يوسف أبولوز أوّل من عاين ودرس نفسية الجماهير، وظواهرها الخاصّة مثل ظاهرة الهياج، والتحريض، والعنف الجماعي هو المفكر الفرنسي غوستاف لوبون 1841-1931، وإليه تعود أولوية تأسيس علم النفس الاجتماعي، وتحديداً «علم نفسية الجماهير» وتحت هذا العنوان بالذات وضع كتاباً في العام 1895، نقله إلى العربية المفكر السوري هاشم صالح في العام 1991، وقرئ كتاب «علم نفسية الجماهير» على نطاق واسع عربياً بعد هذه الترجمة التي مهّد لها صالح بمقدمة علمية عميقة تحيط بالأفكار الواردة في الكتاب، وبالطبيعة النفسية للجماهير المختلفة تماماً عن طبيعة علم النفس للفرد الواحد الذي أسّسه فرويد. قبل أيام، وفي مشهد مصوّر حيّ، أقدم عدد من الجمهور في الجزائر على قتل شاب يبدو في العشرين من عمره اسمه جمال بن إسماعيل إذ اشتبهوا به مجرد اشتباه أنه وراء اندلاع الحرائق في الجزائر، وفي ما بعد، تبين أن الشاب ذهب لمنطقة الحرائق ليساعد في إخمادها وتبيّن أيضاً أنه متطوع في ما يُسمى في الجزائر فرع الحماية المدنية. الجمهور الغاضب أقدم على قتل الشاب، بل، لم يكتف بذلك بل جرى حرقه والتنكيل الجماعي به في صورة بَدَتْ سادية تماماً فيما كان الكثير من الشباب الذين قتلوا الشاب وحرقوه عراة الصدور في منظر اهتياجي صاخب، لا يخلو من العنف - العلني الجماعي المشوب بلذة سادية، وتنفيذ حكم الموت في شخص تبيّن أنه بريء، وبتجاهل كامل للقانون. الحادثة موجعة للعالم، وللشعب الجزائري المتمدّن والمثقف، صاحب الوجدان النضالي ضد الاستعمار الفرنسي والذي يحتفظ إلى الآن بتراجيديات الظلم والقسوة اللتين مارسهما الاستعمار على شعب المليون ونصف المليون شهيد. لكن التاريخ شيء، والعلم شيء آخر. المجتمع - المدني المتحضّر المتعلم شيء، والجمهور المتفلت من طبيعته البشرية الآدمية نحو العنف والتوحش شيء آخر تماماً. هذه الحادثة المرعبة، وفي معزل عن ظروفها الجرمية وملابساتها وما تسفر عنه من نتائج تحقيقات يجب أن تقرأ اجتماعياً، ونفسياً وثقافياً سواءً في هذه الحالة العربية الجزائرية، أو في أية حالة جماهيرية مشابهة في العالم كله.. في هذه الحالة نعود إلى «غوستاف لوبون» مؤسس علم نفسية الجماهير، فهو يرى أن للجمهور روحاً، مختلفة تماماً عن روح الفرد، ولكن هذا الفرد ما أن ينخرط في الجمهور فإنه يكتسب السيكولوجية أو النفسية العامّة لهذا الجمهور، ويرى لوبون أن الأفراد المنضوين في صفوف الجمهور يقبلون بذوبان خصوصياتهم وصفاتهم العادية، والأخطر من ذلك، أن للجمهور عدوى تنتقل سريعاً بين الأفراد، وان الفرد المنخرط في الجمهور لا يعود واعياً بأعماله.. «.. فحالته تشبه حالة المنوّم مغناطيسياً، بمعنى أن بعض مَلَكَاته تصبح مدمّرة..»، ويقول إن القوة الهائجة تكون عادة أقوى لدى الجماهير منها لدى الإنسان المنوّم مغناطيسياً. الشاب الجزائري جمال بن إسماعيل، الفنان الذي يعزف على 10 آلات موسيقية، ومزّقه الجمهور ثم حرقه هو ضحية ثقافة الهياج، وضحية روح الجمهور حين يكون منوّماً مغناطيسياً، وسادياً تماماً أمام رائحة الدم.
المصدر: جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 20-08-2021 11:05 مساء
الزوار: 394 التعليقات: 0