(يا لعينيكَ، إنّي ألمح فيهما الصقر!.. ويا لجناحكَ كم أتوارى به من السوء!.. ويا لخاتمٍ تكاثرت حوله الأسئلة!.. سعيدٌ أنتَ يا (سامي) إذ ترى الشيخ كلّ يوم، وسعيدةٌ أنت يا حروف إذ يباركك الشيخ تمائم على الألسنة العقيمات.. حججاً ومفاتن بيانٍ علّمني الشيخ!..).
كان ذلك التقديم الذي خص به الشاعر ابراهيم السواعير في أمسيّة التكريم التي أقامها اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين للسانه وشاعره وشيخ شعرائه محمود عبده فريحات كانت تملأ القلوب إعجاباً بالشاعر المولود عام 1931 وكتب 2200 بيت في ملحمةٍ تاريخية على حرفٍ واحد.
فريحات الذي انتشى لفرحة زملائه وترقرقت عيناه والحاضرين بالدموع، قال إنّ هذا اليوم شاهدٌ على وفاء الأحبّة وصدق الأفئدة، حيث الأديب هو للأديب أخٌ وصديقٌ وكاتم أسرار. وأبان (أبو فراس)، صاحب الأربعة وعشرين ديواناً، عن (خمرة الشعر) لديه، وترنّم على ما يشبه الحلم، بل هو الحلم، في طقوس من السّحر التفّ فيها الأعضاء المجايلون للشاعر والشباب حوله، وهم ينشدون أشعار هؤلاء المخضرمين، من أمثال سليمان المشيني ومحمود عبده فريحات.
قال فريحات: (لقد أردتُ من هذه الملحمة أن أبيّن أنّ الضعف ليس في هذه اللغة، وحاشا أن يكون، وإنما هو في أولئك المرجفين الذين اتهموا الضاد بالضعف والعقم، لأنهم ضعفاء)... وأضاف: ( أردتُ أن يعيش القارئ مع الملحمة بكل ما فيها من دقائق وثوانٍ، ويقرأها من ألفها إلى يائها، ومع أنّ ثمة إدراك أنّ الشعر التعليمي- عادةً- يخلو من المحسنات المعنوية واللفظية وعلم البديع، فلا توريةً ولا طباقاً ولا اشتقاقاً ولا نحتاً ولا اقتباساً ولا تضميناً، غير أنني في هذه الملحمة حرصت أن أولي هذه الجوانب أهميّةً كبيرة بالرغم من كلّ هذا الطول).
في الصفحة الأولى قرأ فريحات: (مولايَ.. صقر الهاشميين الأباة(م)/ بعهدكم.. يشدو الإباء ونكتُبُ/ ولَكَم غريبٍ فيك يدرك أهله/ وبكم يرى أوطانه المتغرّبُ/ مولاي.. إن خفنا فتحت جناحكم/ أمنٌ.. وكفّ أبي الحسين المركبُ). وفي الصفحة الثانية أهدى ف أبياتاً إلى ولي العهد الأمير حسين: (حرامٌ أن يضمّ الصدر قلباً/ إذا لم يمتلكه أعزّ غالِ/ وليّ العهد حبّكَ خفق قلبٍ/ وإنّك يا حسينُ أعزّ غالِ).
في مقدمة الديوان، الملحمة، قال فريحات: (قد ملكنا هذه الدنيا يداً/ يوم كانت كلّ أيدينا يدا/ فاحصدوها فرصةً واعصوصبوا/ ولكم من فرصةٍ ضاعت سدىً/ لا يصيد الذّئبُ إلا قاصياً/ قد نأى عن سربِهِ وابتعدا). وقال: (لو يجدبُ الإحسانُ في هذي الدّنا/ يوماً ففي أردننا لا يجدبُ/ والخير كلّ الخير في أبنائه/ وإلى بنيه أرى العلى ينتسبُ/ فإذا بكت في السلط عينٌ أو شكت/ لرأيتَ قلبَ معان حزناً ينحبُ).
وفي متن الديوان تطرق الشاعر إلى واقع المرأة في الجاهلية والإسلام وحالة العرب قبل الإسلام، والإسلام الذي جاء رحمةً للعالمين، وسار مع عهد الخلفاء الراشدين، والأمويين والعباسيين وعصر هارون الرشيد، ومرّ بأطباء العرب وعلمائهم والعرب في إسبانيا والحروب الصليبية وعصر المماليك ورايات بني هاشم في الثورة العربية الكبرى ورصد حواراً بين (يعرب) وجوارها، وغنى للقدس، كما قرأ (الربيع العربي)، في السياق.
وكان ألقى الشاعر سعيد يعقوب قصيدةً ناريّةً قال فيها: (رجّعْ كما تهوى القصيد طروبا/ وانثر علينا من رؤاك طُيوبا/ وأضئ سماء الكون نوراً وانتصب/ علماً على قمم الفخار مهيبا/ واعزف على الوتر الشجيّ فطالما/ داويتَ بالوتر الشجيّ قلوبا/ واملأ مسامعنا نشيداً عابقاً/ حيناً وحيناً حرقةً ولهيبا/ واترك بسمع الدّهر منك روائعاً/ كالروض نفحاً والنسيم هبوبا/ واخلد بعليا الشعر شعراً ساحراً/ وانزل ذراها شاعراً موهوبا/ لا فخر إلا للذي يأبى الأذى/ ويشقّ للأمل البعيد دروبا/ ولشاعرٍ يشقى ويكتم حزنه/ ويكون للجرح الأليم طبيباً/ وسواهما وهمٌ وزيفٌ خادعٌ/ كالبرق يلمع في السماء خلوبا). كما كان اشتمل حفل التكريم على شهاداتٍ تضمّنها فيلم أعدّه إبراهيم السواعير نقل ما لفريحات من محبّة ومقدرة وخزين لغوي، وشارك في مادته الشاعر محمد سمحان، والإعلامي وجيه العتوم، والكاتبة نزيهة عيسى، ورئيس الاتحاد الشاعر مصطفى القرنة، والكاتب صفوان البخاري، والكاتب علي القيسي.