عرار:

نظمت مؤسسة عبد الحميد شومان أمس السبت حفل تكريم للمثقف والسياسي الدكتور خالد الكركي، بإعتباره (ضيف العام)، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والكتاب والمثقفين الأردنيين والعرب.

أستهل الحفل الذي تضمن مجموعة من الجلسات، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الحميد شومان فالنتينا قسيسية، لافتة الى ان خالد الكركي قامة إبداعية وثقافية وسياسية مديدة، كان شعاره البذل والعطاء منذ درج في الوظيفة وحتى اليوم، ولم يبخل بأي جهد في أي موقع تسلمه، وهو الأردني الذي لم يرض بغير هويته العروبية، والذي ما يزال يبحث في قواميس العشق عن عن مسيرة أمة لم يعتقد يوما أنها هرمت وحان أجلها، بل ما يزال يعتقد أنها أمة وجدت لتبقى، وأن لها دورا لا بد أن تلعبه في حياة البشرية، فهو الأكاديمي والسياسي والمثقف والمبدع، وما من منطقة في هذا الوطن إلا وله فيها طالب أو مريد أو محب أو بصمة واضحة.

وفي جلسة (الكركي في الأدب واللغة) التي ادارها الدكتور أمين محمود، تحدث الدكتور نهاد الموسى عن خالد الكركي المسكون بهاجس الابداع وجهوده في خدمة اللغة العربية، متتبعا ما قدمه الكركي في تطوير مجمع اللغة العربية وإصداره مجلة المجمع وعقد المؤتمرات التي تتناول شؤون اللغة العربية فضلا عن وقوفه وراء اصدار قانون حماية اللغة العربية، فضلا عن اعتباره المجمع مؤسسة للتخطيط اللغوي، مبينا عمله الدؤوب في في إنجاز امتحان الكفاية باللغة العربية ارتقاء بالمستوى اللغوي لدى المتعاملين بالعربية في التعليم وسائر شؤون الحياة.

وأضاء الدكتور شكري عزيز ماضي على مساهمات الكركي في دراسة الأدب المحلي ورؤيته العميقة والواضحة لمفاهيم الحرية والعدالة والمساواة والتقدم والوحدة وحلمه بمستقبل مشرق رغم كل العثرات والمآسي.

واوضح تفاعل الكركي مع الأدب المحلي والعربي والعالمي من هذا المنظور، إذ واكب الحركة الأدبية في تضافرها مع حركة الواقع ومنعطفاته، ويبحث عن العلاقة بينهما، ويهتم بالنصوص ومواصفاتها الجمالية والفكرية في التعبير عن اللحظة التاريخية المعقدة وآفاقها وشحذها وجدان المتلقي بروح التحدي والرفض والمقاومة.

وعاين الدكتور عبد الرحيم مراشدة ابداعات الكركي الشعرية بوصفه منشئاً للنص والباث له نصاُ يحيلنا مرجعياً، وعلى سبيل التناص إلى أحداث معركة مؤتة في استرجاع للتراث والتاريخ، يحكي قصة عادات وتقاليد وحكايات العرب، حتى ما قبل الإسلام، على نحو يستعيد المتلقي عبر المخيلة الأفعال الدرامية، وسجلت ملحمة بطولية تتفتح عن تفاصيل مسهبة في الذاكرة ثم تقود إلى تفاصيل حفرت في الذاكرة العربية الإسلامية كثيراً، في متن ومكونات أحداث مؤتة ينسج منها أحداثاً عابرة للأزمنة والأمكنة.

وضمت الجلسة الثانية المعنونة (الكركي: دراسات ومواقف نقدية)، ادارها المؤرخ علي محافظة، قراءة للدكتور زياد الزعبي في اسهامات الكركي بدراسة الشعر العربي الحديث والتي جاءت تمثل رؤية فكرية ومنهجية مطردة، متوقفا على كتابين من اصدارات الكركي هما: الرموز التراثية العربية في الشعر العربي الحديث والصائح المحكي.. صورة المتنبي في الشعر العربي الحديث، ففيهما تتضح مسارات البحث التي تعاين الشعر العربي الحديث من خلال علاقته بالموروث الثقافي، وفيهما يرى الزمن أمام المبدع واحدا ويرى الموقف الإنساني هو المعيار.

