|
عرار: عمان - إبراهيم السواعير - أثمرت زيارة وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال وزير الثقافة سميح المعايطة لسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة عن تبرّع السلطة بنصف مليون دينار لإقامة مركز ثقافي في المدينة، واستعدادها الإسهام بطباعة أعمال المثقفين والمبدعين في العقبة. وفي السياق أعلن وزير الثقافة في لقائه رئيس السلطة د.كامل محادين، عن إحياء الوزارة مهرجان العقبة للثقافة والفنون. وفي ذلك كلّه ما يبشّر بفعل ثقافي جاد في جنوب الأردن، قوامه مثقفو المدينة ومبدعوها في قراها وباديتها،..يرشّح العقبة لأن تكون مدينةً للثقافة الأردنية 2014، بعد أن كادت تكون. العقبة التي احتفلت عاصمةً للسياحة العربية عام 2011، كانت الجولة الأولى للمعايطة، قبل أن يتابع التحضيرات النهائية لافتتاح مركز ثقافي معان مطلع 2013. حول الاقتصاد وإدارة الفعل الثقافي ودور الإعلام وفرص مدن الثقافة الأردنية، والوزارة بين المرونة والإجراء ومسؤولية النخب المثقفة في مرحلة ما بعد الربيع.. كان لـ(الرأي) مع وزير الثقافة هذا الحوار: • في وقفات سابقة كانت شكوى من أنّ هذه المدينة- العقبة- لا يعمّر فيها الأدب أو الفن؛ انطلاقاً من انبهار (الناس) بالسياحة والاقتصاد. هل ترى المركز الثقافي المنشود هو العائق الوحيد أمام مدينة، بالرغم من كلّ ما فيها من مقومات المال، لم تستطع أن تكون مدينة ثقافة أردنية أسوةً بأخواتها من المدن؟! دعنا نعترف بدايةً بموضوعية أن تكون هذه المدينة ذات سمة اقتصادية؛ ونحن حين نصفها بالاقتصادية فلسنا نسعى لكي ننفي عنها هذه الصفة، بل لنوسّع فكرة العمل الثقافي الذي وصفته أنت بالضعيف أو غير الموجود أصلاً بسبب منافسة الاقتصاد والتجارة للفعل الثقافي. مع أنني أرى أن (توسيع الثقافة) أو تعميمها يمكن أن يكون باستثمار الحالة الاقتصادية النشطة التي تعيشها العقبة، في أن ندعم الثقافة هناك، في القصبة وجوارها من حاضرةً وبادية. أنا أرى أنّ المسألة ليست منافسة، حتى نخفّض من جانب لصالح آخر، ولكنها في أن يستفيد هذا القطاع من ذاك، أو يسير معه لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة. أما (الأولوية الثقافية) فأتفق معك في أنّ الفكر والثقافة إطار لكل شيء، ولا يمنع ذلك من أن تسير قطاعات المجتمع الأخرى باتجاهها الطبيعي أو المرسوم، وتسير معها أو تستفيد منها الثقافة أو تكون سنداً لهذه القطاعات، فتنطلق منها. هنا نحن إزاء فعل ثقافي يجب نشره وتعميمه وانتظار نتائجه، وهي نتائج بالتأكيد ستكون داعمة جداً لحالة الوعي الوطني الشامل الذي يُثري بالرأي المنطقي الصائب في بعد النظر وقراءة المشهد الراهن. حالة الوعي العامة هذه تلعب الثقافة والفكر فيها دوراً كبيراً في التجانس حول القضايا الكبرى التي نتأثر بها وتؤثر في غيرنا، ونعيشها يومياً. هذا يدعوني