آن للناشر الأردنيّ أن يخرج من عباءة التنظير إلى الإجراء؛ فحتى الكتاب الأكاديميّ الذي هو محلّ افتخارنا في إقبال الطلبة العرب عليه، يجب أن يواكب هو الآخر ويقرأ التحدي الأكبر الذي أشار إليه رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين مدير معرض عمان الدولي للكتاب فتحي البس في محتواه على مستوى النوع وعلى مستوى لغته الإنجليزية.
وإذا كانت دولة كبيرة الهمّة في عالم النشر بحجم الإمارات العربية المتحدة تحلّ ضيف شرفٍ على المعرض في دورته السابعة عشرة، فإنّ على ناشرينا اليوم أن يستفيدوا من الفرص المتاحة في التعاون المتكافئ الموضوعي البعيد عن مجرّد التعاون البروتوكولي أو تعزيز الروابط الثقافيّة، ومن ضمنها النشر وسوق الكتاب.
في ندوة الجمعة التي كانت اختياراً موفّقاً للمعرض لبحث علائق اتحاد الناشرين الأردنيين بجمعيّة الناشرين الإماراتيين، وهي جمعيّة فاعلة من واقع طروحات علي الشعالي نائب رئيس الجمعيّة ومحمد المطروشي عضو مجلس إدارتها، اللذينِ ناديا بالتعاون الفاعل الجادّ، معرفينِ بالشروط القويّة والموضوعيّة في جودة الكتاب محتوىً وشكلاً ومواكباً لهذا السّوق الواسع، سوق النشر.
وإذا كانت صناعة النشر في الإمارات قد شهدت منعطفاً كبيراً عام ألفين وتسعة، وهو العام الذي تمّ فيه تدشين الجمعيّة بدعوى كريمة من حاكم الشارقة عضو المجلس الأعلى للاتحاد الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، فإنّ هذه القفزة التاريخية في النشر تعطي هذه الدول مبررات أن تكون مرجعاً قويّاً، خصوصاً في اتباع المنهج العلميّ في دراسات الجمعيّة، نحو مفاجآتٍ لا تنتهي ومكارم ثقافيّة، تُتوج في مجال النشر بكون الشارقة «مدينة نشر» في ظلّ وجود مئة وستين ناشراً إماراتيّاً، وفي ظلّ الانطلاق بثقة اعتماداً على ما رصدته القيادة السياسيّة في الإمارات من ميزانيات ضخمة ومهمة للنشر وللثقافة على وجه العموم، لنكون أمام طموح لا يحدّه حدٌّ نحو ملتقى للمحتوى العربي الرصين، البعيد عما تعانيه هذه الصناعة من تحديات السطو على حقوق الملكيّة والسرقات والتزوير ورداءة الإخراج، فضلاً عن رداءة المحتوى والدخول إلى هذا السوق بغية الربح السريع دون أدنى مقوّمات للنشر الذي بات موضوعاً تقدّم فيه جامعة القاهرة شهادةً جامعيّة بحسب رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد.
إنّ احترام دولة الإمارات للخبرة العربيّة، ومنها الأردنيّة، هو احترام لحواضن الثقافة العربيّة في القاهرة مروراً ببيروت ودمشق وعمان وبغداد والرباط وتونس والرياض، لكنّ هذا الاعتراف يضع هذه الخبرات أمام تحدّي الكفاءة والتنافس التام الذي يطرد فيه المنتج القويُّ المنتج الضعيف، فالمسألة ليست بالتأكيد تسابقاً أو «مباراة» في عدد دور النشر- كما قال الناشر فتحي البس- ولكنّها عُدّة ثقافيّة ونوعيّة تفرض وجودها، وتتكئ على فلسفة دولة الإمارات في أن تكون حاضنةً رؤوماً للنشر العربي، في ظلّ روابط الدين واللغة والثقافة والاستفادة من تنوّع البلاد العربيّة على المستوى الثقافيّ.
وفي حالة اتحادٍ واجه صعوباتٍ كبيرة، كاتحاد الناشرين الأردنيين، من فكرة انطلقت عام تسعة وثمانين من القرن الماضي وتبلورت عملاً مؤسسياً عام ثلاثة وتسعين، فإنّ البدايات لا بدّ تُحترم لاتحاد يفخر بأنّه كان مقرّاً لاتحاد الناشرين العرب، الذي كان قوامه كما قال رئيس الاتحاد فتحي البس ستة اتحادات أصبحت اليوم سبعة عشر اتحاداً، ليتطوّر اتحاد الناشرين الأردنيين كذلك إلى مئة وخمسين عضواً، بعد أن كان انطلق بخمسةٍ وعشرين ناشراً، ويتّجه نحو بناء «النموذج» على ما في ذلك من تحديات، ليس أوّلها الدعم الحكومي، خصوصاً وأنّ النشر الإمارتي يلقى دعماً حكومياً سخيّاً في البرامج والمبادرات ومشاريع الترجمة ونشر القراءة، ويطمئننا في هذا المجال أنّ إيماناً بالفكرة جعل وزارة الثقافة تتجه إلى «مأسسة» الاتحاد مأسسةً لا يُنكر دور الاتحاد فيها، باعتباره بطل النصّ القرائي في هذا، ومثل الوزارة فعلت أمانة عمان في ظلّ شهوة ما تزال خجولة لوزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم، مع احترام جهود وزارة الثقافة في برامجها في النشر وعلى رأسها دائرة المطبوعات والنشر ومشروع مكتبة الأسرة الأردنية الذي طبعت الوزارة منه أربعة ملايين ونصف المليون كتاب في دورات المشروع التي تتوج قريباً بالدورة الحادية عشرة، وكذلك تفعل أمانة عمان في الابتعاد عن نمطية المسؤولية الاجتماعية باتجاه المسؤولية الثقافية للبلديات.
