يقول المستشرق الهولندي رينهارت دوزي في كتابه "تكملة المعاجم العربية" عن حلوى رمضانية اسمها الجراديق: "الجراديق، وأهل دمشق يطلقون اسم الجردقة على نوع من حلوى الفطائر تصنع من دقيق القمح وهي رقيقة لا يكاد سمكها يبلغ سمك ظهر السكين وهي كبيرة مدورة، تقلى في الزيت البرقوق وتنضح بدبس إلى السمرة ما هي. ولا يأكلونها إلا في شهر رمضان". وأضاف دوزي أن الجرادق في فاس هو ما يسمى فطائر في تونس، ونقل عن مؤلف فاسي قوله: والفطائر رغائف رقاق تطبخ في التنور وتسمى عندنا الجرادق. وقد ورد ذكر الجراديق عند ابن بطوطة في رحلته إذ قال: "وربما حضروا الطعام الذي يصنع لخداوند زاده. ولم أحضره أنا إلا مرة واحدة. وترتيب ذلك الطعام أنهم يجعلون الخبز، وخبزهم الرقاق وهو شبه الجراديق". وذكر ابن منظور في لسان العرب أن الجردقة هي الرغيف، وهي كلمة فارسية معربة. قال الراجز أبو النجم العجلي: كان بَصِيرا بالرغِيفِ الجردَقِ. وذكر الجاحظ الجردقة في بعض كتبه، كما ذكرها ابن قتيبة وغيرهما. وذكر البلاذري في أنساب الأشراف أن الشاعر الفرزدق كان قصيرا غليظا فشبه بالفرزدقة وهي الجردقة التي تدق ويشربها النساء. وإذا صح ما ذكره دوزي فإن الجراديق تطورت من خبز إلى حلوى خاصة في شهر رمضان الكريم. ومن الحلوى الرمضانية الشهيرة في التراث العربي وحتى اليوم الكنافة والقطائف، ولشهرتهما ألف فيهما بعض العلماء وكتب فيهما كثير من الشعراء.
كتاب السيوطي:
للعلامة جلال الدين السيوطي (ت 911هـ) رسالة مهمة في الكنافة والقطائف، سماها "منهل اللطائف في الكنافة والقطايف"، جمع فيها أخبار هاتين الحلوتين، وما قيل فيهما من نثر وشعر، وبعض الأخبار المتعلقة بهما، والرسالة مطبوعة. ومما ورد في رسالة السيوطي أنه حدث في القرن العاشر الهجري أن ارتفعت أسعار الحلوى فرفع المصريون شكوى منظومة شعرا إلى المحتسب وجاء في القصيدة الشكوى:
لقد جاد بالبركات فضل زماننا
بأنواع حلوى نشرها يتضوع
حكتها شفاه الغانيات حلاوة
ألم ترني من طعمها لست أشبع
فلا عيب فيها غير أن محبها
يبدد فيها ماله ويضيع
فكم ست حسن مع أصابع زينب
بها كل ما تهوى النفوس مجمع
وكم كعكة تحكي أساور فضة
وكم عقدة حلت بها البسط أجمع
وكم قد حالا في مصر من قاهرية
كذاك المشبك وصله ليس بقطع
وفي ثوبه المنقوش جاء برونق
فيا حبذا أنواره حين تسطع
وقد صرت في وصف القطايف هائماً
تراني لأبواب الكنافة اقرع
ما قاضياً بالله محتسباً عسى
ترخص لنا الحلوى نطيب ونرتع
ويقول بعض الباحثين إنه ليس هناك طعام ولا شراب اقترن اسمه بشهر رمضان أكثر من الكنافة والقطائف، على مر مئات السنين، ولذا وجدنا الحديث عنهما حاضرا في الأدب والشعر العربي على مر العصور. وقد تنافست البلدان في سجالات تاريخية حول من كان له قصب السبق في الوصول إلى طريقة صنعها أولا، وبرز هذا التنافس بوضوح بين المصريين والشوام.
وكتب الباحث الأستاذ محمد سيد كيلاني، مقالا عام 1950 في مجلة الرسالة بعنوان "شهر الكنافة والقطائف"، ذكر فيها أن لفظ الكنافة لم يذكره أحد من أئمة اللغة، ولا نجد في الألفاظ اللغوية ما يصلح أن يكون مادة لها، فلعلها كلمة يونانية. وينقل في مقاله عن السيوطي عن ابن فضل الله العمري صاحب "مسالك الإبصار" أنه قال: "كان معاوية يجوع في رمضان جوعا شديدا فشكا ذلك إلى محمد بن آثال الطبيب فاتخذ له الكنافة فكان يأكلها في السحر فهو أول من اتخذها". ثم يعقب مشككا بصحة الخبر لأن المؤرخين المتقدمين لم يشيروا إليه، ولم يذكر لنا ابن فضل الله المصدر الذي نقل عنه، ويضيف أنه لو عرفت الكنافة منذ عصر معاوية لذكرها الشعراء فيما ذكروا من أطعمة، فقد رأينا الشعراء حتى العصر العباسي الثاني يذكرون القطائف وغيرها من الأطعمة، ولم نر في شعرهم أثرا للكنافة، وهذا دليل واضح على أنهم لم يروها أو يسمعوا بها. ولاحظ سيد كيلاني في دراسته أن الشعراء المصريين هم أول من ذكر الكنافة في أشعارهم، وأول من تغنى بها، ومنهم الشاعر أبو الحسن الجزار المصري الذي يقول:
سقى الله أكناف الكنافة بالقطر
وجاد وليها سكر دائم الدر
وتبا لأوقات المخلل إنها
تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وعن علاقة الكنافة والقطائف بشهر رمضان يقول الشاعر الجزار نفسه:
ومالي أرى وجه الكنافة مُغضباً
ولولا رضاها لم أرد رمضانها
عجبت لها من رقة كيف أظهرت
عليّ قد صد عني جناحها
تُرى اتهمتنى بالقطايف فاغتدت
تصُدُ اعتقاداً أن قلبي خانها
ومن أشعار المفاضلة بين الحلوتين قول الشاعر ابن عنين:
غدت الكنافة بالقطائف تسخر
وتقول إني بالفضيلة أجدر
طويت محاسنها لنشر محاسني
كم بين من يطوى وآخر ينشر
ويؤكد سيد كيلاني أنها عرفت منذ العصر العباسي، وجاء ذكرها في شعر ابن الرومي وغيره، ومنهم من شبهها بحقاق من العاج، ومنهم من شبهها وقد رصت في الأطباق بالمصلين الذين يسجدون وراء الإمام، وفي هذا قال الشاعر:
لله در قطائف محشوة
من فستق دعت النواظر واليدا
شبهتها لما بدت في صحنها
بحقاق عاج قد حشين زبرجدا
وقال شاعر آخر أيضا في القطائف:
أقول وقد جاء الغلاء بصحنه
عقيب طعام الفطر يا غاية المنى
بحقك قل لي جاء صحن قطائف
وبح باسم من أهوى ودعني من الكنى