«في النثر العربي الحديث» إصدار جديد للناقد إبراهيم خليل
عرار:
عمان عن دار الخليج في عمان صدرت الطبعة الأولى من الكتاب في النثر العربي الحديث – الروائي والقصصي في 190 ص من القطع المتوسط. يتناول فيها المؤلف عشر روايات عربية ومقدمة وأربع مجموعات قصصية. ففي مقدمة الرواية - وهي بعنوان وهم الرواية في لغو الحكاية - يوضح المؤلف الفروق الدقيقة بين الحكاية، أو القصة، والرواية. فالرواية تخضع لضوابط، وقوانين، أكثرها تأثيرا في النسق الروائي قانونا الاحتمال والضرورة. فينبغي للحكاية ألا تتناقض قطعا مع هذين القانونين، وإلا تحولت إلى حكاية، وسواليف، أين هي من الرواية؟ وقد ذكر أمثلة من الأوهام التي يقع فيها الروائيون. مشيرا لمواقع هذه الأوهام في روايات معينة غير التي دُرست في الكتاب. وقد استأثرت رواية أوراق عصام عبد العاطي لعلاء الأسواني بمزية التوافق الدقيق مع الأسس التي تقوم عليها الرواية. فليس فيها ما يتناقض مع مبدأ السبب والنتيجة. فكل الذي ورد فيها من متواليات الحكاية المروية يخضع إما لما هو محتمل، أو تحتمه الضرورة. وهذا يكاد ينسحبُ على رواية بازار الفريسة لخالد سامح، والمهندس لسامر المجالي، ورواية كأنها معي لعلي خيون. وبعضُ الروايات التي تضمنتها الدراسة تضطرب فيها هذه البنية، فتعجّ بالمواقف التي تتعارض مع هذا. ففي رواية ليلة واحدة تكفي ثمة تعسُّفٌ لافتٌ في إضفاء الصبغة السياسية على الرواية، وادعاء أنها تروي شيئا ذا صلة بنكسة الخامس من حزيران67. فكل ما ورد فيها من إشارات لهذا يبدو مفتعلا، ولا ينسجم مع سائر المتواليات المروية. عدا عن أن الشخصيات تبدو شاذة، ولا تستقيم مع الواقع الذي تدّعي الرواية تصويرَهُ، ولا سيما البار – مان، والممرّضة وجدان، التي تثرثر ساعات عن موضوعات فارغة في أثناء القصف المزعوم على مكان لصيق ببار الريفيرا، متناسية أمّها المريضة التي تعاني وحيدة في منزل موحش بجبل القصور، على مسافة بعيدة من الدوار الثالث. فهذا مما لا تحتمه الضرورة، ولا يقع في حدود المحتمل، والممكن. فيبدو الكاتبُ في هذه الحال غير معني بما ينبغي أن يلتزم به في خطاب الحكاية ليصبح رواية، بالمعنى الاصطلاحي، شأنه في هذا شأن كتاب القرن التاسع عشر من القصصين العرب الذين ظنوا الرواية سواليف تتراكم عشوائيا بين غلافين يذكر على الأول منهما أنه رواية. وبعض هذه الروايات لم تراعَ فيها وَحْدةُ الحبكة، وهذا لا يعدُّ مأخذا كبيرًا إلا إذا تضاربت إحدى الحبكتين مع الأخرى. وهذا جليٌّ في رواية باسم خندقجي الموسومة بعنوان « قناع بلون السماء». فالمؤلف يرى في إقحام حكاية مريم المجدلية حبكة تاريخية، أو شبه تاريخية، ورطت الكاتب الفائز بجائزة البوكر بالكثير من الأخطاء التي أخفق في إدراكها من أشادوا بالرواية من غير دراية بهذا الفن، متأثرين بفوزها بالبوكر، فما دامت قد فازت بالجائزة؛ إذن يجب أن يقولوا فيها ما لم يقله ابن زيدون في ولادة. فجل ما ورد من حفريات آثارية بشأن المجدلية يشكل عبئا على موضوع الرواية الأساسي، وهو إشكالية الهوية، وهو الذي عبَّر عنه بما يسمى لعبة الأقنعة. علاوة على هذا يؤكد المؤلفُ أن المكان، وهو ركنٌ مهم من أركان الرواية، بالغ الكاتب خندقجي فيه وأسرف إسرافا شديدًا، وكأنه يخشى أن يلام إذا لم يذكر كل مدينة أو قرية أو مستوطنة في فلسطين، مما يعطي الانطباع بأن هذا الأمكنة التي تجاوز ذكرها المعقول، والمقبول، عبءٌ على السرد، مزعج للمتلقي. ومن الروايات التي تستوقف المؤلف رواية «الآن في العراء» لحسام الرشيد، فقد وجد فيها رواية متقنة تعبر تعبيرا غير مباشر عن خيبة الجيل الحالي. ورواية «أولاد عشائر» لمحمد حسن العمري التي عبرت تعبيرًا غير مباشر أيضا عن التأثير السلبي لفايروسي القبلية، والوساطة، في المجتمع. ومن الروايات التاريخية يقفنا إزاء روايتين: أولاهما لصنع الله إبراهيم «العمامة والقبعة « فهي في رأية رواية تاريخية بالمعنى الاصطلاحي الدقيق، وتنمُّ على براعة الكاتب الذي وضع القارئ في الحقبة الزمنية التي تجري فيها حوادث الرواية، وهي المدة التي استغرقتها الحملة الفرنسية على مصر من 1897 إلى 1902. ورواية النبطي المنشود لصفاء الحطاب، فقد وقف فيها إزاء جدلية العلاقة بين رواية الفتيان من خلال التركيز على البطل، ورواية الكبار، عبر التركيز على الأب والأم والمجريات التي تقع في البترا، بالتوازي بين الحاضر والماضي. مما أضفى على السرد الطابع النفعي، وهو تقديم مادة علمية مفيدة للقارئ، عدا عن الجانب المشوق الذي يستثير فضول المتلقي. وفي القصة القصيرة ينبه المؤلف على استبعاد القصيرة جدا لما يعانيه هذا النوع من إشكالية التجنيس، وفوضى التصنيف . فوقف بنا إزاء قصة « يحدث كل يوم ومع ذلك» لأحمد لمديني من مجموعته أحدب الرباط ،ويعرض عرضا شيقا لمختارات فخري قعوار الموسمة بعنوان «الخيل والليل» متوقفا إزاء اللغة الجميلة التي تجمع بين السخرية والنقد الجاد. ويقفو ذلك بوقفة مطولة عند قصص مفلح العدوان في مجموعة « موت لا أعرف شعائره « وأخرى عند المجموعة « قطط شرودنجر» لسامية العطعوط ،منوِّهًا بالطابع المزدوج للخطاب القصصي في بعضها، إذ تعتزم الكاتبة أن تقول شيئا في القصة، لكنَّ القصة تقولُ شيئا آخر. يُذكر أن معظم هذه الفصول نُشرت في مناسباتٍ عدَّة، وأوقات متباعدة، في الدستور الثقافي.