|
عرار:
د. محمد عبدالله القواسمة * يلاحظ غالبًا في الحياة الأدبية والثقافية والاجتماعية لأي مجتمع من المجتمعات البشرية وجود فئة من المبدعين والأدباء الذين يتناولون مشاكل الناس وهمومهم، ويعبرون عن طموحاتهم وآمالهم بطريقة خفية، تجمع بين الاشمئزاز والغضب حيناً، والفكاهة والمرح في أحيان كثيرة، يتوسلون إلى ذلك بأساليب غرائبية وعجائبية وأفانين ذكية ولماحة؛ كي يؤثروا تأثيرًا واسعًا في الطبقات الاجتماعية وبخاصة الطبقة الشعبية. في الأردن حظيت الحياة الأدبية والثقافية بوجود ثالوث ساخر يتكون من الأدباء: أحمد الزعبي، وكامل نصيرات، ويوسف غيشان. وهؤلاء ما زالوا يكتبون في الصحف اليومية، فقد بدأت حياتهم الأدبية بالكتابة الصحفية، ثم أنتجوا أدباً ساخر القالب لكنه جاد في أعماقه، يتمثل في مسرحيات، ومقالات أدبية وصحفية جُمعت بعضها في كتب، ودعموا أدبهم بأفلام، ومسلسلات تلفزيونية، وحلقات ومشاهد درامية أطلقوها عبر القنوات الفضائية وشبكات التواصل الاجتماعي. فأحمد الزعبي ما زال يكتب زاويته اليومية «سواليف» في جريدة «الرأي»، ومن كتبه: «سواليف»، و»الممعوط»، و»أوجاع وطن»، و»نزف منفرد»، كما أعد مسلسل» هيك ومش هيك»، وبرنامجين: « صنع في الصين»، و»من.. سف بلدي» وهو صاحب مسرحية «الآن فهمتكم» التي قام بدور البطولة فيها الفنان الإنساني القدير موسى حجازين. أما الكاتب كامل نصيرات فهو كاتب مقال يومي في صحيفة «الدستور»، كما يقدم حلقات ساخرة في برنامجه «تنفيس»، ومن كتبه: «تنفيس»، و»نكشة راس ع الأصلي». أما الكاتب يوسف نيشان فصاحب مقال يومي في جريدة «الدستور» ومن كتبه:» لماذا تركت الحمار وحيدًا» ومواسم التجلد على الجمد»، و»أطلق قمرنا يا حوت». ولا بد من الذكر أن هذا الثالوث الساخر يعد امتداداً طبعيًّا للأديب الراحل محمد طمليه (1957--2008) الذي بدأ رحلة الكتابة قاصًا، كما في مجموعاته: « جولة العرق»، و» الخيبة» و» المتحمسون الأوغاد» وغيرها. ثم تحول إلى كتابة المقالات الساخرة في ثمانينات القرن الماضي عبر زاويته «شاهد عيان» التي تنقلت معه في الصحف حتى انتهت إلى صحيفة «العرب اليوم»، وقد ظهرت مقالاته بعد رحيله في كتاب بعنوان زاويته نفسها» شاهد عيان» صدر عام 2013. لا شك أن هذا الثالوث الساخر يقوم بجهد واضح في الإشارة إلى البقع المظلمة في المجتمع، وتخفيف التوتر النفسي ومشاعر القلق والإحباط التي يعاني منها كثيرون، وربما يعود إلى هذا الثالوث الفضل في إزالة التجعدات العابسة في وجوه كثير من أفراد هذا الشعب الذي يرزح تحت أعباء اقتصادية كثيرة، وهموم إنسانية وسط محيط عربي، لا تسر أحواله صديقاً ولا عدواً؛ ففي سوريا مذابح، وفي العراق دمار وخراب، وفي اليمن موت وجوع، وفي ليبيا فوضى عارمة. لقد نجح هذا الثالوث في الكلام على هذا الواقع المؤلم باستخدامهم مفردات من المحكية الأردنية، والمفارقات الذكية والمبالغات الهادفة، وتوظيف التراث الشعبي العربي والمحلي. كما جاء أدبهم بعيدًا عن التجريح والتهكم. يلامس مشاكل الناس بحس فكاهي وإنساني شفيف، يكون حادًا أحيانًا فيتعرضون إلى مساءلات ومحاكم وسجون. يضاف إلى أسباب نجاحهم أن الناس يتقبلون هذا النوع من الكتابة؛ لأنه الوسيلة الناجحة لإزالة التوتر ومشاعر الكبت، والأداة المناسبة لإنشاء آليات الدفاع عن النفس والمناعة من صدمات الحياة، كما يؤكد علماء النفس. إن ما يقدمه هذا الثالوث من أدب وأعمال ساخرة، وكذلك ما يقدمه أمثالهم من الأدباء والفنانين الآخرين ضروري لاستقرار المجتمع، وضمان توازنه النفسي ودفعه إلى معترك الحياة بأمل وتفاؤل. فلا نستطيع تصور الأردن دونما وجود مجمع ساخر من الكتاب والفنانين، وفي مقدمتهم هذا الثالوث الساخر الجاد الذي ينبهنا إلى عيوبنا، ويجعلنا في مرح وضحك حينًا وحزن وألم في أحيان كثيرة. متمثلين قول الشاعر: لا تحسبوا رقصي بينكم طربًا/ فالطير يرقص مذبوحًا من الألم. المصدر : جريدة الدستور الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 21-04-2017 09:43 مساء
الزوار: 1010 التعليقات: 0
|