من المفروض أن المعلم مثقف لأنه عضو فى المجتمع من ناحية ، ولأنه واحد من شريحة اجتماعية تسهم فى تشكيل عقول ووجدان الآخرين من ناحية أخرى ، وفى عصرنا الحالى يزداد دور المعلم كمثقف فى الصعوبة والتعقيد ، نظراً لخصائص العصر الذى نعيشه بجوانبه الإيجابية والسلبية ، فما أهم مكونات دور المعلم كمثقف؟ هذا توجزه الباحثة فى عدة نقاط هامة منها : التعامل مع التكنولوجيا ، والجمع بين التخصص والاتساع فى المعرفة ، والانتقاء بين القيم . أ ] التعامل مع التكنولوجيا : التكنولوجيا فى أبسط تعريفاتها هى : فن تطبيق الأفكار فى الصناعة ، فكل إنجاز من انجازات التكنولوجيا هو فى الأصل فكرة فى بعض الأذهان وجدت طريقها لكى تظهر فى إنجاز علمى ، وعلى هذا الأساس تعتبر التكنولوجيا استثماراً لقدرات الإنسان وطاقاته ، وقد يقف الناس منها موقف العداء ، البعض يعاديها لأنها تستخدم أداة تدمير ، ولأنها تسهم فى تلويث البيئة ، وتُضعف من قدرات الإنسان حيث تقوم نيابة عنه بأداء معظم الأعمال ، والبعض الآخر يعاديها عداء ناتج عن الخوف من التعامل مع المتغيرات الحديثة لأنها فى نظرة معقدة ، فنجد أشخاصاً على مستوى عال من التعليم يرفضون استعمال الكمبيوتر ويرون أنفسهم عاجزين تماماً عن التعامل معه ، فماذا يجب أن يكون عليه موقف المعلم من التكنولوجيا ؟!. إن التكنولوجيا ذات طبيعة إقحامية ، فمن المفروض أن يقتحمها المعلم أيضاً ، بمعنى ألا يكون له منها موقفاً عدائياً من أى نوع ، لأنها مجرد وسيط يستعمله الإنسان ، وكما هو معروف فإن أمية العصر هى الأمية فى استخدام الكمبيوتر ، إضافة إلى المنجزات التكنولوجية الأخرى . ولن تحل التكنولوجيا التعليمية محل المعلم ، لكنها يمكن أن تساعده فى القيام بدوره على نحو أفضل ، ومن ثّم فمن الضرورى أن يتخذ المعلم اتجاه إيجابى منها ، حيث أن الغرض الأساسى منها خدمة الإنسان ، وليس الإضرار به ، ومن هنا وجب عليه أن يقوم بدوره بغرس اتجاه ايجابى نحو التكنولوجيا تجاه تلاميذه . ولقد أصبح التعامل مع التكنولوجيا التى أصبحت من الوسائل الهامة فى تحصيل الثقافة فى وقت وجيز شيء هام فى مساعدة الطالب المعلم بعد تخرجه على تحقيق التنمية الثقافية لطلابه ب ] الجمع بين التخصص والاتساع فى المعرفة : من المسلم به أن يتخصص المعلم فى بعض الفروع العلمية حتى يتمكن من مادته ، وأن يتابع ما يستجد فيها لأن التقدم فى إنتاج المعرفة لا يتوقف ، لكن التخصص وحده لا يكفى وإنما من الضرورى أن يكون لدى المعلم شئ من التوسع فى معارف أخرى وخاصة فى ظل الانفجار المعرفى والتكنولوجى الذى يشهده عالمنا المعاصر ، " إذ ينبغى على معلم القرن الحادى والعشرين أن يتحاور مع التخصصات الأخرى ويلم بها سواء أكانت تخدم تخصصه الأكاديمى أم لا" ، مع ضرورة تحقيق المعادلة الصعبة بين التراث الثقافى وبين التقدم الذى لا حدود له. فإذا كان التخصص الأكاديمى للمعلم هو مادة الفلسفة – مثلاً – فهذا التخصص يفرض على المعلم أن يكون ملماً بتخصصات قريبة من تخصص الفلسفة مثل علم الاجتماع ، وعلم النفس وعلم المنطق ، وكذا التخصصات البعيدة نسبياً مثل التاريخ والرياضيات ، والفيزياء ، ليكتشف المعلم فى نهاية