|
عرار:
تم مؤخرا في دولة الإمارات العربية المتحدة الإعلان عن الفائزين في الدورة السادسة في مسابقة «جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الفوتوغرافي والتي حملت ثيمة «التحدي»، ضمن احتفالية أطلق عليها «سيمفونية التصوير» كونها أقيمت في دار أوبرا دبي، وقد وزعت جوائز عدة؛ كان من ضمنها الجائزة الكبرى والتي بلغت قيمتها الـ 120 ألف دولار أميركي، وقد فاز بها الإيراني الأمريكي آراش ياغميان عن صورته «سندريلا مكب النفايات»، وهو الاسم الأصلي للصورة والذي لسبب أو لآخر أصبح في الاحتفالية «راقصة الباليه في مكب النفايات». يمكن القول بأن صورة ياغميان « سندريلا مكب النفايات» قد تضمنت جماليات فوتوغرافية و مفردات بصرية تتوافق وثيمة الدورة السادسة للجائزة والتي كانت تحت عنوان «التحدي»، حيث كانت الصورة لفتاة من مدينة «غواهاتي» الهندية، ترتدي ملابسا غربية جميلة ولكنها متسخة، التنورة القصيرة الواسعة والمقلمة، و يعلوها عند منطقة الصدر جزء مطعما بالخرز البراق البنفسجي، وفي رسغها الأيمن إسوارة بيضاء، وترتدي حذاء أسودا وجوربين طويلين؛ فيما تحمل الفتاة كيسا بلاستيكيا على ظهرها بشكل منساب ومثالي مع حركة جسدها؛ حيث كانت تسير بخفة إيقاعية؛ باحثة في مكب النفايات عن ما يمكن لها بيعه، وتستخدم أداة كالعصى المعدنية لإلتقاط ما تنتقيه من القمامة، وقد ظهرت في خلفية الصورة أكوام النفايات وعدة أبقار تخوض في القمامة بحثا عن ما يمكن لها أكله. تحمل الصورة حتما ثيمة «التحدي»، تحدي العيش، ومقارعة القلق اليومي لإحضار ما يمكن أن يسد الرمق للفرد أو للعائلة، ومزاحمة حتى الأبقار التي تعيش طليقة في كل مكان، فلقد كانت الصورة ملامسة للجانب الإنساني في مفهوم «التحدي» وكل ما يتخلل تحديات الحياة والبقاء من صعوبات وعقبات لتأمين يوما أفضل من الذي سبق. للصورة، وبسبب إزدحامها بالمكونات البصرية، نقاط جذب متعددة، تتراوح ما بين الفتاة التي كانت بمثابة نقطة الجذب المركزية للصورة، وهو ما يعرف بـ « البونكتوم» كما أسماها رولان بارت، وما بين نقاط جذب أخرى في الخلفية كالأبقار السارحة في المكان وتلال القمامة التي تملأ كادر الصورة. في الصورة زخم لوني و تكويني كثيفين، وثمة تشابه من حيث البناء البصري وتدرجات اللون الواحد. فالصورة مزدحمة الكادر؛ ما أدى للدمج بين نقاط الجذب فيها؛ وكذلك نتيجة للتشابه اللوني والبصري لعناصر الصورة. في الوهلة الأولى، تخضع العين للتشتيت، وذلك لضآلة نسب التفاوت بين المكونات البصرية، إلا أن الصورة حملت في محتواها نقطة جذب مركزية؛ كانت أقوى وأكثر تأثيرا وجذبا من النقاط الأخرى، ألا وهي الفتاة، والتي شكلت بملابسها وحركة جسدها حالة من التناقض الدرامي والمعرفي؛ ما بين رتابة طبيعة المكان وتفاصيل الحياة فيه، وبين الإيقاع الصاخب لحضور الفتاة الطاغي على الصورة! عند قراءة الصورة من خلال المنهجية «الظاهراتية/ الفينومينولوجيا»؛ وتتبع الحدس الأول واليقين الذاتي في الرؤية الواعية للظاهر في الصورة، نجد بأنه ثمة فجوة جدلية ما بين فكرة الصورة وواقعها، وثمة إضطراب في العلائق الإدراكية ما بين العناصر التي شكلت مركزية بصرية فيها، وبين تلك التي شكلت رافعة للقيمة البصرية في الصورة! وهو ما يمكن أن يؤدي لعدة أسئلة وتأملات قد تميل بإتجاه التأملية الـ «ديكارتية» في قراءة الظاهر فيها، من أهمها: ماذا لو كانت الفتاة ترتدي ملابس مختلفة عن تلك التي ترتديها في الصورة؟ ماذا لو أنها كانت ترتدي «الساري» الهندي التقليدي! أو لماذا لم تكن ترتدي «الساري» الهندي دونا عن عشرات الفتيات في عمرها اللواتي كن يرتدين «الساري» في ذات اليوم وفي صور أخرى لأراش من ذات المشروع؟ وماذا لو كانت حركة جسدها مختلفة، كأن تكون منكبة ومنحنية وتلتقط بعض القمامة؟ ماذا لو كانت تسير بشكل رتيب ومختلف، بلا إيقاع أو خفة؟ هل يمكن لهذي العناصر أن تغير من ماهية الصورة وقيمتها الفوتوغرافية في حال غيابها؟ وهل هي عناصر أصيلة في الصورة؟ يقول الفيلسوف المثالي الألماني ومؤسس المدرسة الظاهراتية إدموند هوسرل في محاضرته الافتتاحية في العام 1917 في جامعة فرايبورغ الألمانية، والتي كانت بعنوان «الظاهراتية الخالصة: منهجيتها وحقلها الإستقصائي»: «لكل شيء منظومة حقائق مثالية محددة تعبر عن هذا الشيء، ومن ناحية أخرى، إن أي منظومة مثالية من عمليات الإدراك المحتملة يمكن من خلالها تطبيق الشيئ وحقائقه على أي موضوع إدراكي». وهي المحاضرة الافتتاحية التي كانت بمثابة ما خلص إليه هوسرل بعد سنوات من كتابه « أفكار:مقدمة عامة لفلسفة ظاهراتية خالصة» الصادر في العام 1913، وصولا لمحصلاته الفلسفية النقدية في كتابه « أزمة العلوم الأوروبية والظاهراتية المتعالية» في العام 1936، وهو الكتاب الذي شكل ركيزة أساسية في إعادة قراءة العديد من الحقول الفلسفية والأدبية والفنية بشكل مختلف في أوروبا والعالم، و ذلك من خلال منهجيته الإستقصائية التأملية؛ بما في ذلك تضمين المنهجية «الديكارتية» التأملية للمواضيع وللنقد المعرفي لجوهر إدراكنا لماهية الأشياء! قد تقود هذه المنهجية في قراءة الصورة إلى التساؤل حول أصالة هذه العناصر، وهي العناصر التي شكلت جزءا كبيرا من نجاح الصورة؛ ملابس الفتاة التي لا تمت لبيئتها الثقافية بصلة، وكذلك حركة جسدها التي لا تقترب من طبيعة العمل الذي تقوم به، حيث أنه يوجد ما هو في عمق الصورة يتناقض مع الحالة في عموميتها، وهو ما يمكن أن يُدخل الشك في احتمالية أن تكون هذه العناصر معدة « ستيجد « ومقحمة في معطيات الصورة كونها غريبة عن واقع الصورة وواقع ما تقوم به الفتاة! ومع ذلك، يمكن أن يتم إستخدام المنهجية الإستنقصائية في الظاهراتية للبحث عن أرضية منطقية لوجود مثل هذه العناصر - إن وجدت - في الصورة وبالتالي القبول بها كعناصر أصيلة وغير مقحمة؛ أي بوصفها إنعكاس للواقع في صورة «سندريلا مكب النفايات» للفوتوغرافي الإيراني الأمريكي « أراش ياغميان! الحاجة لهذه المنهجية الإستقصائية ملحة في هذا النوع من القراءات الفنية؛ حيث أن اليقين الذاتي والحدسية الأولى قد لا يؤديان أحيانا لمعرفة راسخة بالحقائق؛ وذلك لارتباطهما الوثيق بالوعي السيكولوجي وليس بالوعي المعرفي؛ والذي يكون بعيدا عن الموضوعية والإنصاف في الكثير من القراءات المصد : اجريدة الددستور الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 21-04-2017 09:20 مساء
الزوار: 519 التعليقات: 0
|