صدور رواية «وحده الشاطئ يبكي» للدكتور قاسم الكوفحي
عرار:
نضال برقان
صدر حديثًا عن دار الخليج للنشر والتوزيع في عمان رواية «وحده الشاطئ يبكي» للدكتور قاسم الكوفحي، وهي إحدى الإصدارات الأدبية التي تتناول ببراعة فنية قضايا الانتظار والحنين والفقد، في سرد تتداخل فيه أزمنة الحاضر والماضي، ليشكل لوحة روائية تمزج بين التأمل الفلسفي والعاطفة الإنسانية العميقة. تدور أحداث الرواية حول شخصيات تعيش في دوامة الحنين إلى الماضي، حيث يختلط الأمل بالخيبة، والحب بالفقد، والواقع بالذاكرة. عبر تفاصيل دقيقة وحوارات مكثفة، يرسم الكوفحي بورتريه نفسيًا لمجتمع تتلاشى فيه الحدود بين الصمت والكلام، وبين الوجود والغياب. كما تقدم الرواية رؤية إنسانية عميقة للحياة الريفية، حيث يتمحور السرد حول أبو حازم وأم حازم، وهما زوجان يعيشان في عزلة زمنية ونفسية، ينتظران ابنهما الذي لا يعود، ويستعيدان الماضي الذي ينهش تفاصيل الحاضر. هذا الانتظار القاتل يتحول إلى جزء من نسيج الحياة اليومية، حيث يصبح الزمن دائرة مغلقة تتكرر فيها الذكريات والأحلام والأغنيات القديمة، دون أن يتغير شيء. تتميز لغة الرواية بأنها عذبة وحزينة في آنٍ واحد، حيث يستخدم الكوفحي وصفًا بصريًا دقيقًا يجعل القارئ شريكًا في التجربة الشعورية للشخصيات. فالبيت الريفي، أشجار العنب، الغروب المتكرر، كلها رموز تترجم مشاعر الشخصيات وتعكس حالة من الوحدة والعزلة الوجودية. كما أن التكرار السردي لبعض العبارات يمنح الرواية إيقاعًا خاصًا، وكأن الشخصيات تحاول كسر حاجز الزمن من خلال إعادة استحضار الماضي، دون جدوى. ومن العناصر اللافتة في الرواية، توظيف الأغاني الشعبية، حيث يتحول الغناء إلى وسيلة للبقاء، وطريقة للبوح بما لا تستطيع الكلمات العادية أن تعبر عنه. يتردد صوت أبو حازم مرددًا أغاني التراث، في محاولة لملء الفراغ الذي خلفه الغياب، فيما تظل أم حازم بين التسليم والصراع الداخلي، رافضة الاعتراف بانكسار الأمل. كما استخدم الكوفحي العنب كرمز متكرر، حيث تردد أم حازم عبارة «العنب ينضج في الصيف»، في إشارة إلى انتظارها الذي يمتد دون نهاية. في المقابل، نجد أن الرواية تتحرك بين الفصول الأربعة، وكأنها ترصد دورة الحياة بكل تناقضاتها، فالصيف هو موسم النضوج لكنه لا يدوم، والخريف يحمل رياح الفقدان، والشتاء بارد ووحيد، بينما الربيع ظل مؤجلًا في حياة الشخصيات. بأسلوبه الذي يمزج بين السرد الواقعي والنزعة الفلسفية، يقدم الدكتور قاسم الكوفحي رواية تلامس أعمق مناطق الشعور الإنساني. إنها دعوة للقارئ ليتأمل في معنى الزمن، والغياب، والذكريات التي تظل حاضرة رغم أن الأشخاص أنفسهم قد لا يعودون أبدًا.
جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 28-03-2025 01:07 صباحا
الزوار: 55 التعليقات: 0