|
د. أسامة المجالي أنهيت مؤخراً قراءة كتاب « الباشادور « للكاتب المغربي حسن اوريد، ولمن لا يعرف الدكتور حسن اوريد فهو سياسي وكاتب مغربي من مواليد العام 1962 وقد شغل عدّة مناصب رسمية، حيث عُيّن عام 1999 - 2005 كأول ناطق رسمي باسم القصر الملكي المغربي ثمّ شغل منصب مؤرخ المملكة المغربية. كما عمل بوزارة الخارجية المغربية وبعد ذلك مستشاراً لها في سفارتها بواشنطن. كان استاذاً في كلية الحقوق بالرباط ثم المدرسة الوطنية للإدارة، ثم عُيّن والياً على جهة مكناس، هو الآن يرأس مركزاً للدراسات والأبحاث اسمه « مركز طارق بن زياد « ويعمل أيضاً أستاذاً جامعياً للعلوم السياسية بالرباط، ومؤخراً زار الأردن وقدّم محاضرة مهمة في عمّان بمؤسسة عبد الحميد شومان كان موضوعها « التوافق العربي المطلوب « آفاقه ومستقبله. رواية «الباشادور» صدرت في العام 2024 عن «دار المركز الثقافي للكتاب» للنشر والتوزيع بـ378 صفحة وعقد من أجلها حفل إشهار بعمان بمركز يونس أمرة التركي حيث قام الكاتب بتقديمها وتوقيعها، وهذه الرواية ليست العمل الأول للكاتب بل سبقها عديد من الكتب والروايات بالعربية والفرنسية على السواء والتي يتقن الكتابة بهما معاً ومن كتبه «ربيع قرطبة»، «زينة الدنيا»، «سيرة حمار» و»رواء مكة» وغيرها. الكتاب جميل وموسوعي ويحكي بأسلوب مدهش «رحلة أبي القاسم الزياني» في ربوع العالم الإسلامي مستنداً إلى مخطوط يوثّق هذه الرحلة ويطل من هناك بشكل متوسع ومتقن على واقع هذا العالم في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، وهي فترة صاخبة من تاريخ هذا العالم الإسلامي والدولة العثمانية بعد هزيمتها أمام روسيا بتلك الفترة وما تبع ذلك من تداعيات مريرة أبرزها الهزة العميقة التي اجتاحت العالم الإسلامي لهذه الهزيمة المدوية وما تلاها من طرح أسئلة كبرى تفتش عن أسباب هذه الهزيمة في بنية الدولة العَليّة ومحاولة النخب والسياسيين الإجابة عنها ثمّ ظهور الحركة الوهابية والحروب التي صاحبت ذلك الظهور ثم الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام، بعد مرور مئتي عام على تلك الأحداث نلاحظ أن لا شيء تغير في المنطقة فالماضي هو طريق المستقبل الذي نحياه الآن ؛ نفس الدم المسفوك، نفس الأطماع الاستعمارية، نفس الفساد والجهل والمحسوبيات والقهر والقمع سواءً بسواء، عسف الحكام ومزاجيتهم فالكتاب يُطل فيما يطل على تاريخ المغرب الأقصى وتَأريخ حكامه وطرائقهم في الحكم وكيفية إدارتهم لبلادهم ومعاملاتهم مع رعيتهم على اختلاف أعراقها ومشاربها. ولتلخيص ذلك ننقل ما يورده الكاتب على لسان بطله «أبي القاسم الزياني» عندما يصف الغاية من مذكرته ومخطوطه « أريد لهذا البوح أن يكون صدىً لنفسي، أريده معبّراً عما اعتور حياتي، أريده صورة للحقيقة، أليست الحقيقة كما الغانية يستوي جمالها عارية أو متدثرة؟ أتيح لي أن أعرف دار الإسلام، درجت في رحاب دار «المخزن» (الديوان الملكي المغربي) بمغربنا الأقصى وتقلبت في البلاد من مغربنا العامر، أقصاه وأوسطه وأدناه، وعشت بالمحروسة (القاهرة) ردحاً من شبابي وأقمت بها شطراً من كهولتي وجاورت بالمدينة المنورة بعد أن أدّيت فريضة الحج وحللت بالدولة العليّة (إستنبول وما حولها) وشددت الرحال إلى بيت المقدس وبلاد الشام، فبلاد الإسلام معهودة لدي وأشعر أن السدى الجامع للمسلمين بدأ ينحل وعروتهم تنفصم وأن مغربنا أضحى غرضاً للطامعين منذ حلّ الإفرنج بالمغرب الأوسط واحتلوا أرضه، بيد أن شرورنا نحو أنفسنا أسوأ من الأطماع المتربصة بنا، نُمكّنه من أمرنا بتناحرنا وجهلنا وجهالتنا، نحجم عن رؤية الحقيقة، ونتحايل عليها بإلقاء اللوم على الغير». الكتابُ بستان ملئٌ بألطاف اللغة العربية، حتى أن الكاتب حاول في معظم الكتاب أن ينحو منحنى أسلوب الأقدمين وأبي القاسم الزياني في تعبيراته وأسلوب كتابته في تزاوج متقن بين النص المخطوطي الأول ثمّ ما لحقه من إضافات روائية ودرامية في عموم النص. كما أن الكتاب ملئ بمختارات شعرية من المشرق والمغرب على حدٍ سواء مما يظهر أهمية الشعر لدى طبقة الحكّام في تلك الفترة وكذلك طبقة المسؤولين والمثقفين حيث تنوعت اهتماماتهم الأدبية والشعرية كثيرا خاصة الشعر الصوفي لرموزه كالحلاج وسواه مثل قوله: عجبت منك ومنّي يا منية المتمنّي أدنيتني منك حتى ظننت أنّك مني أو قوله يا كُلّ كُلّي فكن لي إن لم تكن لي فمن لي يا كُلّ كُلّي وأهلي عند انقطاعي وذُلّي ما لي سوى روحي فَخذها والرّوح جهدَ المقلّ ولا بد في نهاية هذه العجالة لاستعراض هذا الكتاب القيّم أن اذكر أن الدكتور حسن اوريد له عدّة مواقف واضحة جداً وتفوح من ثنايا روايته ومنها: الموقف من الوحدة الإسلامية الجامعة وتأييده لها بشكل مطلق ولا يعدّها ترفاً بأي شكل في ظل التحديات التي تحيق بالأمّة، فهو يرى أن المسلمين كلهم ينبغي أن يكونوا أمّة واحدة، سنييّهم وشيعتهم عربهم وعجمهم وأنه لا مجال بينهم للتناحر أو الثارات التاريخية أو التخاصم والأحقاد. كما أنه مع الاحترام الشديد للدولة العثمانية وتقديرها لما قامت به من حماية للعالم الإسلامي على مدى مئات السنين وأن الواقع يشير بأن المسلمين عند ضعفها وسقوطها قد أصابهم شرٌ كثير. كما يبدو جليّاً موقفه ضد الحركة الوهابية وتفسيرها للإسلام وتطبيقاتها وإجراءاتها العنيفة التعسفية واحتكارها للفهم الإسلامي على تصورها وما ترتّب على ذلك في العالم الإسلامي. وأخيراً فإنه يُسلّط الضوء بشكل فاحص على استبداد الحكّام وظلمهم لشعوبهم ويظهر بشكل واضح مساوئ حكم الفرد ومصائبه على الدولة والأمَة سواء بسواء. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 22-03-2025 12:49 صباحا
الزوار: 77 التعليقات: 0
|