ظاهرة "المجالس الأدبية" أو الصالونات الثقافية ظاهرة قديمة، ومنذ نشأتها وحتى منتصف القرن الماضي كانت تؤدي دورا ثقافياً وفكرياً كبيراً، إلا أن تأثيرها قلّ اليوم. ولعل المرد لكثرة الصالونات الأدبية النسائية قديماً وحديثاً يعود "إلى أن المرأة حرمت كثيرا من المشاركة في الحراك الثقافي العام، فآثرت أن تدعو هي رجال الفكر والأدب إلى بيتها حيث صالونها أو مجلسها لتتمكن من المشاركة التي حرمت منها، وبالتالي فإن نشاط المرأة المتميز في مجال الصالونات فرضه الواقع الذي همشها". (1)
ومازالت هناك صالونات متواجدة وتؤدي دورها، فلا تكاد مدينة عربية كبيرة تخلو من صالون أو أكثر، مما دفع الباحثين إلى التنقيب في الظاهرة بحثاً عن سر ديمومتها وحيويته، ومن أهم هذه الصالونات على صعيد عربي صالون مريم الصيفي.
ففي نهاية كل شهر وعلى مدار العام غالباً، كان للشعر نكهته في صالون الشاعرة الكبيرة مريم الصيفي، فمجرد أن تتواصل الشاعرة هاتفياً مع الأدباء وتعلمهم بالموعد الجديد للتلاقي في رحاب صالونها العامر الكائن في عمان بحي نزال، حتى تتفتق قرائحهم بندى الشعر كأنها بتلات الروح تبوح بعطر الكلام.. وتتوضأ بماء اللقاء الدافئ في حاضرة كأنها محراب سماوي يصلي تحت قبته أدباء يتوقون إلى أجواء اجتماعية حميمية يسودها الوئام وتتعمق في أبعادها المحسوسة ذاكرة مكانية ساهموا في بنائها منذ ولادة فكرة الصالون قبل ثلاثين عاماً، فيدخلون جنته وقد طوحوا بهموم الحياة بعيداً، ليخرجوا بعد انتهاء الأمسية كأنهم ولدوا من رحم اللحظة أشد وعياً، وقد تثاقفت العقول وتمازجت القلوب ودارت الحوارات بين قامات النخيل الباسقة بقطوفها الدالية وعطاياها الشعرية كجداول الموسيقى المنسابة دون سدود تكبح سلاستها.. فتتحول الحناجر بأوتارها الصوتية إلى كمنجات، وما أجملَ الشَعَرَ المسترسل كخصلات الشمس ويدُ المعقب الذي يدندن مع اللحن تمشطها بحنو وانسجام بعيداً عن مشارط النقاد التي أحيانا تدمي بتلات الودّ، فيستيقظ المعنى وعلى جيده طوق من أكاليل الغار المفعمة بالجمال الآسر.. وتستمر اللقاءات المتعاقبة في دورة شهرية لا تنتهي.
هذا هو صالون مريم الصيفي وقد عبَّرْتُ عنه بمشاعر مَنِ ارتياده، وقد حظيت بالتواصل معه منذ عام 1914، وشهدت في رحابه قراءات شعرية تنتمي إلى كافة المدارس الشعرية، وكان يدير الجلسات الشاعر د. راشد العيسى بتجلياته الوجودية ومداعباته الرشيقة المفعمة بالصور الشعرية التي تسر الخاطر، كان الشعر يتشاقى على لسانه فتبتهج القلوب.
ومن أجمل الأمسيات التي تعاقب عليها الصالون تلك التي خصصت لتكريم الشاعر العراقي الراحل عبد الرزاق عبد الواحد عام 2015 حينما انسابت دموعه سخية إزاء الوجع الفلسطيني، موصياً بالقدس خيراً وبدت حينها نظراته مودعة عالمنا كأنه يسرج خيوله للرحيل إلى الأبدية.. ولا ننسى في سياق ذلك تلك الأمسية التي سبقتها حينما كرم الصالون أحد أركانه من القامات الشعرية السامقة المرحوم الدكتور رجا سمرين، وذلك في 16 يونيو 2014.. هذا الراحل الكبير الذي ظل لعبق شعره في الصالون طعم الوفاء.. ومؤخراً تم تكريم الشاعر الدكتور إبراهيم السعافين لدوره المتميز في المشهد الثقافي العربي. 
