عرار:

يضيف ما يتاح العثور عليه من قراءات الكاتب الفلسطيني ماجد ابو شرار لنتاجات بدايات ستينيات القرن الماضي اضاءات لجوانب غير معروفة من تجربته الابداعية التي سبقت طغيان السياسي على الادبي في اهتماماته حيث انشغل خلال سنواته الاخيرة في مواجهة مزدوجة ذات طابع سياسي وفكري مع يمين حركته فتح والاحتلال الاسرائيلي.
احدى هذه القراءات ما جاء في سجال اطلقه الشاعر والروائي امين شنار حول رواية احسان عبدالقدوس «ثقوب في الثوب الاسود» على صفحات صحيفة المنار التي كانت تصدر في القدس خلال النصف الاول من القرن العشرين وشارك فيه كتاب من الاردن وفلسطين.
رغم ميله الواضح الى توجيه انتقادات لادب عبدالقدوس اظهر ابوشرار خلال مطالعته التي عثر عليها مؤخرا في ارشيف المكتبة الوطنية الاردنية حرصا على التعامل مع فضاء الكتابة بقدر من الموضوعية.
تتوقف المطالعة عند اربع محطات وجد الكاتب اهمية في عدم تجاوزها وهو يرد على محمود الخطيب اثر تصديه لانتقادات شنار للرواية التي تتناول التمييز العنصري في افريقيا السوداء .
احدى المحطات التي توقفت عندها المطالعة الصور البلاغية التي عرف بها احسان عبدالقدوس حيث يصف ابو شرار التعبيرات بانها «حلوة» و»رائعة» يجيد الروائي محل النقد اختيارها .
الى جانب الاشادة بالصور البلاغية يتطرق الناقد في سياق عرضه لتجربة عبدالقدوس من الناحية الفنية الى قدرة المنقود على «تشكيل» و»تلوين» شخوص رواياته وتحريكها. 
تفيد اشارة  اخرى وردت في مطالعة ابوشرار بقدرة عبدالقدوس على اقتناص الحدث بسرعة وذكاء وخبرة طويلة واحالته الى قصة تنام راضية مرضية تحت وسائد المراهقين والمراهقات.
الصور التي «يجيد احسان صنعها» حسب ما جاء في المطالعة اوجدت له جمهورا ضخما من القراء الذين «يتلقفون كل ما يكتبه» فتلتهمه القلوب الظامئة المتطلعة الى افاق تحرر جديدة.
والاشارات التي تناولت قدرة الروائي على التشويق وشد القراء لرواياته ـ حتى لو كانوا ضمن فئة عمرية محددة ـ جاءت متناثرة في المطالعة مما يضعها في سياق التوطئة لتوجيه انتقادات نحو ما هو ابعد حيث يأخذ ابو شرار على اعمال عبدالقدوس خلوها من العمق الفلسفي والفكري والاجتماعي الامر الذي ينتهي اليه القارئ بعد قراءته للاعمال المشوقة.
تأخذ المطالعة على الروائي محل السجال انه يعاين المشكلة من اعلى نقطة في برجه العاجي المحاط بجيش كبير من المحررين والموظفين والسعاة في مبنى دار روز اليوسف وبالتالي يبقى التعامل معها مرهونا بقصاصات وكالات الانباء العالمية.
تقود هذه الاشارات الى مقارنات ضمنية بين القدرة على اقتناص الحدث ـ وهو الفعل الذي يتقنه التجار في العادة ـ وعيش الاديب التجربة بعمق وتجرد وصدق لكي تكون صورتها اكثر اقناعا للقارئ.
بناء على هذا الفهم يصل ابوشرار الى ان الصورة في الرواية محل البحث جاءت مهتزة ومشوهة تثير الكثير من الاشفاق على كاتب يحاول ان يزج انفه في كل صغيرة وكبيرة.
اللافت للنظر في المطالعة حرصها على وضع «ثقوب في الثوب الاسود « في سياق سلسلة اعمال عبدالقدوس الروائية واجراء مقاربات بين الرواية التي يدور السجال حولها وبقية الروايات حيث يصف رواية «في بيتنا رجل « بالكتاب الذي يشد القارئ من حرفه الاول الى الحرف الاخير الامر الذي لم يتوفر في «لاتطفئ الشمس» حيث قتل الروائي الاخ الاصغر في روايته بعد عجزه من السيطرة عليه لتنتقل السيطرة بذلك الى الاخ الاكبر المنطوي على نفسه.
ولا يخلو الامر من تجاوز ابو شرار منطلقات امين شنار في نقد الرواية ـ الصادرة عن مكتبة مصر في العام 1962ـ حيث تركزت انتقادات الثاني حول القالب الروائي «المهزوز» للرواية التي اعتبرها «بحثا مستفيضا» او «دراسة علمية» كما تناول وضعية شخوصها «الماتيس» وغيرهم الذين رأى فيهم رموزا في دراسة علمية وليسوا احياء في عمل ادبي. 
الملاحظات التي ابداها ماجد ابو شرار خلال مناقشته الرواية تكشف عن قناعة باهمية البحث في اعماق شخصيات العمل الادبي وسبر اغوارها وتجذير الالتزام بقضايا المعذبين وعيش الحدث قدر المستطاع لبناء تواصل نفسي مع ضحاياه وتجنب سطحية المعالجة.
ويميز ابو شرار في مطالعته بين نموذجي «المثقف التاجر» والاخر «الملتزم» بالقضايا والقيم الانسانية ويحرص على البقاء قدر المستطاع في دائرة الموضوعية عند قراءة النص.
 الانحيازات الواضحة والمضمرة في المطالعة تنسجم مع موضوعات وايحاءات قصص ابوشرار وانطوت عليها تجربته الاعلامية ولا تبتعد عن مواقفه السياسية اللاحقة التي لم تخرج عن اطار الانحياز للطبقات المسحوقة والملتزمين بها من المثقفين والفنانين العرب.
الى جانب سيرته النضالية التي الهمت اجيالا لاحقة من المناضلين الفلسطينيين وحظيت باحترام كتاب ومثقين عرب وعالميين عايشوه ومقالات تحليلية حول الصراع مع الاحتلال والمشروع الوطني والعلاقة مع المحاور الدولية، بقي من ابو شرار بعد تفجيره في روما مطلع ثمانينيات القرن الماضي مجموعة قصص نشرتها مجلة «الافق الجديد» خلال الستينيات وجمعت لاحقا في كتاب بعنوان «الخبز المر» لتغيب عن الصورة تفاصيل بعضها مقالات كتبت خلال الستينيات دون توقيع ومشاركات في سجالات ونقاشات ثقافية وادبية تنتظر منذ عقود من يبحث عنها لتكشف جوانب اخرى من شخصية المثقف الذي دفع حياته ثمنا لفكرة