|
عرار: على هامش معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الثلاثين ....مشروع "كلمة" يترجم "كلمات العالم.. منظومة اللغات الكونية" للمؤلف أبرام دوسوان ... موسوعة بحثية تجمع لغات العالم في دراسة واحدة عرار : على هامش معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الثلاثين، أصدر مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث كتاباً جديداً بعنوان: "كلمات العالم.. منظومة اللغات الكونية" للمؤلف أبرام دوسوان ونقله للعربية المترجم د.صديق محمد جوهر. وجدير بالذكر أن الركن المخصص لكتب مشروع "كلمة" للترجمة ضمن جناح هيئة أبوظبي للثقافة والتراث يضم أكثر من 500 عنوان تمت ترجمتها عن مختلف الثقافات واللغات العالمية، وقد شهدت الكتب إقبالاً واسعاً من قبل مرتادي المعرض من مختلف الشرائح الذين أبدوا إعجابهم الشديد بإنجازات المشروع وتنوع إصدارته. يتألف الكتاب الجديد - الذي يعتبر موسوعة بحثية تجمع لغات العالم في دراسة واحدة - من تسعة فصول و مقدمة تمهيدية، ويدور النقاش في هذا الكتاب عن المجموعات اللغوية على مستوى العالم أو ما أسماه المؤلف بظاهرة التكوكب اللغوي الكوني التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من النظام العالمي، وبما ينطوي عليه ذلك من أن المجموعات اللغوية تعد ظاهرة اجتماعية عالية الخصوصية يمكن فهمها في ضوء نظريات العلوم الاجتماعية، وهذا أيضاً أمر جديد، وإن يكن غير فريد في سوابقه. لقد كان ظهور اللغة تحولا عظيما بكل المقاييس، وكان تطورها - على صورة لغات لا يمكن حصرها ولا يمكن للناطقين بلغة ما فهم كل اللغات الأخرى - دليلاً قاطعاً على الإبداع الإنساني، ولما كانت اللغات قد نضجت كلٌّ على حدة في سياق الانتقالات والتحولات الجمعية، فلابد وأنه قد برزت للوجود أشكال جديدة للنطق، وظهرت الآف من الكلمات المستحدثة وتطورت مئات القواعد النحوية والتراكيب اللغوية وكذلك الاستثناءات اللغوية التي لا تحصى، و لقد نشأ كل هذا التطور نتيجة للفعل الإنساني، و مع ذلك ففي غالب الظن أن من أحدث هذا التطور لم يكن يسعى إلى ذلك وبالتالي لا يمكن أن يُعزى هذا التطور إلى القصد البشري. كما يستعرض الكتاب التنافس والتواؤم بين المجموعات اللغوية العالمية عبر دراسة اللغات من وجهتي نظر كل من علم الاجتماع السياسي وعلم الاقتصاد السياسي، أما الأول فيركز على بنية النظام اللغوي وأنظمته المحيطة كما يعنى بما يسمى "الغيرة اللغوية" بين الجماعات المختلفة، واحتكار النخبة للغة الرسمية، وإقصاء الأميين وغير المتعلمين، كما يولي اهتمامه لاستخدام اللغة كوسيلة لتحقيق الحراك الاجتماعي الصاعد، أما العلم الثاني فيتصدى لتحليل الطرائق التي يحاول الناس بها تعظيم فرصهم في الاتصال، وكيف أن هذه المحاولات تصادف معضلات في العمل الجمعي إلى الدرجة التي قد تدفعهم دفعاً للنزوح الجماعي نحو لغة أخرى والتخلي عن لغتهم الوطنية، كما يتطرق هذا العلم إلى ما يجري في علاقات التبادل غير المتكافئ بين المجموعات اللغوية الصغيرة والكبيرة، ويتعين القول إن الكثير من هذه الأفكار المستقاة من علمَي الاجتماع والاقتصاد لم تطبق أبداً من قبل في مجالَي دراسة اللغات والمجموعات اللغوية المختلفة، بيد أنهما معاً (علمَي الاجتماع والاقتصاد) يشكلان إطاراً نظرياً متسقاً يساعد على تفسير وقائع تخص مجموعات لغوية عالمية متباينة كما في الهند وأندونيسيا، وشبه الصحراء الأفريقية وجنوب أفريقيا، أو الاتحاد الأوروبي. لقد انتظم سكان الأرض في