|
عرار: بقلم د. رشا غانم : مكثت فترة طويلة أشعر بالحنين إلى زيارة بستاني المفضل ،وفجأة قررت الذهاب إليه ؛لأنعم بيوم جميل وحولي الأزهار اليانعة التي يتراءى لي حسنها وشدة بريقها ،وأنا أتلمس عبيرهن لمست زهرة حمراء متوهجة ، وجدتني وقفت أتأمل جمالها ،ولي رغبة شديدة أن أسمع حكايتها،وعرفت أن انبهاري بها من أول وهلة ينم عن إعجابها بذاتها وإحساسها بمكانتها العالية ولم لا وهي تحمل اسم أميرة من أميرات الأندلس التي اشتهرت بأنها ملهمة ابن زيدون فعرفت أنها الشاعرة الرقيقة ولادة بنت المستكفي ت: 480هـ، فهي أميرة أندلسية،أديبة وصاحبة مجلس أدبي. وهي بنت الخليفة المستكفي بالله، اشتهرت بثقافتها واتصالها بذوي الأدب، ومعظم ما يذكره المؤرخون عنها يتصل بمجلسها الأدبي الذي كان يحضره الكثيرون من أهل الأدب ووجهاء القوم بقرطبة يجتمع فيه أشهر المثقفين والشعراء والأدباء؛ ليتحدثوا في شؤون الشعر والأدب بعد زوال الخلافة الأموية في الأندلس. وكان ابن زيدون من أولئك الأدباء الذين ارتادوا مجالسها الأدبية وكان آنذاك في مَيْعة الشباب ورونقه. ارتبطت سيرة ولادة بالشاعر الأندلسي ابن زيدون، في قصة من أشهر قصص الحب والمعاناة والهجر في الأدب العربي. وقد حكت أشعار ابن زيدون مأساته مع ولادة. ومن أشهر قصائده فيها نونيته التي مطلعها: أضحى التنائي بديلا من تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا إنّ قصّة حب ولادة وابن زيدون واحدة من أجمل قصص الحب في تاريخ الأندلس وفي تاريخ الأدب العربي بصفة عامة، ولولا هذا الحب ما وصل إلينا هذا الشعر الجميل لابن زيدون. ولادة مبدأ حياة ابن زيدون، هام بِها، وقال فيها قصائده الجميلة وأعذب أشعاره وأرقها التي تعبر عن حبه لها. وكانت ولادة ليست كأي واحدة من النساء فكانت تتمتع بالجمال، وبالإضافة لجمالها كانت تتمتع بثقافة عالية. فنجد أن أحسن وضع للمرأة عند العرب في العصور الوسطى كانت تحظى به المرأة العربية في الأندلس، حيث تمتعت المرأة بمكانة عالية في المجتمع. فكانت انطلاقتها في المجتمع الأندلسي أوسع مما كانت عليه في البلدان العربية والإسلامية الأخرى. وإننا نلاحظ من خلال المصادر الأدبية والتاريخية المتعلقة بالأندلس أنّ المرأة في الأندلس احتلت مكانة عظيمة في المجتمع. ولقد قدّر الرجل الأندلسي المرأة الأندلسية، وبالغ في تبجيلها. ومن القصائد والمقطوعات التي قالها الأندلسيون في المرأة تظهر هذه المكانة العظيمة في قلوبِهم. ولقد تميزت المرأة العربية في الأندلس بحكم طبيعة المجتمع بنشاطها الذي ساعد فيه براعتها في شتى النواحي العامة في الحياة ، ولو تأملنا واقعهن في الحياة للمسنا العناية الواضحة التي كان يوليها المجتمع للمرأة من حيث توفير فرصة التعليم لها، فضلا عن الرعاية التي خصصها الأمراء والخلفاء لهن، وتشجيعهن من خلال إغداق الأموال عليهن، وتحفيز العلماء لتعليمهن ، فكانت المرأة الأندلسية أكثر قدرة على الحركة تتعلم وتتفقه في الدين وتدرس الأدب وتنظم الشعر وتشارك في الحياة العامة ،وتبوأت مكانة في مجالات الحياة المختلفة وتمتعت بحرية واسعة فأصبح لها شخصيتها المستقلة. ولا بد لمن يتحدث عن الحبّ في الأدب الأندلسي من التوقف عند الشاعر العظيم ابن زيدون وحبّه للأميرة ولادة بنت المستكفي بالله، آخر الخلفاء الأمويين في القرن الحادي عشر الميلادي. في حدائق مدينة قرطبة الأندلسية بدأ اللقاء الأول بين ابن زيدون