د. زياد أبولبن إن الجهود التي تدفع الدكتورة مجد القصص في عمل إحدى وسبعين مسرحية ما بين تمثيل وإخراج يعدّ إضافة نوعية للمسرح الأردني أولاً والعربي ثانياً، عدا عن كونها كاتبة أبحاث في المسرح وأستاذة في كلية الفنون والتصميم – قسم المسرح في الجامعة الأردنية. تأتي مسرحية «كاريكاتير» فكرة وإخراج مجد القصص وتأليف زيد خليل مصطفى نصاً مستوحى من أعمال ناجي العلي، الذي شغل ويشغل الناس في التعبير عن قضاياهم الوطنية والقومية والإنسانية برسوماته الكاريكاتيرية، وليس من السهل الإيحاء بنسيج نص من أعمال كاريكاتيرية متفرقة وتقديمها بلوحات مسرحية راقية في تنفيذها على خشبة المسرح، بل في إبداع فني جمالي يخطف أنظار المشاهدين. تسجل مسرحية «كاريكاتير» مشاهد متعددة تتصل اتصالاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية، وفي إطار الكوميديا السوداء،حيث تتناول قضايا الوطن والحرب والحب والموت، وإن كانت في مضمونها تتحدث عن القضية الفلسطينية إلا أنها تعالج قضايا إنسانية أبتلي بها العالم في ظل الصراعات الدائرة في التخوم والهوامش الإقليمية والدولية. تبرز في المشاهد المسرحية شخصيات رئيسة، وهي: أبو قاسم والزوجة أم قاسم وحنظلة وسندريلا، ولعل شخصية أبو قاسم الحالم بتحرير فلسطين تؤول إلى المناضل الشهيد الذي يدافع عن أرضه ضد المحتل الغاصب، وبروز اسم أبو قاسم يتفرّد فيه الإنسان الفلسطيني دون غيره، ليقدم دلالة على التمسك بالأرض وبالفعل المقاوم رغم مآلات المرحلة نحو التطبيع واتفاقيات السلام مع العدو الغاصب، كما أن الزوجة أم قاسم تنشغل في البحث مع حنظلة وسندريلا عن «أبو قاسم» الذي ارتقى شهيداً على التلة، فينغلق المشهد في «اللوحة السادسة» على كفن «أبو قاسم»وفعل المقاومة حيث يبدأون (أم قاسم وحنظلة وسندريلا) بحفر الأرض بـ «طورية أبو قاسم» لتخرج ملاعق ومقاليع ومخارز وأقلام، وهي أشكال متعددة من المقاومة في مواجهة العدو الغاصب. أما شخصية حنظلة وسندريلا فلهما حكاية أخرى ترتقي على علاقة إنسانية رفيعة ألا وهي الحبّ من جانب ومن جانب آخر على مقاومة المحتل، ويحيلنا اسم حنظلة بإشارة ذكية إلى ناجي العلي الذي اتخذ من شخصية حنظلة شاهداً على مراحل الانهيار والهزيمة والتخاذل ووالعجز العربي أمام القضية الفلسطينية، ويحمل اسم حنظلة مرارة الهزيمة بكل أشكالها، كما يحمل اسم سندريلا التي فقدت ساقها دلالة الظلم والإجحاف الذي لحق بالقضية الفلسطينية، واختيار مجد القصص شخصية سندريلا اختياراً ذكياً لما شاع في الموروث الشعبي بعلاقتها مع الأمير العاشق، ونجدها في المسرحية ترتبط بحنظلة في علاقة عشق، كما ترتبط معه بعلاقة مقاومة ضد المحتل، فهي شخصية ملهمة كما هي شخصية حنظلة. نسيج العمل الفني في مسرحية «كاريكاتير» يتدرج بلوحات مشهدية ست، وبعناوين موحية للمشاهد أن يتبيّن دلالاتها ففي اللوحة الأولى «لا صلح لا تفاوض لا اعتراف» ينفتح المشهد علىمجموعة من الجنود يتعاركون بعد هزيمة الجيوش العربية في فلسطين ويبرز طرح الصلح والمفاوضات مع العدو الصهيوني تحت شعارات زائفة لاحلال السلام، وتظهر شخصية حنظلة