إلى أن أمتد إلى محيط العقبة في (وادي عربة)، وفي زيارة قريبة سنرى كيف نقنع صاحب القرار بجدوى الهيئة الثقافية أو الفعل الثقافي المتضمن في المهرجان والسامر البدوي وأي من تفاصيل هذه المساحة الثقافية التي تشكل تحدياً حقيقياً، ولكنه ليس مستحيلاً. المبشّر هو اقتناع المسؤول أو صاحب القرار بأن الثقافة ليست بالتأكيد ترفاً أو فعلاً نفعله بعد أن ننهي كلّ الأشياء أو نوفّيها، بل هي عقل جمعي يسير عليه الناس ويهتدون برؤاه وفلسفته وكشفه المستمر لكل جوانب الحياة. مهرجان العقبة • استنفد مشروع مدن الثقافة الأردنية أغلب مدننا، في شروط النشاط الثقافي والهيئات الفاعلة والقيمة التراثية وغيرها من الشروط. هل المركز الثقافي في العقبة استحقاق طبيعي لتكون مدينة ثقافة؟!.. وهل هذا التجسير الثقافي اليوم مع سلطة العقبة الخاصة قصّرت فيه مديريات الثقافة هناك؟! نضم صوتنا إلى صوتك في أن تكون العقبة مدينة ثقافة أردنية، فالمهرجان ووجود المكتبة والقطاع الخاص الداعم للثقافة ووجود قوة اقتصادية تمثلها، أمور تسهم إلى حد كبير في أن نحتفل جميعاً بها مدينة ثقافة أردنية، لكن ألا ترى معي أنّ الأهم من ذلك كلّه هو أن يحس مثقفو العقبة وكتابها بأنّ مدينتهم يمكن أن تحمل راية الثقافة الأردنية. الاستعداد والدافعية للمجتمع المدني من أقوى العوامل بل هو العامل الأساس في أن نحقق ما نحلم به ونرجوه. وأنا أعتقد أن في العقبة مثقفين وكتاباً ومبدعين يمكن أن يجتمعوا، فيحققوا مطالبهم الثقافية المشروعة. تنوّع العقبة في ساحلها وباديتها وقراها أمر يغذّي مطلب أن تكون مدينة ثقافة ويلبيه، وما علينا في هذا المجال سوى جهد ذكي في إدارة العمل الثقافي وربط قنواته وتعريف أهل المحافظة بميزة أن تشتعل ثقافةً، فنقف على إبداعات هؤلاء الشباب الذين ينتظرون الفرصة لكي يطبعوا وينافسوا ويلقوا أشعارهم. أنا معك في أنّ حركة التجارة والسياحة ربما تجعل من المبدع يبحث عن مدينة أخرى فيها من المؤسسات والمراكز الثقافية ما يجعله شديد الاتصال غير المنقطع بالثقافة، ولذلك ترى أن عمان- على سبيل المثال- مدينة الحراك الثقافي والكتابة الإبداعية وحمل الفكرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالفعل الإبداعي الثقافي، ولكن مدناً غير عمان اقتبست منها الفكرة وطبقتها في وجود المؤسسة الثقافية والمركز الثقافي وبلدية المحافظة المؤمنة بالفعل الثقافي، فكان أن ترسّخ أبناء هذه المحافظات كتاباً ومثقفين يؤثرون حتى في العمل السياسي أو الحزبي بمجموعة الأفكار الموضوعيّة ضمن رؤى البلد وما يتاح من حرية فيه. أعتقد أنّ العقبة مهيّئة لأن تكون مدينة ثقافة ناجحة، وأرجو ألا ننظر إلى حركة البيع والشراء والسياحة والاقتصاد والتجارة فقط؛ فالمدن لا تخلو حتى مع هذا الإشباع الاقتصادي أو التجاري أو طغيانه، من مثقفين ومبدعين يسعون إلى تطبيق التجرية والمباهاة