وتناول الدكتور حكمت النوايسة صورة الكرك في نتاجات الكركي الثقافية والسياسية، مبينا دور الكركي في انجاز كتابة حرّة تستنفر وتجول في الفضاء الرحب الذي يجعله مفتاحا لكل القراءات السردية التي تناولت الأدب الروائي فإنه يتيح لمن يتتلمذ على يديه أن يكون مكّثفا، وأن يطلق لنفسه الخيار والحريّة، يتجاوز تردادَ المقولات وعسفَها على النصوص، ويحفر في النصوص ليستكنه أعماقها، باحثا عن لحظة الوعي بالكتابة وفي الكتابة.

وقدم الدكتور صلاح جرار شهادة في خالد الكركي الذي وصفه زميل دراسة وصديقا، متوقفا في جانب العمل الثقافي، إذ هو أكثر ما يمثّل اهتماماً راسخاً ومشتركاً والذي كان يلفت النظر بخلقه الرفيع وروحه الوطنية والقوميّة وفكره المستنير وجمال عبارته، حيث أتاحت هذه الصداقة والزمالة التعاون بينهما في المجالات الأكاديمية والثقافية، وشاركا معاً في كثير من الندوات والأنشطة الثقافية التي كانت تقام في الجامعة الأردنيّة وغيرها من المؤسسات المعنية بالعمل الثقافي.

واشتملت جلسة ادارها وزير الثقافة الاسبق الشاعر جريس سماوي، على شهادات لكتاب ومثقفين اردنيين وعرب حول شخصية الكركي، عرض فيها وزير الثقافة الأسبق سمير الحباشنة، محطات ومواقف جمعته مع الكركي في العمل السياسي والثقافي، وراى في شخصيته ذلك النموذج لشخصية الانسان العربي المملوءة سماحة ورضا وتفاؤلاً بالمستقبل وهو صاحب طرح ريادي ايجابي يوظف امكاناته وعلاقاته للصالح العام وتبدى ذلك خلال رئاسته للديوان الملكي وايضا لدى رئاسته رابطة الكتاب الاردنيين.

واشار الشاعر اللبناني شوقي بزيع الى جملة من المقاربات التي تفصح عن شخصية خالد الكركي وما تنطوي عليه من أسئلة الجذور والهوية والصداقة وهموم الوطن والامة والابداع وهاجس الانتماء الذي لا ينفك يتلمس عبر وطنه الأردن منصة البحث الدائب عن عبقرية المكان وتجلياته في الطباع والصفات والأجيلة، مفتونا بالشعر، ومستعينا في بباشلار وجمال حمدان يقيم وشائج قربى لا تنقطع بين الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا الإنسانية.

وعرض الدكتور محمد ناجي عمايرة لتجربة الكركي في العمل الوزاري مع بدايات التحول الديمقراطي ودوره في التنمية الثقافية من خلال موقعه كوزير للثقافة، مشيرا فيه الى تلك التحولات في مرحلة التحول الديموقراطي وابعاده ومدياته.

وأوضح الدكتور ضياء الدين عرفة في شهادة له بالجلسة التي ادارها المؤرخ محمد عدنان البخيت، ان الدكتور خالد الكركي أردنيّ عروبي، تعارفا في رحاب الجامعةِ الأردنيّةِ على مدى عشرين عاماً وهو شخصية استثنائية ملكت الإدارةَ والعبارةَ، لها حضور علمي جاذب آسر بين الطلبة، يتحدّثونَ عنه مُثقَّفاً بلا مثيل، ومُتحدِّثاً بلا قَرين، وعالِماً مُتمكِّناً ضَليعاً في الأدبِ العربيّ واللغةِ العربية، يُبهرُ الحاضرينَ بسُرعة استحضاره الشعرَ من محفوظٍ هائل ضخم، يثير الدهشة؛ فيأخذ كلَّ الإعجاب بلكنته الفصيحةِ الصافية، وصار حالة إبداعٍ يشهد لها الجميع، فأصبح قامة وطنيّةً ثقافيّة، لها حضور بارز أردنياً وعربياً ودولياً في المشهد السياسي والإعلامي والتعليميّ والتربويّ: وزيراً وأديباً وكاتِباً وشاعراً ومُفكِّراً.

وقدم الدكتور محمد عصفور شهادة حول حضور الكركي في العمل الأكاديمي، بين فيها ان الحياة الجامعية ظلت على الدوام تحتاج إليه بالحاح رغم أنه اتجه الى العمل السياسي في بعض الاوقات، الا أن عودنه الى رئاسة الجامعة الأردنية اعادت إليها أَلَقَها الذي تميَّزت به في عقدَيْ الستّينات والسبعينات، مشيرا الى اكثر من حادثة تدلل على التخطيطَ السليم لدى فكر الكركي في قيادة المؤسَّسة التعليمية.

