عرار:

عمان- يقول البروفسور والمترجم والناقد كمال أبوديب، في مقدمة ديوانه الشعري “معلقة الأضداد”، الصادر دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان، إنه كتب هذه المُعلقة في العام 1972، وأرسلها إلى الشاعر أدونيس الذي كان يرأس تحرير مجلة مواقف (1968-1993)، وهي مجلة فصلية ثقافية فكرية صدرت في العاصمة اللبنانية بيروت في العام 1968؛ حيث عبر أدونيس عن إعجابه بها، وقرر إصدار عدد خاص بالشعر من مجلة لتنشر فيه، لأن نشرها في عدد عادي صعب، إذ بلغت في الصيغة التي كتبها بها حوالي 85 صفحة. ويضيف “بعد زمن قصير صدرت مواقف في عدد مزدوج برقم 24-25 (تشرين الثاني 1972 – شباط 1973). وقد أسعدني أن أدونيس منح القصيدة من وقته الثمين قدراً كبيراً، فقام بتوزيع أسطر النص ومقاطعه توزيعاً جميلاً مُكثفاً قلص به عدد الصفحات إلى 37 صفحة، ومنح القصيدة إيقاعاً وبنية ولهجة مغايرة للصيغة التي كنت قد شكلتها بها”. ويشير أبوديب الى أن القصيدة أثارت ردود فعل عجيبة، فقد نفر منها بعض رواد الحداثة الكبار بوصفها إغراقاً في التجاوز والمغامرة من قبل جيل شاب، فيما اعتبرها آخرون بشارةً بمستقبل مغاير للشعر الحداثي العربي.
وينوه المؤلف الى أن المعلقة جسدت رؤية جذرية معقدة للعالم الذي نعيش فيه، لـ بابل التي تنزرع في الروح، وتحقن العروق بنسغها الآثم/المضيء. وهي رؤية مأساوية تستبطنها نبوءة قاتمة متعاظلة ملتبسة.
ويضيف “تركتُ القصيدة خمسين عاماً تقريباً قبل أن أعود لأقرأها فأرى خيوط نبوءتها متجسد في كل عرق وفعل ورغبة تشعل الحرائق في حياتنا، وأحس فيها نبض الوجود الذي نعيشه الآن، وروح التناقضات التي تمزق عالمنا، وهما النبض ذاته الذي كنت أتحسسه، والروح عينها التي كانت تتلوى في الأعراق، حين كتبتها قبل خمسين عاماً، غير أنها الآن أشد مأساوية وفجائع وأكثر إلحاحاً على ضرورة التأمل والاكتناه والبحث عن رؤى جديدة قادرة على أن تبلور وعداً بالخلاص”. ويوضح أبوديب أنه من أجل كل هذا، رأى أنه يجب أن ينشر “معلقة الأضداد”، من جديد لأنها تنتمي إلى الحاضر والمستقبل بقدر ما تنتمي إلى الماضي. وقرر أن ينشرها بصيغتيها؛ الأولى التي كثفها بها أدونيس، والصيغة التي يظن أنه كتبها بها العام 1972. (وأقول أظن لأن الأصل قد ضاع مع ما ضاع من أوراقي في ظروف من القمع العربي لا أود العودة الآن إلى بعث مأساة أيامها).
ويؤكد المؤلف أنه تم النشر من الصيغتين معاً للتأمل في بنية النصوص الإبداعية، وفي علاقة النص في تشكيله اللغوي، وتوزيع أسطره وجمله ومقاطعه، بمنابع الإبداع تحت الواعية والواعية، وبالسؤال الدائب المعجز: ما الشعر؟ وبما يتفرع عنه من مثل: ما الشعرية؟ وما الفرق بين الشعر والنثر؟ وبين اللغة الشعرية واللغة السردية، وبكثير من الأسئلة المهمة الأخرى. وينوه أبوديب الى أنه قام بكتابة نص مرتين، في محاولة لإثارة مثل هذه الأسئلة والدعوة لمعالجتها في الدراسات. ويذكر أن كمال أبوديب كاتب يشغل منصب أستاذ كرسي العربية وآدابها، أو بروفسور في جامعة لندن، صدر له العديد من المؤلفات منها “في البُنية الإيقاعية للشعر العربي، نحو بديل جذري لعروض الخليل ومقدمة في علم الإيقاع المُقارن”، “جدليَّة الخفاء والتجلي”، “رباعيات نظام الدين الأصفهاني: نخبة الشارب وعجالة الراكب”، “في الشِّعريَّة”، “الرُّؤى المُقنَّعة”، “البُنى المولِّدة في الشِّعر الجاهلي”، “جمالياتُ التجاورِ وتشابكُ الفضاءاتِ الإبداعيَّة”، “بحثاً عن الدرَّة اليتيمة/بحثاً عن كمال أبوديب”، “الأدب العجائبي والعالم الغرائبي”، الى جانب العديد من الترجمات.