وعن صالون مريم الصيفي تقول صاحبته: "من وجهة نظري يظلّ المبدع بحاجة إلى التواصل مع المثقفين والمبدعين والنقاد من خلال جوّ حميمي مريح للنفس، لا يكون مطبوعاً بالطابع الرسميّ وتكون الآراء فيه صادقة حتى لو كانت آراء انطباعية، وتكون كذلك الآراء خالية من المجاملات." (2) 
هذا الصالون الذي تمّ تأسيسه عام 1987 في الكويت حيث كانت الشاعرة مريم الصيفي وهي مربية فاضلة تعمل هناك في مجال التدريس. وكان الأدباء والمثقفون حينذاك يلتقون خلاله في بيتها مرة كلّ أسبوعين، أو كلّ شهر على الأكثر. وحينما عادت إلى الأردن بعد حرب الخليج عام 1991 بدأت باللقاءات في منزلها في عمان وساعدها في ذلك زوجها المتفهم لوضعها، وكان من أهم أهدافها أن تضع لبنة مساندة في بناء صرح ثقافي في وطنها، وقد نجحت في ذلك، فما زال الصالون في أوج عطائه بعد مرور ما يقارب الثلاثين عاماً على تأسيسه وقد تعاقب على رئاسة جلساته كل من الدكتور رجا سمرين والدكتور محمد جمعة الوحش والدكتور راشد العيسى. 
لقد زار صالون مريم الصيفي الأدبي مبدعون من الوطن العربي، فمن تونس الشاعرة جميلة غرياني ومن الجزائر الشاعر الزبير دردوخ والشاعرة رشيدة محمدي ومن المغرب الشاعرة حبيبة الصوفي.
ومن فلسطين زار الصالون الشاعران فيصل قرقطي وربحي محمود.
ومن سوريا فقد زار الصالون كلُّ من عبد القادر الحصني وعبد النبي التلاوي وعبد القادر الأسود والناقدان عصام قضماني وعادل فريجات وكذلك الدكتورة مهجة قحف وزوجها الدكتورعبد الله الغضبان المقيمان في الولايات المتحدة.
وكان للعراق حضوره المتميز من خلال مشاركة كلٍّ من الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد وكذلك الشاعر الأستاذ حميد سعيد والشاعر د. علي الياسري والشاعر د.عبد الودود القيسي والشاعرة د. بشرى البستاني، والشاعر الإعلامي محمد نصيف الذي يعتبر من الرواد المواظبين على الحضور نظراً لإقامته في عمان، ناهيك عن الشاعر مكي نزال.. والشاعرة شرقية الراوي عام 2002 وهي صاحبة مجلس شرقية الراوي في بغداد وشقيقة عدنان الراوي أحد قادة الثورة العراقية عام 58. ومن لبنان حضر الشاعر الإعلامي المعروف زاهي وهبي. 
من عُمان السفير العماني في عمّان حمد المعمري صاحب مجلس العوتبي الذي درج عل عقده في بيته بعمان شهرياً لمدة ثماني سنوات طوال مدة وجوده في العاصمة الأردنية.
أما من خارج نطاق الوطن العربي فقد زار الصالون من تركيا رئيس رابطة الكتاب - فرع أنطاكيا- الدكتور محمد قره صو وزوجته نبيهة قره صو والشاعر أوميت يشار والمطربان أرجان وكوكهان وهما توأمان من أزمير وعدد آخر من الشعراء والأساتذة الجامعيين الأتراك". 
