لم يزل دور المثقف في الراهن والمعيش، على الصعيد المحلي من جهة والعربي من جهة أخرى، يثير تساؤلات عديدة، تتمحور في مجملها ليس عن كفاءة ذلك الدور وفاعليتة على أرض الواقع، ولكن حول وجود ذلك الدور أصلا.
كان المثقف عبر التاريخ صوت أمته ولسان حالها، والعين التي تستشرف المستقبل، والجندي الذي يقف على واحد من أكثر الثغور حساسية، عندما يبصّر ويحلّل ويوضّح الحقائق وينبّه إلى المخاطر.
أما في الراهن فثمة ضبابية تحيط بذلك الدور، وثمة غياب فادح لما يمكن أن يكون أثرا إيجابيا لذلك الدور (على اعتبار أنه موجود)، وثمة حالة عامة من التراجع والانكفاء على الذات يمارسها جل المثقفين العرب، الذين ما زالوا يتحدثون عن «التنوير» و»قيادة الوجدان الجمعي» و»الانغماس في القضايا الكبرى»، من دون أن يكون لذلك الحديث مصداقا واقعيا وملموسا ومؤثرا على أرض الواقع. 
الدستور» تواصلت مع كوكبة من المبدعين، وضعت بين أيديهم التساؤل الآتي: هل ثمة دور للمثقف في الراهن والمعيش، وما طبيعة ذلك الدور باعتقادك؟ فكانت هذه الرؤى:

1-  هزاع البراري:
هو دور مختزل وغير مؤثر، فعوامل كثيرة خلقت هذا الواقع، فالمثقف في الهامش، فاقد لدوره التنويري والجمالي، وفقدان هذا الدور أسهم في ما نحن نواجهه هذه الأيام من عنف وتطرف وغياب للتقبل والقبول، غيب المثقف ودوره مقابل رجال المال والأعمال، واستشراء الثقافة الاستهلاكية المركزة على السطحية والتلوث البصري والفكري، الناتجة عن تقنيات العصر وأساليب استخدمها كالفضائيات والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أرى أن دور المثقف مازال مهماً خاصة في الظرف الحالي، لكن يجب إحلال المثقف المكانة المناسبة، وإفساح المجال له من خلال المنابر المختلفة والدعم الحقيقي لممارس دوره الجمالي والتنويري.

2-  جميلة عمايرة:
لم يعد للمثقف دور في الراهن المعيش، انسحب المثقف إلى الوراء كثيرا، وتم تهميشه وإقصاؤه وإسكاته من قبل السلطات الحاكمة، فأي دور نتأمله من المثقف الذي خفت صوته كثيرا فيما المنطقة تغلي تحت سمعه وبصره؟ هناك أسباب كثيرة لهذا الانسحاب، الذي طال المثقفين بعامة، باستثناء قلة قليلة من أصحاب القامات العالية الذين لا يخشون من القمع أو السجن أو النفي.

 3- جلال برجس:
بالطبع هنالك دور، ودور مهم للمثقف ففي هذا المعترك الغرائبي، والذي اختلط فيه كل شيء، وباتت لغة الحرب، والطائفية، والإقليمية، والتطرف وسطوة الإنسان على الإنسان، هي سطر الصفحة الأول إن لم يكن كل ما يؤثثها. أمام رياح هذا الخراب يقف المثقف -المثقف الحقيقي- وبيده المشعل ويقاتل لأجل أن لا تخبو الشعلة. فدوره هو دور المشعل نفسه حينما يطرد العتمة ليحل النور. فالمثقف بوصفه كائنا نخبويا عليه هذه الأيام أن يقدم حلولاً لما نواجه من أزمات. فالسياسة لا تقدم إلا حلولاً مرحلية، تنتهي بانتهاء المرحلة، أما المثقف فرؤيته هي الأكثر قابلية للامتداد عبر روح الزمن، وبالتالي هو المرشح الأكبر للخروج بالناس من عنق الزجاجة.

 4- إسلام سمحان:
لا دور للمثقف، وغيابه ساهم في انحدار المستوى المعيشي والاجتماعي والفكري، بل إن المثقف كرس جهده ووقته وثقافته في اغتيال الغير وعدم تقبل آراء الآخرين وذهب بعيداً في طعناته ونواياه الملغومة إلى درجة أنه بات يشتغل وينشغل بتحليل النوايا مدفوعاً بأجر بخس دراهم أو ريالات معدودة للذود عن فكرة صماء قاحلة بلا جدوى تسعى للُفرقة والانهزام والتحايل على الحق. يتمثل دور المثقف بالشراكة مع كل ما هو رديء ومحسوب على قوى خارجية تعمل على ما وصلنا إليه، ألا وهو الانحلال الثقافي ورداءة المنتج الفكري والأدبي وتعزيز دور مثقف السلطة وموظف الوزارة وتدافع آخرين على أبواب الطغاة.

5-  نضال القاسم:

في ظل الظروف الحالية التي تواجه بلادنا يجد المثقف نفسه أمام أزمة حقيقية، ويتطلب الوضع الحالي منه أن ينهض بأكثر من دور تجاه المواقف المختلفة، فعدا عن دوره الرئيسي كمبدع خالق للنتاج الفني، وصائغ للقيم الجمالية، فإنه ينبغي عليه أن يمارس موقفه كإنسان يدافع عن مثل وقيم إنسانية، بأشكال مختلفة من المشاركة الفعالة والنوعية، كالنشر في الصحف والحديث في وسائل الإعلام والمشاركة في الفعاليات السياسية والفكرية، لما لكل هذه من تأثير بسبب المكانة الخاصة التي يتمتع بها المثقف.