بها، وانا أعرف من واقع الزيارة أنّ في العقبة فنانين وأدباء وكتاباً ومعهداً سينمائياً وقاعات وفرقاً فلكلورية وتراثاً علينا أن نضع المدى المؤسسي له ونوسّع من تقنينه؛ بحيث يتوجه الطالب والشاعر وأستاذ المدرسة وحتى السائح إلى المركز الثقافي المأمول، ويغريهم المهرجان. لدينا في المحافظات مديريات ثقافة فاعلة، تسعى إلى التجسير مع القطاع الخاص ومؤسسات الدولة ذات الشهوة في استيعاب الفعل الثقافي وتأطيره، ومن يدري، فربما يكون هذا الفعل احترافياً، لكنّ إدارة الفعل الثقافي أمر في غاية الأهمية، وهي إدارة لا تقف عند النقص في المورد المالي أو قاعة الأمسية أو شروط تأكيد الحضور الثقافي. نحن نقول إنّ هذا التراث الضارب في الجذور.. التراث المروي الشفاهي المعبّر هو كنز عظيم، وهذه الفرق التي تغني للبحر والصحراء وهؤلاء الفنانين التشكيليين والشعراء والمثقفين يمكن أن تزداد ثقتهم بأن لهم من يستمع إلى منتوجهم ويقدّره وينتزع من وقته الساعة والساعتين ليستمتع به ويسقطه على كلّ حياته. ما علينا الآن إلا أن نحترم هذه الرغبة الحقيقية التي لمستها في تباحثي مع رئيس سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة د.كامل محادين في كيفية النهوض بالشأن الثقافي وتنميته وجعله وعاءً ينطلق منه أبناؤنا نحو المستقبل وهم على درجة عالية من الثقة بالأردن قيادةً وشعباً وموروثاً وإرثاً تاريخياً، وذلك ما وجدته من استعداد السلطة التبرع بنصف مليون دينار بهدف إقامة مركز ثقافي في المدينة. ميزة وجود المركز الثقافي في مدينة اقتصادية كالعقبة هي في مأسسة الفعل الثقافي وتكامل الهيئات الثقافية من خلاله وتنسيقاتها داخله، لأن العمل المشتت في هذه القاعة أو تلك ربما يواجهه بعض الصعوبات وربما يثني ديمومة هذا الفعل ويجعله معتمداً على المناسبات الدورية، ربما، وهذا من شأنه أن يبقيه مرهوناً بحجز القاعات أو التسابق لحجزها، في حين أن المركز الثقافي بوجود مديرية ثقافة فاعلة وهيئات ثقافية واعية مؤمنة بالناتج الإبداعي قبل كل شيء، يجعل كلّ أمرٍ في التمويل والدعم ثانوياً أمام الإرادة الحقيقية في بناء وعي الإنسان وفتح آفاقه وعدم تركه فريسة للأفكار تروح به وتجيء، ذلك أنّ للثقافة فعلاً لا يقدّر ومخرجات تجيء مع الزمن وتصب في الإنسان الذي نقول عنه دائماً إنه هو غاية التنمية ووسيلتها معاً، أليس كذلك؟! الرؤية والإجراء • كيف ترى وزارة الثقافة في وسطٍ دائماً يطلب المثال؟!.. أعني الوزارة بين الرؤية والإجراء؟! دعني أقل إنّ أيّ وزارة إنما تحتاج إلى رؤية؛ ببساطةٍ لأنّ هذه الرؤية هي المنطلق الحقيقي لعملها، بحيث نمنع عنها أن تتخبّط أو يعتورها الاضطراب أو تقف في منتصف الطريق. هذه الرؤية تواكب وتقرأ وتفاضل، وقد تستنسخ مشاريع بمشاريع لاحقة؛ بمعنى أنها من المرونة بحيث تستوعب ما يستجد ولا تنكر موضوعيّة ما يطرأ؛ فنكون