|
عدنان فيصل قازان عند التوقف أمام منجز الدكتور زياد الزعبي، تلتقي بمنظومة فكرية متكاملة تندمج فيها المعرفة العميقة مع إبداع لا يتوقف، في أعماله تلتقي المدارس النقدية المختلفة لتنتج خطابًا يعيد صياغة التقاليد الأدبية بأدوات جديدة، حيث يدمج الشرق بالغرب، ويعيد التفكير في المصطلحات والمفاهيم النقدية، كل كتاب وكل دراسة من كتبه تفتح آفاقًا جديدة للنقد الأدبي، وتفتح فصولًا أخرى للبحث في قلب النصوص. منذ بداية مسيرته الأكاديمية في الجامعة الأردنية، مرورًا بنيل شهادة الدكتوراه من ألمانيا، كان الدكتور زياد الزعبي يجسد نموذجًا فريدًا في إعادة النظر في المناهج النقدية، كان ناقد يعيد بناء المصطلحات وفق أسس جديدة، ويطرح أسئلة جريئة تعيد تشكيل الفهم التقليدي، وفي مؤلفاته مثل «المثاقفة وتحولات المصطلح» و»نص على نص»، يظهر الزعبي قوة في تفكيك النصوص وإعادة تأسيسها عبر منظور حديث يعيد تشكيل الأدب العربي من زوايا مختلفة. إن الحديث عن العلاقة بين الشرق والغرب في الأدب بالنسبة للدكتور الزعبي يعتبر تجسيد للصراع الحضاري والتداخل الفكري المستمر، وفي دراساته المقارنة، يعيد الزعبي بناء العلاقة بين الأدب العربي والأوروبي في حوار نقدي يفتح أبوابًا جديدة لفهم الثقافة الغربية بعيون نقدية، يتناول الثقافة الغربية كأنه نصًا عربيًا لا غربيًا، مما يكشف عن مساحات جديدة في فهم العلاقة بين الحضارات والثقافات. في كل محاولة للحديث عن الشاعر الأردني مصطفى وهبي التل (عرار)، يدخل الدكتور الزعبي إلى عالمه كمنقّب عن التفاصيل التي تكشف عن صورته الحقيقية، عرار الذي ظل لفترة طويلة محاصرًا في صورة نمطية في الأدب الأردني، تعرّض لقراءة نقدية جريئة من الزعبي، فتجاوز ما هو شائع من دراسات لتسليط الضوء على الأبعاد الخفية في تجربته الشعرية، في دراساته حول عرار، لا يقتصر الزعبي على جمع أشعاره فقط، وإنما يقدم رؤى نقدية تعيد اكتشافه من جديد. رواية الدكتور زياد الزعبي «من حوران إلى حيفا» هي رحلة معقدة إلى داخل النفس البشرية، ومعالجة ذكية للتاريخ الفلسطيني، الذي لا يتوقف عند حدود السرد الظاهر، يحاكي الزعبي في هذه الرواية الدروب الضبابية بين الواقع والخيال، بين التاريخ والحلم، مما يجعل النص يتأرجح بين التذكّر والنسيان، لا تنقل الرواية أحداثًا بقدر ما تنقل تحولات نفسية معقدة، فهي تعيد خلق الذاكرة الفلسطينية في سرد قوي مشحون بالعواطف والذكريات. الدكتور زياد الزعبي هو أكثر من مجرد ناقد أو أستاذ أكاديمي؛ هو مبدع في كل حقل يلمسه، فهو لا يقتصر على الدور النقدي بل يتداخل مع الفعل الثقافي الحقيقي، محاضرًا ومشرفًا ومناقشًا لآلاف الرسائل العلمية، بالإضافة إلى كونه عضوًا في هيئات تحرير للمجلات الأدبية، يكتب الشعر، يكتب الرواية، ويخوض في غمار الفلسفة النقدية، كأنما لا يمكنه التوقف عن التفكير، ولا يستطيع أن يعترف بالحدود بين الحقول المعرفية. الدكتور زياد الزعبي هو منارة إشعاع فكري، حيث تأثر بجوهر التجربة الإنسانية في تحليلاته النقدية، يقترب من النصوص الأدبية كأحد الذين يعيدون تشكيل المفاهيم بما يتناسب مع تطورات العصر، هذا الشغف العميق بالنقد يتجسد في مناهج تدعو لإعادة اكتشاف الأدب العربي في ضوء التحولات الحديثة، وهو يسهم في تأسيس مدارس نقدية جديدة تجسد تفاعل الأدب مع الواقع المعاصر، مما يعزز من تواصل الأجيال الجديدة مع التراث الأدبي بأسلوب مبتكر. الدكتور زياد الزعبي هو علامة فارقة في تاريخ النقد العربي المعاصر، محركًا لأسئلة لا تنتهي، في أعماله، تكمن رؤية عميقة لا تكتفي بتحليل النصوص، وإنما تمتد لتأخذنا إلى مسارات جديدة من الفكر النقدي، إذا كان هناك من يمكنه تغيير مسار الأدب العربي المعاصر، فهو من يتجسد في أعمال الدكتور الزعبي، التي تفتح الآفاق أمام الباحثين والمبدعين على حد سواء، ولا تقتصر أهمية عمله على زمنه فقط، بل هي رؤية تستشرف أفق النقد الأدبي في المستقبل، وتستفز العقل ليظل في حالة بحث مستمر. أصبح الدكتور زياد الزعبي بمثابة مرشد ومصدر إلهام للعديد من الطلاب والباحثين في مجاله، فهو لا يكتفي بأن يكون محاضرًا ذا تأثير مباشر في قاعات المحاضرات، وأنما هو أيضًا داعم حقيقي للطلاب في مسيرتهم البحثية، حيث يوجههم لاستخلاص الأدوات النقدية التي تمكنهم من مواكبة التطور الأدبي والفكري، ويُعتبر الزعبي من الأساتذة الذين يخلّفون بصمة عميقة في دراساتهم، حيث تمتد رؤيته لما وراء حدود القاعة الدراسية، مما يعزز مكانته كأحد القامات الأدبية البارزة في الساحة العربية. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 14-02-2025 09:40 مساء
الزوار: 53 التعليقات: 0
|