|
عرار:
بلغة مغايرة، مكملةً لمضمون الرواية، تأتي لغة السرد في رواية «رئيس التحرير» في دور المشارك في الحدث. وهي رواية الشاعر أحمد فضل شبلول التي تخترق عالم الصحافة بلغة صحفية رصينة لا تخلو من محسنات ومقومات السرد الروائي. البناء الدرامي متماسك بإيقاع متلاحق، وتصاعد مشوق للأحداث، قد يصل إلى مرحلة اللهاث وراء الآتي، قصة درامية هي رحلة يوسف عبدالعزيز الصحفي السكندري المكانية من شاطئ الإسكندرية إلى شواطئ الخليج، ورحلته العملية من واقع صحافي واجتماعي مصري إلى مثيله الخليجي. رحلة إنسانية أخرى بين القائمين على الأمور في الواقع الصحافي المصري والخليجي. في إطار علاقات إنسانية تتراوح بين الحب والكره، بين التجاهل والاهتمام، بين العاطفة والجمود، بين بشر من لحم ودم وماكينات لا ترتوي سوى بالجديد دائماً من الإبداع. تحمل الرواية في تكوين سمات شخصياتها المحورية سمتين متناقضتين؛ بينما كانت شخصية يوسف شخصية مجردة لم يصرح الكاتب بنشأتها أو دوافعها في أغلب الأحيان وكأنه معنون بسمة واحدة يعرفها الجميع (كائن صحفي)، في حين ألقى الكاتب الكثير من السمات على شخصيتي مني فارس والجوهرة إبراهيم. كاتب يملك أدواته السردية، لم يشغل متلقيه بتفصيلات تذهب به بعيداً عن الحالة المكونة للرواية مثل القفزة الزمنية ليوسف من بداية التسعينيات الى نهاية العقد الاول من الألفية الجديدة، وإن كنت أرى كمتلقٍ أن هذه الفترة ستكون عندي المعادل الموضوعي للأحداث التي حدثت في الشق الخليجي من الرواية، فلم يهمني كقارئ سرد فصول عن نشأة يوسف وأحوال أسرته وما شابه، بقدر ما كان يهمني ما حدث له في دهاليز الصحافة المصرية لخلق مقابل موضوعي لدي. يوسف عبدالعزيز .. تخلي الكاتب عن أنسنته كبطل للرواية، وجعله كائناً صحفياً في رحلة بدأها من جدران مدرسته وجامعته حتى انتهت في أكبر المجلات الثقافية العربية، رحلة كشف فيها السارد عورات هذا العالم السحري والذي يبدو وكأنه عالم مثالي، إلا أنه في الحقيقة عالم مثل أغلب عوالم حياتنا ملئ بعورات إنسانية وعورات سلطوية تتحكم بخيوط محكمة في إدارة المشهد بصورة شبه كاملة عن طريق امتلاكها عنصري المال والسطوة القاهرة. العلاقات النسائية في حياة يوسف عبدالعزيز تشكل الجانب الإنساني في الشخصية، شخصية سمتها عشق الملكات، منهن من تربت على يديه (منى فارس) والأخرى جاءته في جلالها الملكي (الجوهرة إبراهيم)، وأن كانت الشخصية لا تخلو من بعض النزق في العلاقة العابرة بشاشي الهندية، وكأنه جمع بين طرفي النساء، الملكات والجواري. اللغه قد تبدو سهلة، لكن كما قلت سلفا هي العنصر الأهم في الرواية، فاللغة هنا جزء من العمل وليست وسيلة لنقل الحدث الدرامي للمتلقي. فاللغة تجمع بين السرد الوصفي في بعض أجزاء الرواية والمقال الصحفي والتقريرية في توالي الأحداث حتى تذهب إلى الشاعرية الناعمة الممثلة في بعض القصائد في المقاطع الرومانسية التي تمت فيها أنسنة الشخصيات. الكاتب، شاعر مرموق كان يمكن له أن يسرد روايته بلغة عميقة مزينة بالصور والمعاني التي استعملها من قبل في دواوينه الشعرية المتتابعة، إلا أن الرواية خلقت لغتها معها، لغة صحفية رصينة. جريدة الدستور الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 09-06-2017 11:34 مساء
الزوار: 971 التعليقات: 0
|