إزاء هيكلة جديدة أو دمج جديد أو إعادة قراءة تفرضها الأحداث. وهي رؤية مشفوعة بمجموعة المنطلقات الأساسية التي تظلل الهدف العام الذي أنشئت من أجله. وفي حالة وزارة الثقافة، فإنني أقول لك، وبكلّ صراحة، إنها خضعت لمواكبة طيبة ومماشاة موضوعيّة، غير أنّها ما تزال تحتاج رؤيةً أوسع، وأقصد بالرؤية الأوسع ألا يحكمنا الإجراء الإداري ونحن في الوزارة نتعامل مع مثقفين هم وعاؤها الحقيقي ومنهم تستمد قوتها وأسباب الوجود. مع المثقفين والكتاب والفنانين وكلّ هذا المزيج الفكري أنت مضطر إلى ألا تكون شديد الإجرائيّة؛ بمعنى أن تدرّب القرار الإداري على مرونة الاستيعاب والاستجابة، فهؤلاء ينتمون إلى وسط حسّاس، تنفع معه الرؤية لا الإجراء المباشر الذي لا يراعي فيهم أنهم ذهن الوطن والأمّة وضميرهما، بل هم درع الوطن الحقيقي الراسمون لهويّته، المعبرون عن حاله. لا أقول هذا من باب الحديث العام أو الاستهلاكي الذي يُقال في كلّ مكان؛ بل أعلم مقدار ما يطمح إليه المثقف والمفكّر والفنان والمبدع، وأدرك حقيقة ظرفهم المادي وهم يدفعون عن الوطن العاديات ويقرأون مستقبله ويستلهمون ماضيه، وأنا في هذا لا أجد للشفافيّة مع المثقفين بديلاً في مكاشفتهم بحقيقة الظرف والموقف الصعب الذي يعيشه الجوار. من هنا فإنّ استجابة المثقف لرؤية الوزارة هو في اعترافها بما يمثله وما يراكمه من فكر تستفيد منه في أعمالها اليومية؛ فتكون التشاركية وأخذ الخبرة ضمن هذا الإطار. نحن نعلم أن المثقف عموماً، أديباً كان، أم مفكراً أم فناناً، إنما يطمح إلى المثال في كلّ شيء، وقد يكون هذا المثال صعب التحقق، أو مرهوناً بالظرف السياسي أو الاقتصادي الذي يلقي بظلاله أويفرض وجوده، لكنّ شرح الحالة الراهنة لا ينفي المثقف أو ينكر عليه رؤيته. في وزارة الثقافة وجدتُ أنّ البرامج موجودة والمديريات داخل الوزارة وخارجها تشتغل والكتاب والمثقفين يتوافدون عليها، لكنني أرمي إلى تلك الرؤية التي تخفف من الإجراء، مع أنه ضروري لتُضبط الأمور ويحتكم الجميع إليه، لكنّ هذا الإجراء قابلٌ لأن يتغير أو حتى يلغى إن وجدنا في فترات لاحقة لإصداره أنه غير مهم أو أنه ربما يزيد العبء أو لم يعد هناك ما يبرر وجوده، لأنّ الظرف، كما تعلم، يتغير، وحتى الرؤية، فإنها تتطوّر وتمتد. الوزارة السيادية • يصف السياسيون وزارة الثقافة بأنها (وزارة غير سياديّة)!.. هل لذلك سببٌ في أن تكون (الثقافة) على آخر سلّم الأولويات؟! أنا لا أحب من يصنفون الوزارت: هذه سيادية وتلك غير سياديّة؛ فالذي أراه أنّ أيّ وزارة تتعامل بالعقل والفكر وتتوخى الإفادة، بل تتعامل مع الإنسان، إنما هي سياديّة بامتياز. الوطن كلّه يدعمه أجزاؤه، وينبني على مجموعة الإنجازات فيه، وإذا كان الأمر يتعلق بأهمية هذه الوزارة بالمقايسة مع تلك، فهذا ليس سبباً لأن نهمل أو لا نلقي بالاً لوزارة بعينها أو نضعها على