|
عرار:
د. مهند غازي الزامل «الإنسان مدنيٌّ بالطبع» حقيقةٌ لا يُمكن إنكارُها أو التغاضي عنها فإذا نظرنا للعلاقاتِ الإنسانيةِ مُنذ القِدَم وجدنا أنَّ الإنسان لم يستَطِعْ العيشَ بمُفردِهِ فحاولَ أنْ يُقيمَ العديدَ من العلاقاتِ الاجتماعيّة مع بني جنسهِ ابتداءً من عيشِهِ في مجموعات وانتقالهِ معها في عصرِ الإنسان الأوّل مُروراً بعلاقاتِ العملِ والتعاونِ والمشاركةِ، وانتهاءً بعلاقاتِ الزواج، وعليهِ كان لا بُدّ من وجودِ نوعٍ من التشابُهِ والتوافقِ بينَ الاشخاصِ الذين يسعى الإنسان للتعاونِ معهم والاختلاطِ بهم، كأنْ يكونَ هناك توافقٌ فكريّ، أو ثقافيّ، أو معرفيّ، أو اجتماعيّ لا يشعر الفرد بالدونيّة أو النقصِ حين يتبادلِ الأحاديثَ أو المُعاملاتِ مع الفرد الاخر. وهنا لا بُدَّ من القولِ إنَّنا كثيرا ما نتحاملُ على الظروفِ التي تُحيط بنا ونعزو إليها السّببَ في فشلِ العلاقاتِ التي نسعى لاقامتِها بطريقةٍ ما، فنُحمِّلها بذلك أكثر ممّا تحتمل، فأحياناً ما تكون ظروفنا غير مُناسبة لاقامةِ علاقةٍ كاملة مُتكاملة، وأحياناً أخرى نرى أنّ ظروف الطرف الآخر لا تسمحُ له بأنْ يقيم معنا هذه العلاقة ويُعطيها حقّها الذي تستحقّه، وهذا بلا شكّ سببٌ رئيسٌ في فشلِ الكثيرِ من العلاقات في بدايتها. شيءٌ آخرُ قد يكون لهُ يدٌ أو حيلة في منعِنا عن إتمامِ هذه العلاقة بشكل حقيقيٍّ وواقعيّ، هذا السّبب هو المسافات أو الحدود التي تحولُ بيننا نتيجةً لأسبابٍ سياسيّةٍ أو ماديّةٍ أو ظروفٍ غير مُواتِيَةٍ، ومن هنا تفقد العلاقة الإنسانية أهم ما فيها وهو التواصل البصري والحسّي علاوةً على الاحساس بالمُتبادل الذي يُفضي إلى تقوية العلاقةِ واستمراريّتها وديمومتِها بشكل أبديّ، فيؤدّي بطريقةٍ ما إلى فتورِها، وغالباً ما تنتهي بسببِ «الجفاء»! لكن أهذا كلّ شيء؟! بالطبعِ لا، هذه ليست أسباباً كافيةً لافسادِ العلاقات أو لنقُل بمعنىً أصحّ موتها المُبكّر وعدم دخولها في طورِ الاكتمال، ففي كثيرٍ من الأحيانِ هناك سببٌ يقفُ عائقاً أو يحولُ بين الأشخاصِ ووصولِهم لمرحلة الاكتمال ألا وهو التوافق الفكريّ أو التوافق الثقافيّ، وهذا يقودُني للحديثِ عن نموذجينِ إنسانيَّينِ في العلاقات النموذجُ الأوّل: وهو التوافق الفكريّ والتوافق الثقافيّ وفيه تكون العلاقة الإنسانيّة سلسةً مُتكاملةً نتيجةً للتكافؤ الذي يكون موجوداً بين الفردين. أمّا النموذج الثاني: فهو الاختلاف الفكريّ والتوافق الثقافيّ ففي هذه الحال يكون الشخصان على مستوىً واحدٍ من الثقافة والمعرفة، إلّا أنّ ما يحولُ بينهما هو الاختلاف الفكريّ وذلك نتيجةً للمُعتقداتِ التي يحملها كلٌ منهما، وفي هذه الحال قد يودِي بهما للوصولِ إلى طريقٍ مسدودٍ؛ خاصةً إذا أصرَّ كلٌ منهما على التمسُّكِ بأفكارهِ ومبادئهِ ورفض التخلّي عن شيءٍ منها في سبيلِ الطرفِ الاخر. كثيرٌ من الناس يتغاضونَ عن هذا السبب -الثقافة- ويقصونهُ في العلاقة -مهما كان نوعها- كأنْ لا قيمةَ له فيها ولا تأثيرَ على هؤلاء الأشخاص، فالمستوى الثقافيّ عادةً ما يُحدّد الوتيرة التي ستسيرُ عليها طبيعةُ العلاقةِ فيما بعد، فإذا وُجِدَ هذا التكافؤ أو التناسب والتوافق الثقافيّ بين شخصين صارَ من السهل عليهما الاستمرارُ في هذه العلاقةِ وتطويرِها بناءً على ما يتوافق وأفكارهما ومعتقداتهما، أمّا في حال كان أحد الشخصين أكثر ثقافةً وأوسعُ معرفةً فهنا تبدأ المشكلة؛ إذْ يقود هذا إلى فجوةٍ تؤدي إلى فقدِ حلقةٍ أساسيّة في طبيعة العلاقة وهي التفاهم أو التوافق. إنّ التطور الثقافيّ والمعرفيّ الذي حصل في الألفيّة الأخيرة جعل الثقافةَ ركناً أساسيّاً لا يُمكن تجاهله في العلاقات الإنسانية، أضفْ إلى ذلك التطور التكنولوجيّ الذي سهّل علينا سُبل الحصول على المعرفةِ، وهذا بحدِّ ذاتِهِ يجعلنا نقفُ أمام سؤال حَرِج –نوعا ما- وهو هل يُمكن أنْ تقفَ المعرفة عائقاً أمام العلاقات الإنسانيّة والاجتماعيّة؟ الإجابةُ بكل بساطةٍ ووضوح، أجل، فطالما أنّ هناك فرقاً ثقافياً بين الأشخاص فإنّ هذا يجعل العلاقة في حالة تأرجح دائمٍ، ويضعها على المحكّ. ومن هنا ينبغي علينا إيلاءَ هذا الجانبِ كثيراً من الاهتمام ووضعهِ في عين الاعتبار في حال قرّرنا دخول علاقةٍ جديدة. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الثلاثاء 27-07-2021 10:24 مساء
الزوار: 392 التعليقات: 0
|