وقد أعدَّ هذا الكتاب كلٌّ من رقية العلمي ورقية كنعان، اللتين أعلنَتا عن إصداره في الوقت الذي كانت فيه غزة، ومعها فلسطين، تحت وطأة حرب قاسية، حرب لا تميز بين طفل وشيخ، ولا بين أرض ومبنى. كانت العيون مشدودة إلى الشاشات في انتظار خبر يرفع من العزيمة، بينما كان نزيف الأرض والإنسان مستمرًا. لكن، رغم كل شيء، "قررنا أن نكتب، وأن نكون جزءًا من هذه اللحظة التاريخية، وأن نرفع الصوت بأدوات الأدب لتكون شاهدًا على ما يحدث، وكأداة مقاومة صغيرة في مواجهة الصمت العالمي".
في قلب كل صرخة، هناك قصة، وفي كل دمعة، هناك ذاكرة. ومن بين ركام المآسي، تولد الحكايات. وفي كتاب "صمت من أجل غزة (أنطولوجيا قصصية)"، هنالك حكايات تتنقل بين الكلمات كما تتنقل الرياح بين أطلال المدن المدمرة. "ليس لأننا قادرون على اختزال الألم، ولكن لأننا نؤمن بأن الكلمات هي إحدى الوسائل التي ننتصر بها على الصمت، وأداة نبني بها جسور الأمل في زمنٍ يبدو فيه كل شيء قابلاً للتحطيم".
"صمت من أجل غزة"، بل هو رسالة يحملها كل حرف فيه، مستلهمًا من كلمات الشاعر الراحل محمود درويش الذي قال: "نظلم غزة حين نحوّلها إلى أسطورة، لأننا سنكرهها حين نكتشف أنها ليست أكثر من مدينةٍ فقيرةٍ صغيرةٍ تُقاوِم".
وضمّت هذه الأنطولوجيا مجموعة من الكتّاب والكاتبات، وهم: "إسماعيل العرب، إيمان السكارنة، خالد القديسي، ختام الحنيطي، رقية العلمي، رقية المجالي، رقية كنعان، رندة البحيري، سليم المغربي، د. صافي العمال، طه الفتياني، ماجد حسين البكار، محمد رسلان، موسى أبو رياش، وفاء باعشن، وفاء حميد، وياسر أبو شعيرة".
هذه الأنطولوجيا ليست فقط انعكاسًا لصوت الكتابة، بل أيضًا شهادة على مقاومة شعب عانى ويعاني كل يوم. هي إضاءة للحظات من الألم والأمل، لقصص من غزة، قصص عن صمود وإرادة الحياة رغم كل المعوقات.. عندما تقرأ هذا الكتاب، تذكر أن غزة هي أكثر من مجرد مكان على الخريطة، هي قلب ينبض في عمق فلسطين. وعندما تلامس حروفنا أوراقه، تذكر أن كل كلمة هي قطرة دم، وكل قصة هي لحظة مقاومة، وكل سطر هو صرخة "لن ننسى".
في مقدّمة هذه الأنطولوجيا، التي كتبتها رقية العلمي ورقية كنعان، جاء ما يلي: من الصعب أن تكتب عن حدثٍ ساخن لا تزال نيرانه مشتعلة، وشلالات الدماء فيه لم تتوقّف بعد. ومن الخذلان ألّا تفعل. فإن لم نكتب تضامنًا مع قيم الحق والعدالة والحرية والإنسانية، فما الذي يستحقّ الكتابة عنه إذن؟.
وتوضح المقدّمة أنّ الإعلان عن إصدار هذا الكتاب جاء في وقتٍ لا تزال فيه حرب الإبادة على غزّة مستمرّة، بدعمٍ غربيّ غير مسبوق، بينما كانت العيون مشدوهة إلى الشاشات الإخباريّة، والأرواح متعطّشة إلى خبرٍ يسرّ الخاطر، وسط سيلٍ جارف من أخبار الأعداد الجنونية للضحايا، وحكايا الفقد الجماعي، في عالمٍ متوحّشٍ عاجز، تحكمه طغمةٌ فاسدة.
وتتابع الكاتبتان: كنا نتساءل: كيف للكتابة أن تختزل هذا الوجع؟ وما الذي يمكن أن تغيّره؟ ستبدو الكلمات واهنةً في كل مرة، وسيغدو الصمت أقوى. وقد استعَنّا بعنوانٍ اختاره الشاعر الراحل محمود درويش في وصفه لغزّة وتفرّد حالتها في فصلٍ سابقٍ من ملحمتها البطولية في المقاومة؛ إذ كان نصّه ذلك بعنوان صمت من أجل غزة، ومما قاله فيه:
تقول الكاتبتان؛ حاولن في هذا الكتاب تقديم نافذة لأكبر عدد ممكن من الكتّاب، دون قيود على العمر أو الجنس أو الجنسية، لتبقى الذاكرة متّقدة بجمر الأحلام المدفونة تحت ركام المنازل المهدّمة، والمستشفيات المقصوفة، والخيام التي لا تقي من البرد. لتبقى المقاومة متجذّرة في تراب غزة، المجبول بالدم والدموع والتضحيات.
ولأن غزة قضية عربية وإنسانية وعالمية، ولأنها تمثّل جوهر الحالة الفلسطينية، كان لا بدّ من إصدار هذا الكتاب. وقد تفاعل معه عدد من المهتمين من الأردن وفلسطين والعراق وسورية ومصر واليمن. تنوّعت رؤاهم، وتفاوتت زوايا معالجتهم، فمنهم من استرسل، ومنهم من آثر الاختزال.
كانت الأمنيات لو أن هذا الكتاب كُتب بأقلام أبناء غزة أنفسهم، فهم الأحق برواية قصصهم. لكن الخطوة الصغيرة متراكمة، خير من الوقوف العاجز في انتظار خطوة كبيرة قد لا تأتي. بالكاد نلتقط أنفاسنا في متابعة الأحداث المتسارعة في هذه البقعة المكلومة من الأرض.
وخلصتا إلى أن غزة جزء لا يتجزأ من فلسطين، وأن "الحكاية لم تبدأ في السابع من أكتوبر، وأن للأدب دورًا لا يمكن الاستهانة به. اخترنا أن نقصّ من أجل غزة، وأن نرفع صوتنا، مهما بدا الصمت أكثر مهابة، ومهما بدت كتاباتنا أصغر من غزة ومن أحلام أصغر طفل فيها".