تؤكد قصص المبدع هاني ابو نعيم القصيرة جدا، المنشورة في هذه المجموعة، عدا عن ريادته لهذا النوع من القصص، قدرته على تحقيق قفزات موضوعية وجمالية فيها، إذ ما زال يشكل نسيجا مستقلا غير متأثر بما يكتبه الآخرون، ولا تهمه القيود التقنية التي رسمها النقاد العرب بقدر ما يهمه، وهو يكتب من برج القصة العاجي، أن يحقق ما في ذاته من طموحات وتطلعات تدفع بالـقصة القصيرة جدا خطوات سريعة ومتقدمة إلى الأمام.
لذا نجده يـُشكل الكلمات والصور الحسية، لا يهمه إن كان ما يكتبه للنخبة أو للعامة، طالما أن الحمولة الفكرية التي تتضمنتها قصصه تلتزم بالهم العام.
هاني ابو نعيم يمنح الحكائية من روحه، ويعرف أنه ثمة حدود تفصل بينها وبين الشعر وغيره من الأنواع والفنون الأدبية، ويحافظ على وحدة الحبكة والعقدة بعيدا عن أي تفكيك قصصي، أما التكثيف، فقد يتجاوزه أحيانا ليوصل رؤاه وافكاره، لا يهمه أن تتالف القصة من كلمة أو سطر أو عدة اسطر، بقدر ما يهمه أن ينجح في إيصال رسالته، أما  المفارقة لديه، فتعد من أهم عناصر القصة القصيرة جدا، ولعلّ جمالها يبرز في آخر قصة في المجموعة، حيث يكاد الطلاق أن يسبق الزواج (رزحت اسيرة لظروفه.. انتظرته طويلا والشوق يفتك بروحها، إلى أن تمكن من حيازة قوامته، صارحته بعد شهر من زواجهما، أنها ما عادت تطيق صبرا، للحصول على ورقة الانعتاق). وفي قصص أبي نعيم ثمة تركيز على فعلية الجملية، ولكنه لا يتردد إن كانت بعض قصصه تخالف ذلك، فهو الذي يتحكم بالسرد، صعودا وهبوطا، سرعة وتوقفا، ولدى ابو نعيم تقنيات أخرى كالتلوين الأسلوبي، والتشخيص والتجسيد والرمز، والإيماء، والتلميح، والإيهام، الذي لا يحجب الهدف الانساني السامي الذي تتضمنه كل قصة.
ابو نعيم الذي كتب الرواية، والقصة القصيرة، يثبت من جديد، انه من أعلام القصة القصيرة جدا في الوطن العربي، الذين يحددون اتجاهاتها وتقنياتها، ويرسمون معالمها.