|
عرار: حاوره - إبراهيم السواعير - لا يخشى الشاعر الإماراتي خالد الظنحاني على سجيّة الإماراتي الشاعر أن تطغى عليها الحداثة والألفاظ الوافدة في تطعيم القصيدة، منادياً بالشاعر الخلاّق، مستلهماً ( الجبل) بغموضه وأنفته. يشتغل الظنحاني على أمسيات يقيمها في فرنسا وهولندا والهند، استكمالاً لمشروعه الثقافي الذي يتبناه ويهدف به إلى نشر الثقافة الإماراتية والعربية حول العالم. تالياً حوار مع الظنحاني، الذي يستثمر سياسة (التمكين) التي أطلقها رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في العام 2005 وشملت جميع مجالات الحياة؛ ومنها الثقافة: تنشأون يا شعراء الإمارات على الصورة والبحر والسماء!.. هل بقي لديكم من ينظم الشعر؟!.. بمعنى يفرغه من مضمونه وصُورِهِ أو ذهنيته؛ فيكتب البيان الخطابي أو يوثق بها التاريخ أو الأعلام أو الشخصيات؟!.. خذ لنا الفجيرة أنموذجاً في ذلك؟! في دنيا الشعر هنالك المبدعون الخلاقون وهناك من ينظم الشعر، ولا يخلو أي زمن من هذين النموذجين، إذ حتى المبدع المفطور على التخليق الشعري، لابد له وأن يعود قليلا إلى النظم ويكتب في التاريخ والأعلام والشخصيات المؤثرة، ولكن بقالب بديع فيه الكثير من الشعر أو الشاعرية إن شئت. في الإمارات وكما في إمارة الفجيرة يكثر الشعراء؛ ذلك أن الإنسان العربي عموماً شاعر بالفطرة، ودائما ما يرنو إلى العاطفة العامرة بحب الله والوطن والإنسان. لقد اطلعت على تجارب شعرية عديدة في إمارة الفجيرة ووجدت شعراء وثّقوا الكثير من الأحداث والمناسبات وأفعال الرجال في أشعارهم، وقد لمست من خلال هذه الأشعار الصدق والإخلاص والأمانة في مشاعرهم تجاه الأحداث والرموز الوطنية والاجتماعية التي تناولوها في إبداعاتهم. وهنا أذكر على سبيل المثال: الشاعر «راشد بن عبدالله» رحمه الله، الذي كان معروفا عند الناس بغزارة أشعاره ونقاوتها. فضلا عن غيره من شعراء الفجيرة المؤثرين. ألا تخشى على سجيّة الإماراتي الشاعر أن تطغى عليها الحداثة والألفاظ الوافدة في تطعيم القصيدة؟!.. خذ لنا من نفسك أنموذجاً؛ فأنت لا تجد في ذلك حرجاً، ولا تتهيب اللفظ الأجنبيّ موضوعاً أو مفردةً تخدم الموضوع؟! ليس من المعقول أن يعيش الشاعر الذي يكتب القصيدة النبطية، في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة، وهو لا يزال يكتب قصيدته برؤية قديمة عمرها مئات السنوات .. ولكن على الشاعر يا صديقي أياً كان أن يعيش لحظته الزمنية، ويجيب عن أسئلتها، ويجدد أدواته التي يعتمد عليها في القصيدة، بما في ذلك الأسلوب والصور والمفردات . فأنا لي موقف شخصي من الكتابات التقليدية، ودائماً ما أحضّ الشباب من حولي على الابتعاد عن التقليد، مع أنني أحرص على هوية الإبداع، التي يجب عدم التخلي عنها، ومن هنا فإنه لا بد من التركيز على مفردات البيئة الإماراتية، بل من الضروري أن تنبع القصيدة من هذه الروح . وهذا ما أركّز عليه ما استطعت، لأننا بحاجة إلى أن تكون لنا خصوصيتنا، ضمن ثنائية أطرحها على نفسي وهي: «إنني شاعر إماراتي وكوني في آن واحد» . وأنا أكتب بلغة وسطى، أو بلغة ثالثة، أحرص على أن تكون مفهومة من قبل المتلقي العربي أينما كان.. وأوظف أيضاً بعض المفردات الأجنبية التي تخدم معنى النص، وهذه هي خصوصية تجربة خالد الظنحاني الشعرية. قرأتُ لك ما يشعرني بالحنين إلى المكان أو استذكاره غير المعهود عند الشعراء؛ ففي حين يذوب الشعراء حنيناً إلى بلادهم وجبالهم وبحارهم وناسهم وبواديهم؛ كانت روحك تكاد تخرج من بين ضلوعك وأنت تعود إلى (الهلتون)، الفندق، بكل ما فيه من أحاسيس دافئة!.. هل هو