ومن روسيا زار الصالون كلٌّ من رئيس اتحاد الكتاب الروس فاليري غاينتشيف ورئيس تحرير مجلة ريالست ومترجم الأدب العربي أوليغ بافكين ورئيس قسم العلاقات الخارجية في اتحاد الكتاب الروس الشاعر يوري بولياكوف.
ومن أمريكا زار الصالون وشارك فيه المدير التنفيذي لدار  إنَر تشايلد الأمريكية، الشاعر وليام بيترز - حيث دعي عن طريق الصالون لإلقاء محاضرة في الجامعة الأردنية مع بعض القراءات الشعرية لطلبة الماجستير. 
ويعتبر صالون مريم الصيفي الثاني عالمياً من حيث العمر الزمني بعد الصالون الذي أسسته المركيزة دو رومبيو (3)، والتي تعتبر صاحبة أقدم صالون عرفته الوثائق التاريخية في أوروبا، وكانت تقيمه في بهو "فندق رومبيو"، القريب من قصر اللوفر في باريس، وهي سيدة رومانية الأصل واسمها الحقيقي كاترين دو فيفون (1588-1665) وقد أدارت جلساته منذ عام 1607 حتى وفاتها حيث بلغ عمر صالونها العريق أل (58) سنة أي ما يزيد عن صالون مريم الصيفي بثماني عشرة سنة.. وكانت هي من أسست لقواعد وأصول الصالونات الفرنسية بالاستناد إلى قواعد وقوانين الفروسية الإيطالية. تليها تجربة صالون السيدة الفرنسية مادلين دو سكوديري (1607- 1701).
أما على صعيد التاريخ العربي فيتقدم صالون مريم الصيفي من حيث العمر الزمني التجربة العربية برمتها يليها صالون مي زيادة الذي لم يتجاوز العشرين عاماً (4)، وهذه قيمة تاريخية تسجل لصالون مريم الصيفي الذي يستعد الدكتور راشد العيسى لتوثيقه تاريخياً كي يتبوأ مكانته اللائقة على الصعيدين العربي والعالمي، علماً وأنه سبق وتناولت الشاعرة مريم الصيفي تجربتها من خلال كتاب "فضاءات شعرية في صالون مريم الصيفي الأدبي" جمعت فيه لثمانية وثلاثين شاعراً وشاعرة من رواد الصالون وأصدقائه العرب من المتواصلين معه. وهذا يذكرنا بتاريخ الصالونات الأدبية على امتداد التاريخ العربي (5) على اعتبار كونها ظاهرة عربية قديمة، ترجع إلى منتصف القرن الهجري الأول حيث السيدة التي تدعى عمرة، وهي امرأة ذات رأي حكيم وذوق سليم، كانت أول من دعا إلى مجلس أدبي.
كما لا بد من ذكر أهم الصالونات العربية القديمة، وهو صالون السيِّدة سُكينة بنت الحسين، حيث جمع منزلها العديد من الأدباء والشعراء، فكانوا يحضرون ندواتها ويحتكمون إليها فيما ينشدون من أشعار. وفي الأندلس برز صالون ولادة بنت المُستَكفي، وكانت شاعرة لها مجلس في قرطبة يؤمه الأعيان، ويصفه مؤرخ الأندلس ابن بسام الشنتريني (6) بأنه كان مفتوح الأبواب دائماً لعلية القوم مع صفوة الأدباء.
ويضيف المؤرخ ابن بشكوال (7) أنها دخلت في مباريات أدبية، وكانت النساء أيضاً يفدن على صالونها كي يتعلمن فنون القراءة والكتابة والموسيقى، وممن ربطتها بهم أواصر الصداقة ابن حزم مؤلف كتاب" طوق الحمامة"(9)، وكان معجباً بأدبها، كما أنها كانت محبوبة الشاعر ابن زيدون (9).
