الباحث محمود دمير يحاضر في ديوان الهريس الثقافي حول فلسفة ابن رشد
عرار:
عمان بدعوة من ديوان الهريس الثقافي، قدم الباحث محمود دمير محاضرة بعنوان «ابن رشد بين الدين والفلسفة»، وذلك في مقر الديوان في منطقة الهاشمي الشمالي في عمان. واستهل دمير المحاضرة بالإشارة إلى أن المثقفين العرب يتداولون، هذه الأيام، بشكل متزايد وموسع، مسألة ذات أهمية بالغة، يستعر الجدل فيها وحولها، ألا وهي: هل كان ابن رشد الفيلسوف العربي الذي عاش في الأندلس في القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، مفكراً عقلانياً، وأنّ دعوته كانت تتسم بالعلمانية، أو يفهم من كتاباته تلك المسألة، التي كثر الجدل والنقاش حولها، ويأتي هذا الحديث في سياق أن البعض يرى أن العلمانية هي السبيل الوحيد للنهوض بالأمة. ومن هنا كان الإصرار والثبات على إعادة بعث ابن رشد لدى الجناح العلماني على اعتبار أن فكر ابن رشد عقلاني تنويري، ولدى العلمانيين عقيدة لا تتزحزح أن كل من يدعو إلى توظيف العقل فهو بالضرورة علماني، لأن بمنظورهم لا يستوى أو يتلازم العقل البرهاني مع الدين، لأن الدين حسب ادعائهم يحجر على العقل، ويمنعه من التفكير لإيجاد حلول للقضايا المطروحة، أو كما قال ماركس أن الدين عقبة أمام التقدم. وأضاف المحاضر: وعندما وظف المسلمون العقل مع الدين في العصور الوسطى أنشأنا حضارة بمبادئ سامية عالية ورفيعة، شهد لها العالم، حيث استمرت الحضارة الإسلامية لمدة ألف عام. وابن رشد نفسه الذي يتشبث به العلمانيون ويعتبرونه علمانياً حسب إدعائهم على أساس أنه المنقذ من أوضاعنا السيئة والمزمنة، كان بلا شك من المفكرين المؤمنين بالإسلام، وهو كان قاضي القضاة في قرطبة، ووظف الدين الإسلامي في حملته التنويرية، وللتأكيد على عقلانية ذلك الدين، قال ابن رشد: وإذا كانت هذه الشريعة حقاً داعية إلى النظر المؤدى إلى معرفة الحق، فإنا معشر المسلمين نعلم على القطع أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد في الشرع، فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له. وعلاوة على ذلك، فإن ابن رشد أشار إلى أن الشرع دعا إلى اعتبار النظر في الموجودات بالعقل، وتُطلب معرفتها به، فذلك بيِّنٌ في غير آية في كتاب الله تبارك وتعالى. ويمكننا القول إن ابن رشد دعا إلى عقلنة الدين، أو أراد ذلك، أي أنه أعطى الأولوية للعقل على النقل مستنداً كما ذكرنا إلى البرهان؛ فالبرهان هو الحجة القاطعة اليقينية في فلسفة أرسطو، الذي كان المعلم الأول لابن رشد. أي أن ابن رشد كان يبحث ويستقصي الأدلة اليقينية، التي لا يدور حولها شك، وتجاهل في ذلك الاعتراضات الجدلية، التي ما كانت تهدف إلا إلى هدم دعوى الخصم، أو التشكيك فيها على الأقل وهو نفس أسلوب السفسطائيين في نقض دعوى الخصم الذي انتهى تاريخهم إلى لا شيء. وبحسب المحاضر فإن ابن رشد كان قد ركز في كتاباته وشدد على العلم البرهاني المستقى في علم أرسطو، الذي عبر عنه ابن رشد بوضوح، حينما أشار إلى أن الفلسفة في عصره قد كملت وصار من الممكن تعليمها بطريقة برهانية كما يتعلم المرء الرياضيات. كلام ابن رشد يفيد بأن الفلسفة في عصره قد قبلها الفقهاء والجمهور، وبالتالي ارتقت إلى مكانة عالية، وترسخت جذورها إلى درجة أن ابن رشد توقع بأنه من الممكن البدء بتعليمها للناشئة مثلها مثل أي علوم أخرى، وكان ابن رشد مرتاحاً ومطمئناً لهذا التطور الذي قد يكون البداية للجمع أو التوفيق بين الفلسفة والدين، لأن الفلسفة وفق رأي ابن رشد هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة للدين.