قرابة مائتي دولة وشبكة منظمات دولية تمثلان البعد السياسي للنظام العالمي، وتم ربطهم بسلسلة من الأسواق والشركات، تجسد البعد الاقتصادي لهذا النظام، كما تم ربطهم بالثقافة العالمية الشاملة عن طريق الإعلام الإلكتروني، كما تأسس النظام البيئي الذي يهدف لتحسين ظروف البيئة المتدهورة، لقد حظيت فكرة إقامة مجتمع إنساني شامل على نظام ذي نطاق عالمي بالمزيد من الاهتمام في الأعوام الأخيرة، ومع أن البشرية التي فرقت بينها كثرة اللغات، قد ارتبطت، مع ذلك، عبر شبكة المتحدثين متعددي اللغات، فأقامت مجموعات لغوية متناسقة مضيفة بذلك بعداً آخر للنظام العالمي، فإن هذه الحقيقة بقيت خافية لحد الآن علماً بأنها غنية عن أي توضيح. ويرى المؤلف أن الجنس البشري يتفرع لما يربو على الخمسة آلاف جماعة يتحدث كل منها لغة مختلفة ولا يفهم أيَّاً من لغات الآخرين، ورغم كل هذه الوفرة اللغوية جلبت البشرية على نفسها بلبلة لغوية جمة، بيد أنه، وبالرغم من ذلك ظل الجنس البشري بأنواعه مترابطاً، إذ تخطى هذا الانقسام من يتحدثون أكثر من لغة فضمنوا الاتصال بين الجماعات المختلفة، وبذلك حفظت التعددية اللغوية اتصال البشرية التي فرقت بينها كثرة اللغات، ويؤكد المؤلف أن روابط التعدد اللغوي بين المجموعات اللغوية المختلفة لم تظهر اعتباطاً، ولكنها على خلاف ذلك، أقامت شبكة اتصال قوية فعالة مدهشة تربط بشكل مباشر أو غير مباشر بين البلايين الستة من سكان الأرض، إن ما يشكل نظام اللغة العالمي هو هذا النموذج الإبداعي للروابط بين المجموعات اللغوية التي تشكل منظومة اللغات العالمية، إن هذه المجموعات اللغوية جزءٌ لا يتجزأ من نظام اللغة الكوني كما أنها تمثل قطاعاً من النظام العالمى ذاته. ويتزايد الاعتقاد حالياً بأن كل اللغات الجاري استعمالها على الأرض تنتمي إلى أصل مشترك وأنها تطورت على الأرجح في أعقاب المسيرة التطورية للبشر الحاليين المتحدرين من سلالة جينية مشتركة خلال ما يقارب المائة والعشرين ألف عام، وفي الوقت الراهن وفي ظل تقدم علم الدراسات الجينية وعلوم اللغات المقارنة والآثار القديمة، ظهرت مجموعة متلاحقة ومتنامية من البراهين التي تثبت هذا الأصل المشترك، ومهما يكن من أمر فإن أثبتت الدراسات يوماً أن الجنس البشري ولغاته جاؤوا من أصول متعددة ومتفرقة، فلا ريب أن المجموعات البشرية تشكل في الوقت الراهن كُلاً واحداً متكافلاً، كما أن لغاتهم تقيم معاً مجموعات متعددة تمثل بعداً واحداً من أبعاد النظام العالمي في الوقت الحاضر، ثمة خمسة أو ستة آلاف لغة متداولة على الأرض، لا يمكن تدقيق الرقم بالدرجة المنشودة، إذ أن اللغات غير قابلة أحياناً للحصر الحسابي، وفي هذا السياق تشبه اللغات الغيوم، فليس من اليسير على أحد أن يخبرنا أين تبدأ غيمة وأين تنتهي أخرى، مع أن معظم الغيوم واللغات تتمايز بوضوح خلال المساحات الرائقة الفاصلة بين بعضها البعض. لعل من الأفضل مقارنة اللغات - في تنوعها الذي لاينفذ وتركيبها المستغلق- بالظاهرة الأخرى الأكثر تعقيداً وعظيمة التنوع، ألا وهي الحياة ذاتها، وكما يمكن تحديد الأجناس البشرية بقدرة أفرادها من الذكور و الإناث على التكاثر، فإن لغة ما يمكن تحديد خصائصها بقدرة أي ناطقين بها على فهم أحدهما الآخر، وتعتبر أي لغتين "متمايزتين"، لو كان المتحدثون بأي منهما لا يفهمون بعضهم الآخر، وكما أن أنواع الأجناس تتفرع في تنويعات كثيرة ومتهاجنة فإنه يمكننا بالفعل تمييز العديد من اللهجات المشتركة المفهومة داخل منظومة اللغات الكونية، وكما