أين حماة الفضيلة»، وكتب شكري شعشاعة «ذكريان» على غرار «الأيام» لطه حسين. وبعد نكبة فلسطين 1948 ظهرت روايات توثق هذه النكبة وويلاتها كرواية عبدالحليم عباس «فتاة من دير ياسين»، ورواية عيسى الناعوري «بيت وراء الحدود». ثم توالت الإصدارات الروائية التي يغلب عليها تعثر البدايات والمستوى الفني المتواضع والصنعة اللغوية والتناول المباشر وغلبة الوعظ والخلط بين الرواية والحكاية. تلاها مرحلة «النضج» وفي هذه المرحلة تطورت الرواية الأردنية بشكل ملموس، ولكنها بقيت أسيرة المحلية، وعدم الانتشار عربيًا، حيث صدرت عشرات الروايات أبرزها رواية «أنت منذ اليوم» لتيسير سبول التي تعتبر نقطة تحول في الرواية الأردنية من حيث اللغة وفنيات الرواية، وجاءت هذه الرواية بالإضافة إلى روايات أخرى منها «أوراق عاقر» لسالم النحاس، و»الكابوس» لأمين شنار، متأثرة بهزيمة 1967، وما تلاها من إحباطات وتساؤلات ومراجعات. وبرز في هذه المرحلة الروائي غالب هلسا الذي عاش معظم حياته في المنفى في القاهرة وبغداد وبيروت ودمشق، إذ أصدر مجموعة روايات بدأت برواية «الضحك» وانتهت بـ«الروائيون». كما شهدت هذه المرحلة منح رواية «العودة من الشمال» لفؤاد القسوس أول جائزة رسمية أردنية للرواية. وأضاف «أبو رياش»: عقبها مرحلة «الرسوخ» وفي هذه المرحلة ثبتت الرواية الأردنية أقدامها بقوة، وانطلقت عربيًا، وحظيت بحضور واهتمام جيدين، وظهر عدد كبير من الروائيين منهم: مؤنس الرزاز «أحياءٌ في البحر الميت»، وجمال ناجي «الطريق إلى بلحارث»، ثم توالى ظهور عشرات الروائيين من الذين أثبتوا وجودهم من خلال أعمالهم الإبداعية، حيث تنوعت اهتماماتهم وارتقت أعمالهم ومنهم: هاشم غرايبة، وقاسم توفيق، وإلياس فركوح، وليلى الأطرش.. ومن الأعمال المهمة رواية «الزوبعة» لزياد القاسم التي صدرت في ستة أجزاء ضخمة، تناولت فترة مهمة وحساسة من تاريخ الأردن في بدايات القرن العشرين. كما تميز إبراهيم نصرالله الذي كتب عددا كبيرا من الروايات، ومعظمها تندرج تحت مشروعين روائيين هما الشرفات والملهاة الفلسطينية. «وتابع»: تلتها مرحلة «الانفجار» بدأت من بداية العشرية الثانية للقرن الحالي، التي شهدت ولادة عدد كبير من الذين كتبوا الرواية، لأسباب كثيرة منها كثرة الجوائز المخصصة للرواية، وسحر الرواية ومتعتها وقدرتها على الاستحواذ على القارئ وتغييبه -مؤقتًا- عن واقعه البائس. صدر في هذه المرحلة عدد كبير من الروايات، تنوعت بين الغث والسمين. لم تختلف موضوعاتها عن مثيلاتها العربية، وخاصة في موضوعي المكان وتجلياته، والتطرف والإرهاب، والخوض في غمار التجريب والحداثة. كما تميزت روايات هذه المرحلة بالجرأة والخروج عن المألوف وتناول التابوهات. وظهرت أعمال مميزة «أفاعي النار» لجلال برجس، و»أرواح كليمنجارو» لإبراهيم نصرالله، و»فستق عبيد» لسميحة خريس. كما وصلت عدة روايات للقوائم القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية، وجائزة الشيخ زايد للكتاب لكل من «جمال ناجي، إبراهيم نصرالله، إلياس فركوح»، وفي هذه المرحلة برزت أسماء روائية جديدة «أمجد ناصر، وجهاد أبو حشيش ونائل العدوان، وأحمد أبوسليم، وأحمد الطراونة، وزياد محافظة، وحكمت النوايسة، وحسين العموش.. «أغاني الليل» مهدت الطريق للقصة وفي جانب القصة القصيرة وبدايات ظهورها في الأردن أكد