إنّ إمارةً تعدّ مثالاً حيّاً على دعم النشر كالشارقة، ومثلها دبي وأبو ظبي، يجعلنا نفكّر في شراكات كبيرة وأخرى تعتمد التحرير والتدقيق والرسم والطباعة والتوزيع، كما أنّ فرص الشراكة تحتاج إلى الحوار الحقيقيّ لإنتاج مجموعاتٍ تعليميّة، في ظلّ دافع قوي هو تحديث المناهج والدراسات وبرامج المطالعة، وكلّ ذلك مسوّغٌ كافٍ لأن تدفع بالناشر الإماراتي ضيف شرف المعرض لأن يبحث عن نظيره الأردني في تكامل يعتمد حواضن حيّة لمكاتب الناشرين العرب والعالميين كذلك، اعتماداً على معرضين في الشارقة أحدهما للطفل، بتجهيزات لوجستية عالية، ومعرض ضخم في أبو ظبي تدخل فيه خبرة فرانكفورت التنظيمية عاملاً مهمّاً في حفظ حقوق الملكيّة الفكريّة والحفاظ على السمعة العالية، كما أشار الناشر الأردني ماهر كيالي الذي أكّد ثمار مشاريع الترجمة، في سياق الحديث عن مشروع» كلمة» و»ترجم» وغيرهما من المشاريع والمبادرات.
«الصناعات الثقافيّة يجب ألا تُترك لاقتصاديات السوق!» يقول رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين فتحي البس، في تلميحٍ إلى أنّ الكتاب الأكاديميّ الذي أكّده الناشر ماهر كيالي طابعاً أردنياً مميزاً»الكتاب الجامعي» إضافة على الكتاب الديني والثقافي والسياسي والإبداعي، إنّما هو كتاب يحتاج إلى الا يقدّم للعرب معلوماتٍ متواضعة، وفي ذلك دعوة لزملائه الناشرين بتطوير و»تجويد» المحتويات، في ظلّ أسفه- الذي هو أسف ناشرين وإعلاميين ونخب ومثقفين- مما نعانيه من كتب رديئة تفد إلينا في كتب الطفل وتباع بأبخس الأسعار، ومن كتب أيضاً تسعى للملاحقة والسرعة وجذب الانتباه دون رؤية، وفي ذلك تحوّف وتحوّط وحذر، وقلق على تخصصنا في الكتاب الجامعي وكتاب الطفل.
إنّ معادلة (جودة المنتج+ الإمكانات الماديّة) لا بدّ أن تساوي مشروعاً عربياً ناجحاً الأردن والإمارات أنموذجٌ له، في ظلّ توفير البيئة التشريعية المناسبة والرؤية الحكيمة لبلد كالإمارات استفادت من الدورة الماضية لمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب، التي حلّت الصين فيها ضيف شرف بعيداً عن الشكلانيّة المعتادة، إذ هبّ ناشطون – من واقع شهاداتهم في الندوة- يذرعون الأرض الصينية والمصانع لتتمخض الزيارة عن اتفاقيات ترجمة لا عارضة أو فرديّة وإنّما مستمرة ولها منافع قريبة.
يؤمن الناشر الإماراتي بإحلال عبارة «فلنتعاون» محلّ «فنّ التعان»- كما قال ناشر إماراتي عرض على الناشرين الأردنيين فرصاً ومكاسب في مجال التعليم والدخول إلى الإجراء، وكلّ ذلك يحمّل الناشر الأردنيّ كما قال الناشر خالد أمين مسؤولية الزيارات الميدانيّة الواقعيّة وفتح آفاق التبادل وتعزيز اللقاءات الثنائيّة ضمن موضوع «احترافيّة النشر»، وأن يغادر ناشرنا العربي- والأردني- تقوقعه في عنق الزجاجة بآفاقه المحليّة الضيّقة؛ نحو رحابة العالميّة، وفي هذا المجال فإنّ الإمارات هي من يعلّق الجرس، ومثل ذلك قال الناشر الشلول مؤكّداً موضوع العالمية بالترجمة الفاعلة والتوزيع المدروس والانطلاق من ثقافتنا العربية الإسلامية القويمة التي تجعلنا محلّ ثقة في هذا المجال.
هل يمكن أن يتحوّل اتحاد الناشرين العرب من هيئة استشاريّة إلى تمثيليّة فاعلة؟!.. سؤالٌ وجيه طرحه الناشر أكرم سلامة، خصوصاً في ظلّ انتشار آفة التزوير في الكتاب العربي والسطو على حقوق المؤلفين في هذا الشأن.
وواقعيّاً، لم تعد استضافة الدول العربية والعالمية ضيوف شرف على معارض الكتاب مسألةً بروتوكوليّة ذات منافع محدودة في مدّ يد العون أو ربما توكيلات الشراء أو ما شابه، وإنّما باتت فرصةً حقيقيّةً وموضوعيّةً لقطف ثمار يانعة وناضجة على الأمدين البعيد والقريب.