ومن الأندلس إلى مصر حيث أول صالون حديث في قصر الأميرة نازلي فاضل، وكان يتردد على صالونها كبار المثقفين من مصريين وأوروبيين، ومنهم الإمام محمد عبده، وسعد زغلول، وقاسم أمين ومحمد المويلحي، وهناك أيضاً صالون ماريانا مراش وهي أول أديبة سورية برزت في مجالات الأدب والشعر والصحافة، كذلك صالون مي زيادة الأشهر الذي كان ملتقى لشخصيات شهيرة متميزة امتد نشاطها فيه لمدة عشرين عاما يتبادلون الآراء من دون عائق أو تمييز، ومن أبرز هذه الشخصيات الدكتور مصطفى عبدالرازق وشبلي شميل وكانت بينهما خصومة فكرية، والشاعر مصطفى صادق الرافعي، وعباس محمود العقاد الذي كان من ألد نقاد الرافعي، لذا وصفه طه حسين بأنه صالون "ديمقراطي" على العكس من صالون نازلي فاضل "الأرستقراطي"، بينما صاحب الكتاب لا يرى فارقا بين الصالونين إلا في خلو صالون مي من السياسة التي عج بها صالون نازلي. وهناك أيضاً صالون الأميرة سلطانة السديري والدكتورة وفاء المزروع. وصالون الشاعرة شرقية الراوي في بغداد.
وأخيراً يظل صالون مريم الصيفي قيمة تاريخية في المشهد الثقافي الإنساني، له حضوره المتميز في الذاكرة العمانية ومشهدها الثقافي العميق إلى جانب المؤسسات الثقافية الأخرى مع احتفاظه بالخصوصية والتفرد نظراً لانعقاده الدوري في إحدى البيوت العامرة بأهلها، فيبدو كأنه بدر وسط النجوم المنتشرة في مجرات الشعر وفضاءات الروح، يلوذ إليه الشعراء بقلوب تتمازج بمحبة وتتحاور أرواحهم الهائمة في سماء الشعر بنقاء، يستقطب الأدباء من أنحاء الوطن دون شروط جهوية أو طائفية، فقط أن تكون شاعراً مثقفاً وأديباً يمتلك أدواته باقتدار.
المراجع
1- الصالونات الأدبية في الوطن العربي” للباحث أحمد سيد آل برجل- القاهرة 2016
2- موقع وكالة أنباء الشعر.. 16 مارس 2012
3- أحلام صبيحات، تأثير المقاهي العربية في نشأة الصالونات الأدبية والتحريض على قيام الثورة الفرنسية، مجلة دراسات الجامعة الأردنية، مجلد 37، العدد 3
4- الصالونات الأدبية في الوطن العربي” للباحث أحمد سيد آل برجل- القاهرة 2016
5-المرجع نفسه 
6- هو أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني (شنترين(، 450 هـ - إشبيلية، 542 هـ، من أهل شنترين بالبرتغال حاليا، انتقل إلى قرطبة بعد سقوط مدينته الأصلية في أيادي مسيحيي الشمال بقيادة ألفونسو الأول وقد وصف الكاتب هذا الحادث في أشهر أعماله وكيف خرج من بلده مقهورا وتأثره بهذا المصاب.
7- القاسم خلف الأنصاري الخزرجي بن عبد الملك الأندلسي القرطبي قاضي ومؤرخ أندلسي ولد في 1101م وتوفي في 1183م عاش في قرطبة وتوفى فيها. له أكثر من خمسين مؤلفاً من أشهرها كتاب الصلة الذي جمع فيه تراجم لأعيان الأندلس مرتباً أسمائهم ترتيباً أبجدياً. من شيوخه الوليد بن رشدوأبي بحر الأسدي وأبي بكر بن العربي. 
8-كتاب طوق الحمامة أو طوق الحمامة في الألفة والألاف هو كتاب لابن حزم الأندلسي وصف بأنه أدق ما كتب العرب في دراسة الحب ومظاهره وأسبابه. ترجم الكتاب إلى العديد من اللغات العالمية.
9-أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن زيدون المخزومي المعروف بـابن زيدون ولد وعاش في قرطبة )1003م- 1071) وكاتب وشاعر أندلسي، عُرف بحبه لولادة بنت المستكفي.