الباحث والكاتب «موسى إبراهيم أبو رياش»: أنها تزامنت مع بدايات ظهور القصة القصيرة في الدول العربية، بسبب الانفتاح العربي العربي آنذاك، والمشتركات بينها كمقاومة الاستعمار والسعي إلى الحرية والتحرر، وشيوع الفكر القومي، والبحث عن الهوية. لكنها كانت بدايات متعثرة؛ تفتقر لمقومات القصة القصيرة. وتعد مجموعة «أغاني الليل» لمحمد صبحي أبوغنيمة أول مجموعة قصصية أردنية، مهدت الطريق لغيرها من المجموعات التي توالى صدورها، لتعلن بدء فن إبداعي جديد مستقل في الأردن. إذ تناولت قصص هذه المرحلة الموضوعات الأخلاقية والاجتماعية والفكرية والتحليلية وغيرها، ضمن المذاهب الأدبية السائدة وخاصة الرومانسية والواقعية. «وأضاف»: استمرت هذه المرحلة إلى نكبة فلسطين 1948، وشهدت ظهور عدد من رواد القصة «محمود سيف الدين، محمد العامري، حسني فريز، عيسى الناعوري، أمين ملحس، محمد الجنيدي، أحمد العناني، سميرة عزام، نجوى قعوار، عقلة حداد»، أما البداية الحقيقية للقصة القصيرة في الأردن، فقد بدأت في عقد الخمسينيات، الذي يعده الناقد محمد المشايخ: «بداية لتكون القصة القصيرة بملامحها المتميزة، فقد شهدت هذه الفترة انقلابًا كبيرًا في الحياة الفكرية، ولعبت الظروف السياسية دورًا خطيرًا في تشكيل الملامح الثقافية، ابتداء من هجرة فلسطينيي 1948م، الأمر الذي أحدث تغييرًا في البُنى المكانية والاقتصادية والاجتماعية، فأصبح المجتمع الجديد في المملكة مرتعًا للمعاناة الفكرية والأدبية». وتابع «أبو رياش» من الذين برزوا في هذه المرحلة التي استمرت إلى ما بعيد هزيمة 1967، خليل السواحري، محمود شقير، نمر سرحان، جمال أبوحمدان، فخري قعوار، فايز محمود، سالم النحاس، تيسير سبول، فؤاد القسوس، ماجد ذيب، يحيى يخلف، ماجد أبوشرار، رشاد أبوشاور، عدي مدانات، يوسف ضمرة، هند أبوالشعر، إبراهيم العبسي، سعادة أبوعراق، إبراهيم خليل، تريز حداد، زهرة عمر. ثم دخلت مرحلة جديدة نوعية تميز فيها الإنتاج بالتنوع والزخم وسمو التجربة والتطور الفني الذي يعكس الهوية الشخصية. أما المضامين، فقد تنوعت وانفرشت على أرضية واسعة. صحيح أن نماذج هذه المرحلة تطرح حالة الفشل والإحباط، وتفوح منها رائحة الحزن والغربة وفقدان العلاقات، وبهتان صورة الحلم، ذلك أن جيل السبعينيات عايش فترة حرجة على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وتشرب قوة وفورة الاندفاعة القومية، ومن الأسماء الجديدة في هذه المرحلة الممتدة حتى نهاية ثمانينيات القرن العشرين «سميحة خريس، مؤنس الرزاز، إبراهيم سكجها، أحمد الزعبي، أكرم النجار، وآخرين. وشهدت الفترة من تسعينيات القرن العشرين حتى الآن ظهور عدد كبير ممن كتبوا القصة، التي تأثرت بـ/ وتناولت مختلف الموضوعات والمجالات.. ومن كتابها الجدد باسم الزعبي، بسمة النسور، بسمة النمري، جعفر العقيلي، جمعة شنب، جواهر رفايعة، حزامة حبايب، حنان بيروتي، رمزي الغزوي، سامية العطعوط، سمير الشريف، سناء الشعلان، صباح المدني، علي طه النوباني، عمار الجنيدي، غسان عبدالخالق، نايف النوايسة وآخرين. «دور النشر» والمنتج الثقافي وعن الدور الذي لعبته دور النشر الأردنية كرافد من أهم روافد الثقافة قالت الباحثة والكاتبة «سلوى سلمان البلوي»: لقد ساهم تعاقب الحضارات والتنوع السكاني والجغرافي والمناخي في تشكيل ثقافة الإنسان