عندما يسطع نور الفجر فذلك يشكل ايذانا بان القادم يمازج الروح ويمعن بالسلام الأبدي.. بغداد ترسم في مدرستها المتنصريه العباس يحلق هناك يغمر إحياء المدينة بعطره. لم يبرح المكان حتى يأذن للعطر بالنفاد الى انداء العمر..
وعندما يمتطي أيضا ابوحنيفة النعمان صهوة المجد فترى أثره حاضراً في دولة المنصور المتوسدة انهار من العطاء وارتال من الجمال. وفي حقب العمر يتجلى التسامح مفرطاً في الحب فكنيسة السيدة العذراء توصد أبوابها امام الوجوم لتغزل من شمس تسامحها التقاء مآذنها لجامع الخلفاء في مشهد لالتقاء الافئده في خالق واحد تجلت عظمته في عظمة هذا الكون الواسع...
وللحرية عظمتها وقيثارة زهوها فتربض ساحة التحرير وسط بغداد بأنامل ابن العراق النحات جواد سليم. وللحياة القها المتجدد وطهر أفئدة مبدعيها فهم لايموتون البتة حاضرون معنا... نستعير أفئدتهم نغني بها نعطر رحيق العمر بأيامها... شارع المتنبي بالقرب من شارع الرشيد مايزال صوته هادراً فقد عرفته الخيل ولم تنكره البيداء وصوب رمحه ودون بقرطاسه أنفة وشموخ العراق عبر العصور.
هنا لابد للذكريات من ان تحلق بوهجها في سمو الماضي وجزالة حاضره ليبرز إليك مقهي الزهاوي وهو نص أدبي بديع صاغه كل أرباب الفكر وتعاقب على ارتياده كل رسل الحرف وطهر الكلمة. شعب كهذا لايمكن الا ان يكون عظيما هو كذلك لونه التاريخ بتعاقب الحضارت عليه أكثر من أربعمائة سنة كفيلة بأن يحط التمثال العراقي رموزه في كل مناحي الحياة فهنا تمثال الكندي وهوابو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي البارع في الفلسفة والرياضيات والطب والموسيقي والهندسة والفلك. وذلك هو فارع القصيدة والمتربع على عرشها ابو الطيب احمد الحسين الجعفي المعروف بالمتنبي. والخليل بن احمد الفراهيدي ينثر رطب موسيقاه هناك إماما للغة وقبلة للجمال...
وللنسور بعدها الزمني فلم تبارح ذلك الشعب المغوار فالنسور عند العراقيين ترمز للقوة والجبروت والتمثال ليس الا وصفا لشعب طبعت بروح أبنائه الانفة والشموخ... كما وان تمثال الشاعر عبدالمحسن الكاظمي امتداد لألق الشعر وسجع أفاقه المشعة بالسكون.
اما وأنت تنظر الى تمثال الشاعر العظيم معروف الرصافي في المأمون بشارع الرشيد تحب ان تقبل أنامل ذلك الرائع الذي اعمل روحه في نصبه الفنان الكبير إسماعيل فتاج الترك. وان توقفت برهة تجد المرأة العراقية في إكليل الزهور وهي تسلمه للقادم من الأجيال عبر تمثال المرأة العربية سليلة المجد في ضحى القادم من ثنايا الحياة...
في متحف بغداد حيثما النور غازل أشرعة الحضارة. في إطار بغداد عاصمة الثقافة العربية لهذا العام كانت هناك محطات عديدة مررنا بها من بينها المتحف الوطني الذي برغم تعرضه للسرقة من قبل اللصوص أبان وجود المحتل في العراق ما يزال السومريون في رواق المكان يمهون الحضارة بماء صلابتهم تتربع الثماثيل التي تمثل حقب الأزمنة في هاتيك الأماكن عنفوانا من ماض تليد يشكل برموزه حاضر التاريخ في كل تجليات الحياة. معرض التشكيل والتراث.
هنا تجد فناني العراق بحسهم الصامد امام الأعاصير موغلا في تراجيديا الحياة.. يفردون للون مساحات واسعة لابدعاتهم يمازحون الصورة بالق الدفئ وسكون الروح.. إبداع لا يعرف النهايات يبدأ بالوان وينتهي بالغد الحالم قبلة الريشة وسمو ذلك الحاضر العريق. لوحات شتى صنوفها الذوق وبسمتها ان العراقي أكثر حضوراً في عراقة الفن بأشكاله المتعددة. عزف بقيثارة القلوب. الفنان العراقي العالمي نصير شمة اختار الشمس محراباً لفنه وهنا أتاح للضوء ان يمر من جنبات الحانه العتيقة ليعزف ما برحت به أنامله من موسيقى الشرق مستشرفا على أبجديات العمر ليعلن للقادم ميلاد لحن جديد هو من صاغه وأهداه للجمهور بباقة ورد وقنينة عطر. هنا بغداد فهل سمعتم ان الروح تعزف أنغام الحياة من سليل العطر فقط هنا في بغداد من روض فيه المستحيل وذابت في امزجة الروح أنشودة هنا بغداد مع استحضار لكل سنون العراق العصيبة والبهية. رأيت بغداد عمل جبار من صنع الكبار من تأليف محمد الغزي, كيروكراف, محمد مؤيد الأشراف,الدكتور شفيق المهدي هنا يقول مؤلف العمل.. قف الى جانبي لنكمل الصورة.. لنبصر بغداد خلفنا نهرها وأمانها وأمامنا حلمها.. فالمرء يخطئ في بغداد حين يضن ان للموت طعما آخر غير الحياة.. ففيها إذا انكسر القلب صاح النهر من ضمأ, ولست تحتاج فيها ليدمنك الطريق الا ان تموت مرتين من وله أو غياب.
أوعليك ان تكرر الحياة فيها شاهداً وضحية لتعرفك جيداً أو تودع الذين انفرطوا.. جنودا وعصافير.. ونساءً كطعم الحليب الساخن .. حينها تعرف انها نافذة تختزل المدن من سمرقند الى بيروت حتى الأندلس,تجمع عيون أبنائها وهم يبصرون شهادتك. وماذا تريد ان تعرف أكثر للتأكد ان ارملات بغداد سجادة للعشق وان الابن حين يعانق سراب أبيه يعانق الغياب.....

بقلم حاتم علي