أن تفتتح موسمها الخريفي بعرض أثري نادر يتناول الكشف عن قطع فرعونية مودعة منذ زمن طويل في المتحف المذكور، تشير الى مناح هامة في الحضارة الفرعونية المغرقة في القدم. وجاء على الموقع الإلكتروني العائد للمؤسسة، أن الزائر الى هذا الصرح سيفاجأ هذه المرة بأنه في رحاب مختلفة تفوح منها رائحة التاريخ القديم، وتنتشر في أرجائها معالم لثقافة مدهشة لم تحل ألغازها جميعاً بعد.
ولعلّ المتخصصين في العصور الفرعونية المتباينة إضافة الى بعثات التنقيب في الأرض المصرية، يرون أن كل اكتشاف جديد في هذا السياق يزيد الانبهار في خصائص هذه الحضارة. ولكنه في الوقت عينه يسفر عن مزيد من التساؤلات الغامضة التي تكتنف هذه الثقافة المذهلة.
تمثالان ضخمان يستقبلان الزوار عند مدخل المتحف، يدلان على فكرة الخصب واستمرار الحياة، يعودان الى العام 3300 قبل الميلاد. تعلّق صحيفة «الأندبندنت» البريطانية على هذين الأثرين بالقول إن أهميتهما الفائقة لا ترد الى عظم هيئتهما وضخامة شكلهما. ثمة فيهما ما يدل على العمق الإنساني المتجذر فيهما، والقدرة الاستثنائية الكامنة فيهما على الحفاظ على المفاهيم الفرعونية العريقة على مستوى العلاقة بين الناس والكون. والأرجح أن هذه المقاربة النقدية المغايرة للصحيفة المذكورة لم تكن بهذه الفاعلية في فترات سابقة درج فيها معرض جامعة أكسفورد على الاكتفاء بعرض المقتنيات الأثرية على نحو تقليدي يخاطب العين فقط.
يتوجه المعرض بدلاً من ذلك، الى مخاطبة الزائرين من خلال إثارة أذهانهم بالقيم الحضارية التي انطوت عليها العصور الفرعونية، إذ يصبح بمقدور الزائر أن يشعر في أعماقه أن ارتياده هذا المعرض هو وصل ما انقطع بين الواقع الحالي والثقافة الفرعونية القديمة.
أوان فخارية كان يستخدمها الفراعنة لأغراض الطعام وسواه، قطع صغيرة وكبيرة من أجل الاحتفالات الدينية والاجتماعية والأسرية، تماثيل تحاكي أشكال الحيوان وبعض أنواع الحشرات كالعقرب، وهذه تعزى الى الألف الخامس قبل الميلاد. الى جانبها تعرض قطع أخرى مصنوعة من الجص تعزى الى الألف الثاني قبل الميلاد، وتمثال ذي ملامح صارمة يشوبها الصمت والنظرة الثاقبة. وهو من القطع التي تستحوذ على حضور قوي في المتحف. وإذا كان من شأن النحت على مواد صلبة أن يضفي على الشكل ملمحاً لا يخلو من القسوة، فإن من بين القطع ما صنع من صلصال هو أقرب الى رهافة الإحساس، مثل منحوتة صغيرة الحجم تشير الى وجه أسد. في الإطار عينه، تبرز الكتابة الهيروغليفية على ورق البردى والآنية المنزلية وبعض مقتنيات المنزل كالمقاعد والطاولات، فناً مألوفاً قريباً من الذات يوحي بدفء عميق تشيعه الحضارة الفرعونية في الثقافات الأخرى، قديماً وحديثاً.
يشتمل المعرض كذلك على قطع أثرية نادرة تعزى الى الحضارة النوبية التي ازدهرت على الطرف الجنوبي لمثيلتها الفرعونية. وتحتوي أيضاً على معروضات صيغت في أعقاب غزو الاسكندر للجغرافيا المشرقية، ومن بينها مصر على وجه التحديد. يظهر، في هذا المجال، وجوه خشبية لمومياءات اندثرت، شديدة الوضوح ذات ملامح لا يشوبها الغموض. أهمها صورة لطفل في الثانية رسمت على مئة شريحة من الزجاج الناعم المصقول.