تتداخل التنويعات البيولوجية للنوع أو الجنس الواحد -كل منها في الآخر- فإن الأمر ذاته يحدث للهجات اللغة الواحدة بما يفسر غلبة الخلاف والجدل حول التصنيف في كلا الميدانين، وبالفعل فإنه من الصعب بمكان التمييز بين اللغات المتشابهة، وحيث يكون التزاوج هو البرهان في البيولوجيا، يأتي الفهم برهاناً في اللغويات، ولكن الفهم المتبادل بين لغتين لا يمثل خاصية مشتركة بينهما -كما أنه لا يختلف كثيراً عن التهاجن- بالإضافة إلى أنه يعتمد على المتحدثيين أنفسهم لأنه مرهون بمهارات المتحدثين المتفاوتين في فهم الغرباء عنهم وإرادة الاتصال بالغير، والسياق الذي يتم فية التواصل مع الغير والذي قد يؤدي إما إلى تيسير الفهم المتبادل أو عرقلته، وبينما لا يوجد أي شك في أن "الصينية" و"الهولندية" لغتان مختلفتان تماماً، يصبح الأمر خلافياً عندما نسأل أنفسنا عما إذا كانت الألمانية والهولندية لغتين متمايزتين بالفعل، ومن ناحية أخرى يؤمن سواد الناس أن الفلمنكية والهولندية تنويعتان على نفس اللغة (طالما أن المتحدثين بهما لا يصادفون مشقة على الإطلاق في التفاهم فيما بينهم، كل بلغته الخاصة، مع الأخذ بالحسبان الاختلافات التي يستحيل تجاوزها بين الاثنتين)، ومع التسليم بالطبيعة الغيمية Cloudy Nature للغات- المشار إليها آنفاً- فإنه ومع ذلك وطيلة الوقت يتم تناول اللغات هنا كوحدات متمايزة، تفصلها حدود عدم القدرة على التفاهم. أبرام دوسوان عالم اجتماع أوروبي مرموق من أصول هولندية تقلد العديد من المناصب الأكاديمية والعلمية المهمة في دول الاتحاد الأوروبي، كما عمل في جامعة أمستردام بهولندا وجامعة كورنيل بالولايات المتحدة الأمريكية وجامعة أوتفوش لوران في بودابست بالمجر والكلية الفرنسية - في فرنسا- ، و له العديد من البحوث والدراسات المنشورة في مجال الدراسات الدولية والأوروبية واللغوية، ومن بين مؤلفاته: "في ظل الاهتمام بالدولة : العناية الصحية والتعليم والرخاء في أوروبا وأمريكا في العصر الحديث" و"مدخل إلى المجتمعات البشرية " و"الاقتصاديات المصغرة المتبادلة" و"مكانة اللغة الإنجليزية في العلوم الاجتماعية ". مترجم الكتاب د.صديق محمد جوهر حاصل على درجة الليسانس في اللغة الإنجليزية من جامعة عين شمس في القاهرة عام 1981 وعمل معيداً في الجامعة نفسها، ثم حصل على درجتي الماجستير و الدكتوراه في الأدب الإنجليزي بتقدير امتياز من جامعة إنديانا في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم تولى تدريس مادة الترجمة في بعض الجامعات العربية كما عمل مترجماً فورياً وتحريرياً لدى بعض الجهات الحكومية في العالم العربي، وهو عضو في العديد من جمعيات الترجمة في أوروبا وأمريكا الشمالية .. له العديد من الأوراق البحثية والدراسات المنشورة في كبرى الدوريات العالمية المحكمة في الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا ودول أوروبية عديدة، بالإضافة إلى عدد من الأعمال المترجمة إلى العربية والإنجليزية.. شارك في العديد من البحوث في مؤتمرات ومنتديات دولية، واختير متحدثاً رئيساً في بعض المؤتمرات الدولية، كما قام بتحكيم العديد من البحوث المنشورة في الدوريات المتخصصة في الولايات المتحدة والعالم العربي، يعمل حالياً في قسم الأدب الإنجليزي في جامعة الإمارات العربية المتحدة، وقد حصل على جائزة التميز العلمي و الأكاديمي من الجامعة. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الأحد 20-11-2011 07:24 مساء
الزوار: 1532 التعليقات: 0
|