ويتحدث المؤلف عن مؤسسة هذه الدار، يقول: "إن هند الحسيني اختارت تسمية المؤسسة "دار الطفل العربي" تماشيًا مع التيار القومي الجارف الذي ساد معظم البلدان العربية في منتصف القرن العشرين. وكان أهل فلسطين المشردون في تلك الفترة من أكثر الشعوب العربية حاجة الى الاحتماء تحت مظلة هذا التيار، نظرا للمحنة الكبيرة التي ألمت بهم. ومع ذلك، حرصت هند منذ بداية التأسيس وحتى وفاتها على الحفاظ على حيادية المؤسسة، وعدم ربطها بأي جهة سياسية أو فكرية أو عقائدية، سواء أكانت عربية أو أجنبية. كما التزمت المؤسسة بالقواعد الثابتة التي اتفقت عليها الأطياف السياسية كافة.
ويشير بركات إلى أنه بعد وفاتها العام 1994م، حافظ مجلس أمناء المؤسسة على تلك الثوابت، مع التعامل بإيجابية مع التغيرات السياسية والاقتصادية التي مرت بها مدينة القدس منذ ذلك الحين. كما حرصت المؤسسة منذ نشأتها وما تزال، على تطوير قدرات ومهارات مختلف فئات العاملين فيها، سواء أكانوا تربويين أو إداريين أو فنيين، وذلك من خلال إيفادهم لحضور دورات وورش عمل متنوعة داخل الوطن وخارجه.
ويتحدث المؤلف عن المناخ الثقافي والاجتماعي خلال الاحتلال البريطاني يقول: "شكل المناخ الثقافي والاجتماعي في مدينة القدس خلال فترة الاحتلال البريطاني أرضية خصبة لإنشاء مؤسسة "دار الطفل العربي" في حي الشيخ جراح، في عام النكبة. حيث نمهد فيما يأتي مدخلًا لتناول فصول هذا الكتاب، مع النأي قدر المستطاع عن الجوانب السياسية والعسكرية، حيث أتخمت بحثا وتصنيفا.
ويقول المؤلف: "كانت المتاحف ومدارس الآثار من بين أهم المؤسسات الثقافية التي سارع البريطانيون إلى تفعيلها ودعمها. كان متحف الآثار العثماني تأسس تحت إشراف الفرنسيين مثل "بلِس وفانسان"، داخل أسوار القدس القديمة في المدرسة المأمونية. وقد وضع مسؤولو ذلك المتحف مقتنياته خلال الوقائع الحربية العام 1917م، تم نقل مقتنيات المتحف إلى 120 صندوقا، ضمت حوالي عشرات الآلاف من القطع الأثرية، وكان الهدف هو نقلها إلى المتحف السلطاني العثماني في إسطنبول، الذي كان يضم مجموعة مهمة من الآثار الفلسطينية. لكن مع انسحاب الجيش العثماني، لم يتمكن البريطانيون من نقل تلك القطع، فتم توزيع الصناديق في أماكن مختلفة في القدس، وتم استردادها لاحقا وحفظها في متحف الآثار الفلسطيني خلال الاحتلال البريطاني.
وخلص بركات إلى أن المنطقة التي تقع فيها "دار الطفل العربي"، تعتبر جزءا من حي باب الساهرة، رغم أن الحدود بين الأحياء كانت غير ثابتة، وقد يطلق عليها أحيانًا أيضا جزءا من حي واد الجوز.
وفي خاتمة الكتاب يقول المؤلف: "إن مؤسسة "دار الطفل العربي" أثبتت وجودها بجدارة على أرض القدس على امتداد سبعين عاما، فحازت تقدير العديد من الهيئات المعنية بالأعمال الخيرية داخل فلسطين وخارجها، ونالت العديد من الجوائز. كانت آخرها جائزة ياسر عرفات للتميز في العام 2015، حيث تم الاحتفال بذلك في قصر رام الله الثقافي في 10 تشرين الثاني 2015، وتسلمت الجائزة السيدة ماهرة الدجاني، رئيسة مجلس الأمناء، نيابة عن المؤسسة".
ويشير بركات إلى أن الجهود ما تزال مستمرة لتطوير المؤسسة عاما بعد عام، ولعل من أبرز هذه الجهود إعادة تأهيل مبنى المدرسة والقسم الداخلي، حيث تم إجراء أعمال ترميم شاملة للبنى التحتية في مختلف المجالات. شملت هذه الأعمال تحديث شبكات المياه والكهرباء، وتركيب وحدات تدفئة وتكييف كهربائية، إضافة إلى إعادة تقطيع وتبليط الأرضيات وتركيب مصاعد كهربائية، وغيرها من التحسينات التي تمت بين العامين 2016 و2018.
وزير الثقافة الفلسطيني الدكتور عاطف أبو سيف في كلمة له عن الكتاب يقول فيها: "سبعون عاما من العطاء والبذل والصمود والتضحية، حتى أصبحت "دار الطفل العربي" جزءا أصيلا ومعلما من معالم القدس، ومكونا من مكونات المدينة التي تصارع ظلم وطغيان الحصار والتهويد".
ويضيف أبو سيف لقد أبدعت الراحلة هند الحسيني في رسالتها الإنسانية والوطنية والقومية، حيث انحازت إلى أطفال شردتهم آلة الغدر والعدوان والإرهاب، بعد أن شرعت بقتل عوائلهم. وكانت تلك بدايات تأسيس "دار الطفل العربي"، المؤسسة المقدسية الرائدة التي قدمت وما تزال تقدم خدماتها الجليلة بثبات وصمود وتحد، رغم شح الإمكانيات. ورغم كل التحديات، لم تهن ولم يتراجع دورها، وهذا كان من حرص القائمين على المؤسسة، الذين ورثوا عن السيدة هند الحسيني معنى الانتماء إلى مؤسستهم، وإلى شعبهم وقضيتهم.
وخلص الوزير الى أن وزارة الثقافة الفلسطينية تتقدم بالشكر والوفاء والعرفان، لمن قام بإصدار هذا الكتاب الذي يؤرخ سيرة ومسيرة مؤسسة مقدسية تاريخية عريقة. وهذا أقل ما يمكننا فعله لتكريم هذا الصرح العظيم. كل التقدير والاحترام للعاملين في هذه المؤسسة، كي تبقى "دار الطفل العربي" ومؤسساتنا المقدسية شعلة تضيء زمن القدس الحالِك.