أدنى سلّم الأولويات. الإنسان هو العنصر المهم في كلّ حياتنا، بل هو العامل المؤثر في كلّ المعادلة، ولأن وزارة الثقافة تتعامل مع روحه وعقله وإنسانيّته وفكره ومنطلقات الأصالة والمعاصرة التي يسعى للتوفيق بينهما، فإنّها ذات تأثير عميق جداً، ولا تقل عن أيّة وزارة أخرى. كلّ وزارة لها دورها المهم في مجالها، وفي هذه الفترة الحرجة فكرياً وثقافياً وسلوكاً عاماً في المحيط العربي والعالمي، يأتي من يقول إنّ هذه الوزارة هي وزارة غير سياديّة!.. تصوّر! (كيف نبني الإنسان ونؤثر في سلوكه ونمنع من احتقاناته ونهذّب من غلوائه...؟!).. هذا ما تستند إليه وزارة الثقافة في كلّ عملها، وكل برامجها التي أنت مطّلعٌ عليها إنما وُجدت لتستهدف هذا الإنسان وتستثمر فيها المبادئ الوطنية التي فُطر عليها، ولديك، إذا أردت، أرشيفٌ ضخم لأعمال الوزارة وفعالياتها، في مكتبة الأسرة- على سبيل المثال- هذا المشروع الضخم الذي وجدته في الأغوار ناجحاً مثلما وجدته في أيّ قريةٍ أو منطقة في المحافظات يحافظ على النجاح ذاته!.. واسأل لماذا؟!.. لأنّ الوزارة إنّما تتحمل في هذا المشروع المهم ما تتحمل وتبيع بسعر زهيد جداً من أجل أن تشيع في الناس والأسرة الأردنية عادة القراءة. ومثل ذلك في حراك مدن الثقافة الأردنية ومشاريعها في العناية بالكتاب والفنانين، مما يضيق عنه المجال. مدينة الثقافة • البشرى بمركز ثقافي معان بعد كلّ هذه السنين تزيدنا ثقةً بمعان التي أنفذت احتفالها مدينةً للثقافة الأردنية 2011 وقامت به؛ يشهد بذلك المراقبون. هل سنشاهد مركزاً ثقافياً في عجلون مدينة الثقافة المقبلة، أو في المفرق، على كلّ هذا البعد؟! معان محافظة مهمّة على مستوى التاريخ، وعلى مستوى هذا الوعي والفهم الوطني، وذلك كما رصدته تقارير وزارة الثقافة واضحٌ في احتفالها عام 2011 مدينةً للثقافة الأردنية، وفي نظري، فإنّ نجاح هذه المدينة في توزيعها الثقافي في ذلك العام على روافدها من البادية والمدن المجاورة التي تتبع المحافظة، يعطينا مؤشراً مهماً على مدى المراهنة على تصميم المجتمع المحلي لإنجاح هذه التظاهرة الثقافية. في عام مدينة الثقافة لم يكن في معان مركز ثقافي؛ إذ كان قيد الإنشاء، وله ظروفه التي تعلمها ويعلمها المهتمون بهذا الشأن، لكن ما يلفت النظر هو أنك قد تجد كلّ الوسائل والمراكز الثقافية، أو ما يغني عن المراكز الثقافية، لا يساوي شيئاً إن لم يكن الجميع مصمماً ومتلهفاً وساعياً سعيه وهو مؤمنٌ بهذه الفكرة أو تلك. ومع مباركتنا لنجاح معان مدينةً للثقافة الأردنية، فإنّ وجود المركز الثقافي سيؤسس لفعل ثقافي مهم، وبغض النظر عن أسباب تأخره، فإنّ الأهم هو أنه سينطلق قريباً، وفي ذلك يمكن أن تقوم الوزارة باستثمار الجهات الوطنية من جامعات ومستثمرين في القطاع الخاص بشأن الدعم أو حتى التأثيث على أقل تقدير. نحن نعترف بالظرف المالي الذي