الأمر أنه لم يخرج عن تخصصه بعد إلمامه بهذه التخصصات الأخرى وحواره معها ، ذلك لقناعة رئيسة فى البحث العلمى ، وهو أن التخصص بغرض الدراسة فحسب ، والمطلوب هو النظرة المنظومية الشاملة للمعرفة بكافة فروعها وأنواعها . لذا يجب أن تركز برامج التنمية الثقافيـة للمعلم بكليات التربيـة فى ظل خضم المعارف المتراكم على تكوين المعلم المثقف المتنور ذى العقلية النافذة المبتكرة الذى يدرك أهمية المعرفة فى اتخاذ القرار العقلى الصائب ، وعليه أن يكون قادراً على تحديد حاجاته المعرفية ، وصياغة تلك الحاجات على شكل تساؤلات ، ومن ثم يطور استراتيجيات ملائمة ، ويوظف مصادر متعددة للوصول إلى تلك المعارف ، يقوم بتنظيمها وتحليلها وتقويمها. على هذا النحو فإن عملية إنتاج المعرفة العلمية مطلباً غير يسيراً إذا كان المعلم يركز على تخصص بعينه ، ويكون الأمر عكس ذلك ، حين يتطلع المعلم إلى التخصصات الأخرى ليكون موسوعة ثقافية فى كافة المجالات التى تدعم تخصصه ، وتكسبه أصالة معرفية ومرونة وطلاقة ليكون مبدعاً مثقفاً وصاحب رؤية ووجهة نظر شاملة وموضعية. ج ] الانتقاء بين القيم : تمثل القيم صلب الثقافة فى المجتمع ، والقيم تظهر فى سلوك أفراد المجتمع ، وتحدد مؤسسات التربية أولويات البحث فى موضوعات القيم الأخلاقية حسب الاهتمام بالمواقف المشكلة ، والتى تنشئ معضلة أو أزمة أخلاقية ، وبناء على ذلك تحدد أهدافها التعليمية التى هى فى الأساس مبادئ أخلاقية وتُمثلها فى " إعداد المواطن ، التعاون بين الأفراد ، الصدق فى القول والعمل ، والأمانة والالتزام ، تحمل المسئولية واجب قومى ، العمل فى مجموعات ... وغيرها من الأهداف التى تعكس المباحث التى تناقشها فلسفة التربية الأخلاقية وآليات تنفيذها" وتتبدل القيم الأخلاقية وتتحول باختلاف الوعى القيمى مع تغير الزمن ومع تعقد الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية . ومن هنا يأتى السؤال : ماذا يمكن أن يفعل المعلم فى عملية الانتقاء بين القيم ؟ ليس المطلوب أن يقوم المعلم بعملية حصر للقيم فى المجتمع كله ويضع قائمة بالقيم المرغوبة والمرفوضة ، لكنه من خلال توجيهه وسلوكه يستطيع أن يدعم القيم الأخلاقية الايجابية لتتغلب على القيم السلبية ، ويدعم قيمة العمل والإتقان والمثابرة ، وأن يتقن عمله ويثابر عليه ، ويدعم قيم التفكير العلمى ، وذلك بأن يساعد تلاميذه على إتباع خطوات المنهج العلمى ، وبخاصة فى ظل التغير السريع ، ودخول قيم غريبة إلينا مع الانفتاح على ثقافات أخرى ، ما يهدد هويتنا الثقافية ، لأن إهمال مثل تلك القيم تؤدى إلى التفكك الاجتماعى . "ولعل مبعث الاهتمام بالانتقاء بين القيم وما طرأ على الساحة الثقافية ، استلزم معه تغييراً شاملاً وليس جزئياً فى نظريات ومناهج البحث فى العلوم الإنسانية كى ترتبط بالواقع محـــل العناية والاكتراث". هكذا يبدو الدور الثقافى للمعلم بكليات التربية دوراً صعباً ، لأنه يُسهم فى تشكيل المستقبل فعلاً لا مجازاً ، وهو دور ينبع من التزامه بأمته وعقيدته بتوعية تلاميذه بالقيم الأصلية لأية حضارة ، وتوعيتهم بما يتهددنا إن أخذنا بأمراض الثقافة الغربية ، أو غيرها من الثقافات