التجديد يفرض نفسه، أم...؟! نعم هو التجديد يا صديقي، فنحن جيل شعري نشأنا و»الهيلتون» في عقر دارنا، وهو أقدم فندق عصري في إمارة الفجيرة، فكيف لا يعيش بين ثنايا وجداننا. كما أننا شعراء اليوم بخاصة الشباب الجديد المولع بالتجديد؛ نشكل تياراً يُعنى برؤية تجديدية في الشعر النبطي، وذلك نتيجة تبلور رؤية خاصة في هذا المجال. فممثلو هذا التيار خرجوا جميعاً من عباءة الشعر التقليدي، وخرجوا عليها من داخل مثل هذه الرؤية . كأنك تبني حالةً من الفرح على ركامٍ حزين!.. أنا أفعل ذلك؛ إذ لا أتصور الفرح إلا مرحلةً متأخرة، قد لا تجيء!.. ألمح في قصائدك قيوداً ومسافاتٍ وأحزاناً مضمرة! الحزن شقيق الفرح، ونحن لن نشعر بالفرح من دون أن نحزن، لكنه الحزن الأثير الذي يرسم نصاً منتشياً بالفرح والحبور.. فكل إنسان له أحزان قابعة في أعماق وجدانه، تنتظر من يوقظها، فلا تلبث وأن يخرجها دلو الشعر ماءً عذباً فرات. فمن رحم المعاناة يولد الإبداع، وهو قول أثير ظلّ الشعراء منذ الخلق الأول يرددونه إلى يومنا هذا، مخلصين له، خصوصاً وأن الألم والحزن هما الأجدر بالبقاء في عمق الذاكرة الوجدانية للإنسان. يفرح شعراء أرادنة عندنا لثنائياتٍ حلوة تشتغلون عليها يا شعراء الإمارات!.. ففي حين يلجأ راشد شرار إلى (الشباك والعصفور)، كنتَ تحترف ثنائيّة (النحلة والورد)!.. هل لذلك من ميّزة؟! بالنسبة لي فأنا صاحب تجارب ومغامرات حياتية كثيرة، وهو الأمر الذي انعكس بشكل أو بآخر على كتاباتي الشعرية، ففي مرحلة الطفولة الجميلة التي قضيتها بين مفردات الطبيعة الخلابة في مدينة دبا الفجيرة، كنت مع مجموعة أصدقاء من محبي المغامرات، نخرج في رحلات استكشافية ممتعة إلى الجبال والسهول والبحر، إذ كنا نقوم بسبر أغوار الجبال بهدف البحث عن كنز ثمين، فلا نجد إلا خلايا النحل المنتشرة في كهوف الجبال، فنقوم باستجداء النحل كي نظفر بقليل من العسل، لكن النحل لا يدعنا نفلت من لسعاته المؤلمة على وجوهنا أو أيدينا، ومن ثم نعود إلى أهلينا متورمي الوجوه والأيادي، لكننا على الرغم من ذلك، نجد المتعة والجمال اللذين نبحث عنهما. يبقى شعراء البادية معيناً لا ينضب في مدّ جداول القصيدة عندنا وفي بلادكم بالمفردة الموحية والصحراء ذات الرمل الذي لا تستقرّ معه أحلام الشاعر!.. هل ما يزال هؤلاء على عافيتهم في الشعر، أم تراهم متأثرين بزحمة المدينة وسرعة القصيدة ومتطلبات القصيدة المغناة؟!... خذ من الفجيرة أنموذجاً في ذلك! لكل زمان إبداع وشعراء، ولكل مقام مقال.. الشعراء المولعون بالصحراء والطبيعة بقوا على حالهم وما زالوا في عافيتهم، وهناك أيضا شعراء المدينة الذين ابتعدوا عن أجواء البر والرمل والصحراء واعتنقوا حياة المدن والعصرنة بكل ما فيها وما عليها. وهم (الشعراء) في الحالتين يكتبون ويبدعون وينهلون من معين ما هم عليه من ثقافة وتفكير ورؤية.. لا ينضب. شيشان روسيا يفخرون في نشيدهم الوطني بالجبال ونسور الجبال؛ وأنت في الفجيرة بين شاهقاتٍ من الجبال؛ هل ممانعتك في القصيدة هي بسببٍ من هذه الجبال التي نشأتَ فوجدتها تأبى أن تنحني، ولك في نوازل الوظيفة وأنواء النفس ما يغرينا بهذا السؤال! إن زيارتي لحدائق الجبال كما يحلو لي تسميتها شبه يومية، ذلك أن الجبال قريبة جداً من منازلنا، والجبل معروف بصموده وشموخه وإبائه، وليت بعض البشر يتعلمون منه، فقد كان الجبل بغموضه يشكل لنا علامة استفهام نسعى بجد واهتمام لمعرفة الإجابة عنها.. لذا فقد اتسمت القصيدة لدي بالشموخ النبيل والمنعة الراقية، وهو ما جعل بعض المثقفين إلى أن يطلقوا عليها لقب «القصيدة الجبلية». لن أسألك عما قلته أو تقوله أو لن تقوله في (الربيع العربي)؛ فذلك سؤالٌ أضحى قديماً،.. ولك الخيار! في البدء كان الربيع جميلاً يعبق برائحة الياسمين، إلا أنه ما لبث وأن تحول إلى خريف البطريرك مع الاعتذار إلى غابرييل غارسيا ماركيز ، ولا أعلم متى سينتهي هذا الخريف؟ ضعنا بمستجداتٍ ثقافية وفنيّة مهرجانية تشرف عليها أو تخطط لها،.. وهو سؤالٌ يمكن أن يبثّه الإعلام،.. فلا بأس من مرورنا نحن الشعراء عليه! في جعبتي أمسيات شعرية عديدة، سأقيمها في فرنسا وهولندا والهند، استكمالاً لمشروعي الثقافي الذي أتبناه ويهدف إلى نشر الثقافة الإماراتية والعربية حول العالم. كما أنني بصدد إطلاق مشروع ثقافي وإعلامي إلكتروني سيرى النور في قادم الأيام بإذن الله. يكثر خالد الظنحاني كاتبَ مقالةٍ من الحديث عن مزايا الاتحاد في دولة الإمارات العربية؛ هل أثر الاتحاد في الثقافة والتراث بين إمارات الدولة؛ وفي التكامل الثقافي بينها،.. من ناحية؛ وكيف صاغ الاتحاد الخطاب الثقافيّ الواحد المتكامل؟! مرحلة التمكين التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة « حفظه الله « في العام 2005 والتي شملت جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن المجال الثقافي موضوع حديثنا، فهي تجسد رؤية سموه لحاضر الدولة ومستقبلها. وترسّخ لمرحلة جديدة تحقق التنمية المستدامة والمتوازنة وتضمن حياة كريمة للمواطنين. حيث اتضحت معالم هذه الرؤية (التمكين الثقافي) من خلال الفعاليات الثقافية الكبرى التي تنظمها مختلف مؤسسات الدولة والتي تمحورت حول الإنسان. فالإنسان في الإمارات هو الغاية والهدف. فالحياة الثقافية في دولة الإمارات تطورت بشكل يدعو للفخر بمستقبل ثقافي مبهر، حيث تعددت مظاهر التطور الثقافي من خلال العديد من المهرجانات والملتقيات الفكرية والأدبية والثقافية التي تنظمها المؤسسات الحكومية والأهلية في مختلف مناطق الدولة والتي صبغت بيئة المجتمع الإماراتي بصبغة ثقافية مميزة. ومن أهم هذه الفعاليات على سبيل المثال: مهرجان أبوظبي السينمائي، وبرنامجي شاعر المليون وأمير الشعراء، بالإضافة إلى معرض أبوظبي للكتاب وجائزة الشيخ زايد للكتاب، فضلا عن المتاحف العالمية في جزيرة السعديات وغيرها الكثير، كل ذلك جعل من إمارة أبوظبي عاصمة للثقافة العالمية. أما في دبي فهناك مهرجان الشعر العالمي ومهرجان دبي السينمائي وغيرهما.. وفي عاصمة الثقافة العربية والإسلامية (الشارقة) والتي كرست مشروعها الثقافي في خدمة الثقافة المحلية والعربية والإسلامية.. مجموعة كبيرة من الأنشطة منها: معرض الشارقة للكتاب ومهرجان أيام الشارقة المسرحية وبينالي الشارقة وغيرها. وفي الفجيرة مقر الهيئة العالمية للمسرح وهناك مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما الذي استقطب عشاق المسرح من كل أنحاء العالم وغيرها العديد من الفعاليات الأخرى. وفي الإمارات الأخرى عجمان ورأس الخيمة وأم القيوين أيضا تزخر بمختلف الأنشطة الثقافية المثمرة. فهذا الثراء في الفعاليات والأنشطة الثقافية وتنوعها جعل من دولة الإمارات مهرجاناً ثقافياً زاخراً ومستمراً. وما الإشادات الدولية التي تقر وتؤكد بفاعلية الدولة والمراكز المتقدمة التي تبوأتها في مختلف المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية ، إقليمياً وعربياً ودولياً، إلا دليل على نجاح هذه السياسة الحكيمة التي أسهمت في رفعة الوطن وتقدمه، وجعلته في مصاف الدول المتقدمة. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الإثنين 18-02-2013 09:00 صباحا
الزوار: 1419 التعليقات: 0
|