وولادة. وفي أجواء مشبعة بالأريج والشذى، تتألب قوى الحسد، والحقد على القلبين النشيدين، حيث نافس الوزيرُ ابنُ عبدوس ابنَ زيدون على قلب ولادة، فهجاه ابن زيدون برسالة ساخرة عرفت في تاريخ الرسائل الأدبية باسمالرسالة الهزلية. وتتعاون الاضطرابات السياسية، التي كانت سائدة في ذلك العصر، وما نتج عنها من مؤامرات ووسائل لم ينج منها أي شيء حتى الحب الصادق وينجح ابن عبدوس وأعوانه في تدبير مؤامرة ضد ابن زيدون ؛ لإبعاده عن طريق ولادة. وبعد مدة قُدِم إلى المحاكمة وحُكم عليه بالسجن. ومن سجنه راح ابن زيدون يئن ويتعذّب، ويكتب الكثير من القصائد الخالدة عن حبه . وينسب إليها من الشعر ـ في معاتبة ابن زيدون حين أبدى إعجابًا بصوت غنته جاريتها ـ قولها لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا لم تهو جاريتي ولم تتخيّر وتركت غصناً مثمراً بجماله وصخت للغصن الذي لم يثمر ولقد علمت بأني بدر السما لكن ولعت لشقوتي بالمشتري وتقول أيضا: إنّ اِبن زيدون على فضلهِ يغتابني ظلماً ولا ذنب لي يلحظُني شزراً إذا جئته كأنّني جئت لأخصي علي ثم ترجع تجتاحها الأشواق فتقول شعرًا ينم عن حبها وشوقها لابن زيدون: لحاظكم تجرحنا في الحشا ولحظنا يجرحكم في الخدود جرح بجرح فاجعلوا ذا بذا فما الذي أوجب جرح الصدود وتقول بحنين مفرط إلى لياليها السالفة مع ابن زيدون: ودّع الصبرَ محبّ ودّعك ذائع مِن سرّه ما اِستودَعك يقرع السن على أن لم يكن زاد في تلك الخطى إذ شيّعك يا أخا البدر سناء وسنى حفظ الله زمانا أطلعك إن يطل بعدك ليلي فلكم بت أشكو قصر الليل معك وتقول عن الفراق ولوعة المشتاق: أَلا هَل لنا من بعد هذا التفرّق سبيلٌ فيشكو كلّ صبّ بما لقي وَقد كنت أوقات التزاورِ في الشتا أبيتُ على جمرٍ من الشوق محرقِ فَكيفَ وقد أمسيت في حال قطعة لَقد عجّل المقدور ما كنت أتّقي تمرُّ الليالي لا أرى البين ينقضي وَلا الصبر من رقّ التشوّق معتقي سَقى اللَه أرضاً قد غدت لك منزلاً بكلّ سكوب هاطل الوبل مغدقِ وعن نظرة المستشرقين ترى د.غارولو عند حديثها عن ارتباط ولادة في شهرتها بابن زيدون ،وما حظيت به بسبب شعره من مكانة "أن قليل من الشاعرات العربيات من أولئك اللاتي يذكر شعرهنّ في مصادر العصور الوسطى،وهن كثيرات حظين بما تحظى به ولادة من شهرة، ولم تنل واحدة منهن من الاهتمام ما نالته الشاعرة الأندلسية ،والأميرة القرطبية،التي كانت مصدر إلهام لأفضل شعر كتب في العشق في الأندلس،وما نرى من قصائد ابن زيدون التي خلدتها بالرغم أنها كانت سببا في تعاسته،وألمه. وترى أيضا"أن شهرة ولادة عبرت حدود الثقافة العربية؛لأن المرأة العربية عادة تتسم بالشح في إعطاء بيانات عنها ، وذكر معلومات عن حياتها،لأن ذلك لا يتفق مع حرمة المرأة ،وقدسية أسرارها،أما ولادة فقد عبرت حدود الثقافة العربية، ويدل على ذلك حضورها في المختارات الشعرية الخاصة بإبداع النساء،وقد تحولت في الغرب إلى نموذج للنساء تظهر من خلاله حياة بنات حواء في الأندلس. وقد عاشت ولادة حتى بلغت الثمانين من العمر وتوفيت في قرطبة. فما أجمل الحب الذي يجعل الإنسان نبضًا يشعر ويحس ويتألم ويضحك ويبكي ،فتكون للحياة معنى،فهيا نحيا بالحب ونلقنه دروسًا للأجيال القادمة ونزود عنهم البغضاء والكراهية،فالحب حياة الشعوب ،وميسم شفائها. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الإثنين 14-07-2014 12:00 صباحا
الزوار: 14326 التعليقات: 1
|