رواية جديدة لناصر الريماوي تتأمل مدينة الزرقاء وسيرتها الشعبية
عرار:
عمان صدرت رواية «حارات شرق الحاووز» بجزئها الأول، حديثا، عن دار «جفرا ناشرون وموزعون» في عمّان، وهي الرواية الأولى للكاتب القاص «ناصر فالح الريماوي» والتي تعد باكورة أعماله الروائية ضمن مشروعه الأدبي حول مدينة «الزرقاء» وسيرتها الشعبية من خلال استحضار وتجسيد صور حيّة لمجتمع الحارّة الأردنية عموما. حيث افتتاحية الوقائع وهي تقفز بنا نحو الماضي البعيد في مستهل الرواية بالخطف خلفا: «خلف هذا الجدار والذي تقشّر منذ زمن بعيد، تركتُ العابي و»ألبوم» جرائدي الأول. كلما مررتُ من هناك أعرّج بعد تردد طويل، لتلقاني النافذة بالصدأ، عشرون عاماً والشمس تطلع، تحملق ثم تغيب، والنافذة تلعق ما خلّفه الصخب، و»الدكنجي» العابس تكوّم في حِجْرِ كرسيّه أكثر.. لمْ يعرفني هو في الوقت الذي بكى فيه الزقاق. الدروب غائرة، لكنها لا زالت تبتسم، كعهد أيامنا الأولى.» ليواصل الكاتب وفي تداخل شفيف بين زمنين: «ذلك الزقاق كان كغيره من الأزقة العديدة، معبراً نافذاً، وهو يصل بين شارعين متوازيين، في انحدار بسيط وتعرّج محتمل.. شارع «الحاووز»، كشارع علوي يضج بالناس ونفير المركبات، وشارع الحارة السفلي، الساكن. «الحاووز».. مثلما رأيته لأول مرّة في حياتي، وهو يتربع فوق تلة مشرفة كمَعْلَم شهير، ويطلّ على كل الجهات كحارس أزلي مقيم، يرقب المدينة، بخزّانه الإسطواني الضخم وقوائمه الإسمنيتة الشامخة التي تسنده، لتُبقي على عناده في البقاء وسط ميدانه التاريخي المشجّر. رأيته لأول مرّة وهو يطلّ كمارد أسطوري من بين دخان المدينة الليلي، نحو الشرق.. فتسيل اطلالته الرحبة بين جنبات الشارع العلوى المسفلت، والذي يفضي إليه زقاقنا.. «زقاق الداية»، صعوداً. رأيت ذلك الشارع للمرة الأولى وهو ينحدر بدوره أسفل الميدان المشجّر، وحتى سياج المعسكرات، عبر تقاطعات عديدة للطرق وحركة سير نشطة للناس والمركبات. الآن، وفي كل وقت، كان يمكن لأي واحد أن يقصد الشارع العلوي صعودا عبر زقاقنا ليستقل سيارة أجرة أو ينطلق ماشيا إلى وسط «الزرقاء»، المدينة، حيث الشارع العريض الأشهر على الطلاق، «شارع السعادة»، الذي يتوسطها. أو الذهاب إلى أي مكان يقع جنوب المدينة، أو لمن يرغب بالصعود ليجلس تحت ظلال الحاووز المتشعبة وأشجار ميدانه المتسامقة، والتي تتسلق الفراغ حتى ذروة خزّانه ومنصّتة المشْرِفة، الرابضة فوق أعلى نقطة مرتفعة منه. بينما يفضي طرف الزقاق السفلي إلى شارع الحارة، والذي يمتد بتقاطعات أقل، وحركة سير تكاد تكون شبه معدومة في اختراقه لحيّ «الغويرية»، مرورا بمسجد الحيّ الكبير، مسجد «الإمام علي» كرم الله وجهه، وشارع الحيّ التجاري الرئيس، شارع «الحسبة»، المكتظ بالناس والسلع وأسواق الخضار والمحال التجارية المتوسطة، المشهور بأزقّته الملتوية، الكثيرة، الضيقة، والموازي لشارع الجيش العريض وسياج المعسكرات. حيث تنتهي المدينة عند حدودها الشرقية وهي تقف أمام ذلك السياج الممتد، لتبدأ بعده القطاعات العسكرية وميادين التدريب، وملعب «البولو»، وملعب سلاح المدفعية، والزيوت التابعة للجيش العربي، قبل أن تنداح الفيافي القاحلة وراءها، وتندلع في كل اتجاه.. وحتى أطراف البادية .» «حارات شرق الحاووز» هي رواية تحاول استنطاق بعض الزوايا المنسية، الغابرة، والتي غدا أغلبها طي النسيان والصمت، ومنذ زمن بعيد. أزقة وزوايا متربة لم تزل حاضرة حتى يومنا هذا وسط حارات شعبية عتيقة، موغلة في القدم، أو ما تبقى منها. كما تسعى هذه الرواية من خلال نسج بعض الوقائع والأحداث العابرة إلى رصد وإسناد أنماط حياتية قديمة، على وشك التداعي، وسط ذاكرة جمعية تورّمت بالحداثة، ذاكرة أثقلتها الهموم المعيشية وأجبرتها على التخلي عن بعض تلك الأنماط والتي ساهمت في تشكيل وعينا ووعي الكثيرين منّا. الرواية يتداخل فيها الخيال بالواقع عبر التداعي في اجترار الوقائع، ومحاولات التوفيق بين مستويات السرد الملائمة في إبرازها، بينما ينسجم الزمان خلالها وهو يتكىء بواقعية واقتدار فوق أعمدة المكان وأركانه المتجذرة، الضاربة نحو أعماق بعيدة.