واستعرض الكاتب والاعلامي علي الفزاع في الجلسة التي ادارها المفكر ابراهيم بدران، جوانب من عمل الكركي في الديوان الملكي وسعى إلى التخلص من بعض ممن تعوزهم الكفاءة، وأحل محلهم عدداً من الشباب من ذوي الكفاءة والانتماء الصادق من ابناء البسطاء والناس العاديين، وذلك تحقيقاً للعداله والمساواه وتقديراً للكفاءة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، مبينا ان خالد الكركي ظل قابضاً على جمر مبادئه وصدقه وانحيازه للفقراء والبسطاء والكفاءات والمثقفين ولم يساوم على اي مبدأ أو قناعة ولم يهادن خصومه ولو للحظة، وظل نقي السريرة، نظيف اليد، واختار أن يبقى المفكر والكاتب والأديب والأكاديمي المتميز.

واشار الدكتور عبد الكريم القضاة في شهادته حول تجربة الكركي في العمل الطلابي الى مشاعر الكركي الفطنة في تجنيب الطلبة جلد الذات والتقاعس مبينا لهم ان شرعية النبل تأتي من تعبهم وعطائهم ومن احتكامهم للعقل والتسامح واحترام الآخر، فقد كان الكركي يعمل على دعم الطلبة الفقراء بكل الوسائل وخاصة المادية منها من خلال صندوق الطالب الفقيرومصادر اخرى، اما المتميزين من الطلبة فكان يتفانى بتشجيعهم وتبنيهم لاكمال دراستهم بالابتعاث الداخلي والخارجي، كما يتفانى في تذكير طلبته بان التجانس والتآلف والتآخي والتعايش هي من بين مكونات هذا الوطن وانموذجه الطيب في وحدة وخير الوطن والأمة، مثلما عمل على تعريف الطلبة بان لهم عدو شرد شعبا وصادر حقه في حياة كريمة واهان وحاصر، طالبا منهم ان يكونوا اندادا له، لا بل متميزين عليه بالعلم والعقل والكبرياء والمعرفة بالتاريخ، حتى يعرف هذا العدو انه وقع في عرين امة ما استكانت يوما لظالم محتل او محتال ولو تبدل الزمان وطال.

وتركزت شهادة الدكتور محمد السعودي على جهود الكركي في مجمع اللغة العربية، مبينا محافظة الكركي على كل ما اختطّه من سبقه في رئاسة المجمع من المؤتمرات والمواسم الثقافية والمجلات والنشرات. وبينت الشهادة حرص خالد الكركي على خدمة زملائه العلماء في المجمع أيضاً، وهم أساتذة كبار يحملون الروح والعقل، ويرى فيهم نصرةً للفكر والضمير، فيتفقدهم إنْ غابوا ويستقبلهم ويودّعهم إنْ حضروا وكأنهم زوّار بيته الصغير.

واوضح ان الكركي من خلال اللجنة الوطنية للنهوض باللغة العربية وبمعية علماء أنجز مشاريع عصرية مثل رصد واقع اللغة العربية في القضاء، وواقعها في الإعلام، وواقعها في وسائل التواصل الاجتماعي، لتشخّص الحالة الحاضرة ويعدّ العلاج لذلك بطرائق علمية تطبيقية تناسب روح العصر، وتحت البحث والتمحيص اليوم مشاريع جديدة أخرى هي: رصد واقع اللغة العربية في الجامعات الأردنية مؤتة نموذجاً، ورصد واقع اللغة العربية للناطقين بغيرها في الأردن، وآفاق اللغة والحوسبة من خلال مشروعين، أولهما إحصائي يُعنى بترجمة المقالات البحثية الإنجليزية التي تساهم في خدمة اللغة العربية إلى العربية، ثم فهرستها وحصر الناجع منها لفتح الآفاق العلمية لاستحداث برامج جديدة لخدمة النص العربيّ. والثاني الدخول في عوالم التكنولوجيا واستحداث البرامج التي تساهم في تبسيط العربية للقارئ والمتحدّث والسامع والكاتب.

وقدمت الدكتورة بلقيس الكركي شهادة شخصية في نص شاعري بليغ مؤثر يتسم بسرد حميم دافئ يبرز تلك العلاقة الوجدانية مع والدها الدكتور خالد الكركي لافتة الى ما تتمتع به شخصيته وروحه من عبق التاريخ والشعر والتعلق بالخيل والصحراء وجس هموم وآمال الوطن والأمة.