نواجهه، ولدينا مقدرات محدودة، لكن الذي أجده حافزاً للانطلاق نحو ترسيخ الفعل الثقافي بالمراكز الثقافية هو أنّ كل المحافظات مستعدّة أتمّ الاستعداد لاحتضان مركز ثقافي، ولدي مفاجآت في هذا الخصوص في محافظات الشمال، في عجلون والمفرق، نعلن عنها قريباً، ساعتها سيكون للثقافة دورها الذي يليق بها في دعم الهوية الوطنية بالمنجز الثقافي وترسيخه. الربيع العربي • في الجانب الإعلامي: هل كسر الربيع العربي التصلب السياسي لصالح النخب المثقفة؟!.. من جهة أخرى: هل انفلتت الأمور من هذه النخب لصالح العامّة؟! موضوع النخبة والسلطة.. أو النخبة والعامّة طويل، ويحتاج جلسات، لكنّي أقول إنّنا اعتدنا أن يتصدّر المشهد العاملون في السياسة، وبالمناسبة، فليس بالضرورة أن يكون هؤلاء سياسييين. وفي الحالة التي وجدتها أنت- حالة الربيع العربي- مظلّة لكي يرتفع الصوت العام، فينخفض صوت النخبة نتيجة هذا الارتفاع، أو يعلو صوت النخبة المثقفة بنداء الواجب والتنظير ومحاولة رسم المسار،.. في هذه الحالة، فإنني أجد أن ثمة توزاناً خلقته هذه الحالة. أفهم، أيضاً، من منظور سؤالك أنّك تتحدث عن تقليص دور النخبة الثقافية والمفكرين قبل مرحلة الربيع العربي لصالح العاملين في السياسة أو لصالح السياسيين، كما نقول. وحين أفهم ذلك، فإنّني أقول إنّ العبء الآن كبير على هذه النخب التي ربما كانت تحسّ في مرحلة ما قبل(البيع) أنها مظلومة أو أنّ رأيها على أقلّ درجات الاهتمام،.. وأضيف أنّ هذا العبء يتمثل في عقلنة الأمور والرؤية الموضوعية للمشهد القادم والمفاضلة العاقلة بين الخيارات. حين يعلو (الصوت العام) تجاه النخبة، فمن معاني ذلك أنّ الحواجز التنظيرية العصية على التطبيق ربما تنكسر أو نتخفف من حدتها لصالح التطبيق. في حالة وزارة الثقافة أصبح الجميع في عمان والمحافظات وحتى في المناطق البعيدة في المحافظات يدرك قيمة عمل وزارة الثقافة، وأصبح تعميم الثقافة أمراً ملموساً، لدرجة أنّك كثيراً ما تجد من مراجعي الوزارة مثقفين من المحافظات، يسألون عن معاملاتٍ لهم أو مشاريع أو يطلبون دعماً او طباعةً لكتب يصدرونها في مجالات الثقافة المتنوعة. على أيّة حال ليس (الربيع العربي) المحدد الوحيد لقبول العامة بفكر النخبة أو انفلات التنظير من النخبة لصالح العامة أو تضاؤل سيطرة النخبة باتجاه هذا التعبير، بل إنّ ذلك كلّه يمكن أن يكون أنشأه الوعي العام وخطط تعميم الثقافة ونشرها وتوسيعها، لتدخل في سلوك الناس، جميع الناس. لكنّي أتفق معك في أن مرحلة (الربيع العربي) جعلت من المساحات تتبدل والنظريات تتخلخل، ربما استجابةً لهذا الأمر. رسالة عمان • لدينا مداميك من الأجندات الوطنية، في (رسالة عمان)، و(الحوار الوطني)، وغيرها من المواثيق المستجدة أو الأصيلة. لماذا لا نستعيد روحها أو نطبّق ما يمكن تطبيقه، أو على الأقل نستأنس بشيءٍ منها إن لم تعد