فوزي الخطبا اللغة العربية لغة التنزيل والاعجاز والجمال والبهاء والفصاحة والبيان المبهر، وهي فيض من النور والإشراق تكمن عبقريتها أنّها لغة متجذرة منذ القدم ومتجددة نظراً إلى ثراء معجمها اللغوي الضخم الهائل الَّذي يستوعب التليد والجديد في حقول المعرفة والعلم والثقافة والإنجازات العلمية والإنسانية المتسارعة في كل المجالات حافظت على أصالتها في كلِ عهد وزمان. قيّض اللّه لها اساطين يدافعون عن عرينها في كل زمان واستاذنا المرحوم د. محمد بركات ابو علي واحد من رجال العربية الذين انفقوا جلَّ عمرهم في الدفاع عن اللّغة العربية والذود عن حماها وكتب عن جمالياتها وبلاغتها الأخاذة من مداد قلمه السّيال. كتب وكشف عن حبه العميق لهذه اللّغة الخالدة وعلومها الزّاهية وكان بحق استاذ البلاغة العربية وسادنها. نستذكر في هذه الايام المباركة اساتذتنا من الراحلين الذين تلقينا على أيديهم القطرات الاولى من المعرفة وراعونا حق رعاية ندعو لهم الله الرحمة والمغفرة ويدخلهم الله جنات الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا ومنهم نذكر استاذنا الجليل د. محمد بركات ابو علي استاذ البلاغة في كلية الآداب الذي ترك في قلوبنا اجمل الاثر وصورة ناصعة ومشرقة للاستاذ الجامعي الاكاديمي الجاد والعميق الذي يرى انّ الدرس الجامعيّ رسالة سامية. والمرحوم يتصف بصفات رائعة في الادب والخلق والنقاء والصفاء والصدق والاخلاص في القول والعمل. تعلمنا على يد استاذنا فن الحوار وقبول الرأي وفن القول والخطابة واصول البحث العلمي الرصين والتذوق الفني للابداع في الشعر والقصة والمقالة ونهلنا من علمه الغزير قطوف من أزاهير الأدب وبلاغة البيان وسعة الصدر والحكمة وفن الاصغاء. واتذكر انّنا استمعنا الى نهج البردة من خلال شريط كاسيت حتى يرفع عندنا الذائقة الجمالية والحسّ الرفيع واثر الكلمة في الوجدان ويثبت انّ الإبداع الحقيقي يبقى خالدا بغضّ النظر عن العصور والعهود. يعد من القلائل الذين اخرجوا البلاغة من الجفاف وعقم المصطلح وتعقيدات الشروحات المطوّلة إلى جمال القول. وتكون البلاغة النابضة بالحياة. كان يرى ان البلاغة تدخل في كل مناحي الأدب والعلوم الإنسانية لما لها من اثر وأساليب وطرائق عدّة لها الاثر النفسي والاجتماعي والجمالي والإنساني ومن خلال شواهد القران والحديث وكتب التراث واعلام البيان وكأنه يطلب بلاغة جديدة تدخل القلب والوجدان بكل يسر وسهولة وله اجتهادات لطيفة في البلاغة تستحق المحاورة والوقوف عندها بشيء من التوسّع والتفصيل. أهدى المكتبة العربية سلسلة مهمة من الدراسات البلاغية المهمة قد ضمت كتبا منها :- البلاغة عرض وتوجيه وتفسير فصول في البلاغة المنهاج البلاغي عند عبدالقاهر الجرجاني الصورة البلاغية عند بهاء الدين السبكي وأستذكرهنا نصا من خاتمة كتابه الصورة البلاغية عند بهاء الدين السبكي (واخيرا نتمثل قول السيوطي من ان البلاغة من العلوم التي لم تنضج ولم تحترق ولذا فهي بحاجة الى درس مستمر يقربها من هذه الغاية من هذه السلسلة التي قدمها هو عرض وسيلة من وسائل كشف جماليات فن القول العربي والوصول إلى فهم اعجاز القران الكريم واحكامه وآياته ويؤكد من خلال تيسير البلاغة ان ينهض المجتمع ويحاكي الهواتف النفسية والطوابع الاجتماعية والتدرج الحضاري وبهذا المفهوم الشامل نعرف قيمة البلاغة العربية باعتبارها فناً وعلماً ووسيلة وحافزاً. استمعنا له وهو يناقش طلبة الدراسات العليا بحسّ الناقد البلاغي الكبير وبهدوء الأكاديمي العميق يقيم الحجة والدليل بكل ثقة واقتدار تكشف عن مدى اطّلاعة الواسع وثقافته الكبيرة في الأدب والفكر والعلوم الإنسانية كان يكلفنا بكتابة مقالات متنوعة وقراءة هذه المقالات قراءة متأنية ومناقشتها مناقشة دقيقة كان جميلا في طلّته البهية وابتسامته الصادقة قد رفد المكتبة العربية بالعديد من الكتب العميقة والجادة ومنها: سخرية الجاحظ من بخلائه دراسات أدبية في كتاب البيان والتبيين مقدمة في دراسة البيان العربي معالم المنهج البلاغي عند عبد القادر الجرجاني أبو تمام بين أشعاره وحماسته البلاغة عرض وتوجيه وتفسير التصور الأدبي في كتاب معاهد التنصيص على شواهد التلخيص دراسات في البلاغة لقد ابدعت أستاذنا الجليل عندما كتبت عن ابي تمام في كتابة القيم الذي يعد مراجع في بابه وموضوعة (ابو تمام بين حماسته وشعره) لقد حاور أبو تمام في حماسته الشهيرة والتي كانت أرضا خصبة لدراسات علماء اللغة والبلاغة والبيان قديما وحديثا . جاءت دراسة دقيقة كشف فيه عن ذوق صاحب الحماسة وعبقريتة وعقله الكبير وبلاغته الفذة ولغته الباذخة وفلسفته. ونريد هنا ان نستقي قليلا من أقواله المؤثورة في كتبه القيمة فعلى سبيل المثال ...من كتاب الصورة البلاغية عند بهاء الدين السبكي كلمة موجزة تعتمد فهم قائم في يقيننا، من ان النظرة الموضوعية في الدراسات الانسانية، تحتاج الى معاودة نظر،مربوطة بنضج معارف الباحث والتفاته الى معنى تزاوج الثقافات العالمية مع ثقافته القومية،لهذا فان أي بحث بنظر صاحبه يبقى الأمل المرجو في الدنو من استقامة المنهج، وصحة المضمون، وان كان في نظرغيره يحتاج الى امور وأمور ولذلك كان هذا البحث في نظرنا يمثل بذل الجهد المستقصي،والرسم المتكامل من خلال النص الصحيح. رحم الله استاذنا الكبير وجعل علمه معينا لا ينضب على مر الزمان.