وسندريلا التي فقدت ساقهاكفعل مقاوم ورافض لكل الحلول الاستسلامية، وفي اللوحة الثانية «الرحيل والشتات» ينفتح المشهد على حدث تاريخي يسجل الشتات الفلسطيني عقب الهزيمة الكبرى وأم قاسم تحمل مفتاح العودة بيدها وما تمثّلة من إصرار على حق العودة، وفي اللوحة الثالثة «المهرجان العربي الدائم للانتاج التلفزيوني» ينفتح المشهد على مهزلة الجوائز التي تقدّم للفنانين عن أعمالهم التي تتوافق مع الصلح والسلام مع العدو ومن بعيد يأتي صراخ سندريلا منادية حنظلة لفك قيدها، وفي اللوحة الرابعة «الانتخابات» ينفتح المشهد على شخصية أم قاسم وهي تبحث عن زوجها «أبو قاسم» في الوقت الكل العربي مشغول بلعبة الانتخابات والمال والشعارات الكاذبة بحق العودة فترفض أم قاسم بيع صوتها وتخرج تجرّ ذيل الخيبة ومرارة المرحلة في لحظة لقاء حنظلة وسندريلا رمز المقاومة، وفي اللوحة الخامسة «رجم إبليس» ينفتح المشهد على مجموعة ممثلين يلقون أسباب الهزائم والخذلان على إبليس الذي يرجم بالحجارة في حين يحمل حنظلة الخذلان والهزائم لما آلت عليه أحوال العرب وانحراف بوصلة القضية الفلسطينية وإن إبليس عشعش في رؤوسهم وهم الأحق بالرجم ويؤكد حنظلة لأم قاسم وسندريلا استرارية البحث عن «أبو قاسم»، وفي اللوحة السادسة «الحواجز والرحلة» ينفتح المشهد على محاولة حنظلة وسندريلا وأم قاسم الوصول إلى التلة وتخطي الحواجز التي أقامها المحتل لكن الوصول صعب المنال فيعثر حنظلة على كفن «أبو قاسم» الملفوف على ساق سندريلا وحينها تبدأ لحظة المقاومة بأشكالها المتعددة. يتخلل المشاهد المسرحية الستةالغناء الذي يعبر عن بعض المواقف بصورة كوميدية ساخرة أشبه ما يسمى بالكوميديا السوداء، وينتمي هذا العمل المسرحي إلى المسرح التجريبي بما تضمنه من صور بصرية وموسيقية ورقص وغناء، وقام بأدوار الشخصيات عدد من الممثلين الذين لهم تجربة متميزة، فالفنان زيد خليل مصطفى قام بدور شخصية حنظلة، والفنانة ميس الزعبي بدور شخصية سندريلا، والفنانة أريج دبابنة بدور شخصية أم قاسم، وشارك في التمثيل الفنان نبيل سمور، والفنانة آلاء النهار، كما شارك في التمثيل عدد من طلبة قسم المسرح في الجامعة الأردنية (مثنى الزبيدي، رفيف الجبر، شذى عليان، محمد البطوش، صلاح الدين عيسى)، وإن دخول عدد من الممثلين من طلبة الجامعة يدل على براعة فائقة من الفنانة القديرة مجد القصص وحسّها العالي في استقطاب مواهب شابة لعبت أدواراً جاذبة ومهمة ومتميزة في هذه المسرحية. وأشيد بالمؤلف زيد خليل مصطفى والكادر الفني (مراد مرجيان – تأليف موسيقي، خالد خلايلية – فني صوت، طلال سعيد – تصميم ديكور، محمد العبوشي – وآني قرن ليان وفكرية أبو خيط – تنفيذ أزياء واكسسوار، كفاح قباجة – تنفيذؤ إضاءة، فرقة المسرح الحديث – مكياج، نور أبو سماقة و آية الشوابكة – إدارة خشبة، نضال جاموس – مساعد مخرج، وأولاً وأخيراً الفنانة القديرة مجد القصص من إخراج وفكرة تأليف ومصممة أزياء واكسسوار وتصميم إضاءة ومنتج منفذ.
جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 12-08-2022 09:49 مساء
الزوار: 343 التعليقات: 0