تناسب؟!! كلام صحيح. لكنّي أقول إنّ القضية العادلة لا يكفي أن تكون كذلك؛ فكثير من القضايا تخسرها لأنّ المحامي غير محترف!.. وأنا أعتقد أنّنا قد ننشدّ أو نكون شديدي الحماس لهذه القضية أو تلك، فننزع منها روحها أو نتعامل معها وكأنها قرارٌ إداري، لا بوصفها حالة معقّدة التكوين كثيرة المتغيرات. (رسالة عمان)، وسواها من المبادرات تستحقّ أن نستعيدها ونقف على ما فيها؛ فجهدٌ كبير بُذل في إعدادها وفيها من المنطلقات ما يريح بخصوص التسامح والوسطية وعلاقات الناس في أديانهم ومعتقداتهم، وحين نعيد استثمار هذه المبادرات فإنّ علينا أن نحافظ على الروح الأصيلة التي فيها، وعلى أيّة حال، فإنّ هذه المداميك مهمة جداً في الاتكاء عليها كلّما مرّ على الوطن ما يستدعي الرجوع إلى مثل هذه المبادرات التي صيغت بوعي معتدل يعبر عن سموّ الرسالة وإنسانيّة الهدف. هذه مبادرات ذات منطلقات فكرية، ترسم وتوضّح الصورة الحقيقية لهذا الوطن الذي قُدّر له أن يحمل رسالته ويسير بها في هذا الخضمّ الشديد الأنواء. الإعلام الثقافي • كيف ترى الإعلام الثقافي؛ وقد جمعتَ حقيبتين مترابطتين؟!.. هل حقق نبض الوسط الثقافيّ وقرأ مع القارئين فترات القوة أو الارتداد في مؤسساتنا الوطنية المعنية بالفعل الثقافي في توجيهه ورسمه وصناعته ورعايته؟! سأكون صريحاً معك بالصراحة ذاتها التي تسأل بها هذا السؤال. فمن حيث الاتفاق العام نحتاج تأهيلاً في هذا الإعلام وتدريباً يتجاوز (البروتوكوليّة) إلى القراءة الناقدة الحقيقية. وهذا القطاع مثله مثل كلّ القطاعات الإعلامية يحتاج تطويراً باستمرار. لكن في المقابل هنالك ملاحق ثقافية مهمّة، تشتغل على الفكر والإبداع معاً والتحليل والتوعية العامة ونشر الفلسفة والجمال. وكلّ ذلك محمودٌ في إعلامنا الثقافي. غير أنني أرمي إلى أن نتجاوز طريقة التغطية الإعلاميّة غير التحليلية، فلا بأس لو تسلّح الإعلامي بشيء من النقد أو طلب النقد من أهله، وكلّ ذلك لنتجاوز الوقوف عند نقطة بعينها في المباركة أو النقل؛ فتقويم الحالة قيد النقل أو التغطية مطلبٌ غاية في الأهمية لكي لا تتنمطّ الأخبار أو يفرح القائمون على المعارض أو المنتدون أو المبدعون أو غيرهم من المنظيمن؛ فيشيع النمط وتضيّع الغاية الأولى من وجود الإعلامي في النقد والتوجيه والتحليل والتنبيه على الأخطاء أو الإشارة إلى مواطن الجهد. الإعلام الثقافي مهم، خصوصاً في هذه المرحلة، إذ يقايس بين النظريات ويقرأ التحديات، في وقت غدا الفكر فيه منطلقاً حقيقياً للاقتصاد والسياسة. وكثير من الحروب هي في الأساس فكرية أو يغذّيها الفكر، فلا بدّ لهذا الإعلام من أن يتقوّى بشيء من الموضوعيّة والتحليل، وأقول: هنالك استثناءات لا تنفي الصبغة العامة في هذا الإعلام، الإعلام الثقافي. الكاتب:
ابتسام حياصات بتاريخ: الإثنين 17-12-2012 11:09 صباحا
الزوار: 1828 التعليقات: 0
|