الأردني وترسيخها، وجعل منه مكونا مائزا وعاملا مؤثرا في نهضة الحياة الثقافية العربية وبعثها من جديد. كما أن المعاناة التي عاناها الوطن العربي من المستعمر وتسلطه على الهوية وكل ما هو عريق، كان لا بد من شحذ الهمم واستنهاضها وتضافر الجهود وتوجيهها من أجل بعث الحضارة العربية واستعادة أمجادها وتنقية الهوية العربية وحمايتها والمحافظة عليها؛ ولذلك شرعت بعض الدول العربية -كما في مصر ولبنان- بامتلاك ما تيسر من أدوات معاصرة لنشر العلم والثقافة وتعميق وعي الإنسان العربي بقضاياه السياسية والوطنية والاقتصادية والإجتماعية. «وأضافت»: لم يكن الأردن -بعد استقلاله- في منأى عن تلك الجهود الطيبة وذاك السعي الحثيث المخلص؛ فبادرت واجتهدت -رغم ضعف إمكاناتها ومواردها- إلى الاهتمام بصناعة الوعي والمعرفة وصقل الإنسان وتأهيله بتعليمه وتدريبه وتثقيفه وتعبئته بكل ما من شأنه أن يدفعه إلى الاعتزاز بتاريخه وأصالته وهويته الإسلامية والعربية وبكل ما يمكنه من مواجهة التحديات والتحديثات المعاصرة المتسارعة؛ فتأسست أول دار للنشر في الأردن في العام 1954م، وكان اسمها: (المطبعة الحديثة). وعلى الرغم من تدني أسعار الكتب في تلك الحقبة ورخص أثمانها إلا أن الإقبال عليها كان متواضعا وضعيفا ويكاد يقتصر على فئة من الميسورين وشريحة من المتعلمين، ومع ذلك تنامت صناعة الكتب وانتشرت دور النشر حتى بدت الحاجة ملحة لضبطها وتنظيمها وتقنين أعمالها ومعاملاتها؛ فكان لا بد من إنشاء وزارة للثقافة أو إدارة للمطبوعات والنشر تتولى هذا الجانب الحيوي والمهم وتشرف عليه إشرافا مباشرا وتتبنى الاهتمام بالتنمية الثقافية والمعرفية وتعمل على رفدها ودعمها وتوسيع انتشارها وتنظيم أعمالها وفعالياتها ومعارضها؛ وعليه تأسست وزارة الثقافة الأردنية في العام 1964م، والتي كانت امتدادا لدائرة حكومية عامة، إذ ساهمت الوزارة في دعم ونشر وتوزيع العديد من المطبوعات والكتب، وكان أن أصدرت الوزارة العديد من المجلات والمنشورات، كما أنها أطلقت مشروع: (مكتبة الأسرة)، في العام 2007م. «160» دار نشر في الأردن وأكدت الكاتبة «سلوى البلوي» أنه على رغم ما تواجهه دور النشر في الأردن من عقبات تقليدية ومعوقات بيروقراطية وتحديات تقنية وتسويقية إلا أنها نمت وتطورت وزادت أعدادها لتصل إلى ما يقارب (160 دار نشر)، انبثق عنها -فيما بعد- «اتحاد الناشرين الأردنيين»، ليقوم بالعمل على تنظيم قطاع النشر والتوزيع، وبث روح التعاون والتنسيق بين الفئات والهيئات العاملة فيه، و دعم حركة النشر والتوزيع في الأردن ورفدها وتطويرها، وحماية حرية النشر، والحد من القيود على التوزيع والتسويق، وتذليل الصعوبات المادية والمعنوية والتنظيمية والتنفيذية التي تعيق مسيرة النشر والتوزيع، وتعزيز احترام حقوق الملكية الفكرية والإبداعية والحقوق التجارية والإنتاجية المتعلقة بالنشر والتوزيع والتأليف وحمايتها بالأنظمة والقوانين، والسعي إلى نشر المؤلفات الأردنية على أوسع نطاق، (محليا، وإقليميا، وعالميا)، وتشجيع ترجمتها إلى اللغات الأخرى. ولقد اهتمت دور النشر الأردنية بالمحتوى الثقافي الذي يسهم في تطوير المجتمع، وبتوفير المنتج الثقافي (الكتاب) لمختلف أطياف القراء. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 18-05-2019 11:07 مساء
الزوار: 1160 التعليقات: 0
|