|
عرار: حاوره في أبو ظبي -* إبراهيم السواعير : وينشر هذا الحوار بشكل موسع في عرار بالتزامن مع نشره في جريدة الرأي الأردنية . يختتم، الثلاثاء، في أبو ظبي بالإمارات، الموسم الخامس لبرنامج (شاعر المليون)، وهو برنامجٌ كشف عن الكثير من الكفاءات العربيّة في الشعر النبطي، ويقوم عليه محكّمون ذوو تجربة، منهم من اشتغل بالبحث وتخصص في هذا المجال. يطرح هذا الحوار أسئلةً على عضو لجنة التحكيم الباحث الأكاديمي د.غسان الحسن، في جو من الشفافية والمكاشفة حول الشعر النبطي فنّاً له تقنيات وأدوات وأساليب ترفد الذائقة النقدية والإبداعية بما هو خصب، على الأقل للاعتراف بالمنطقة العربية الشعبية وما يتوافر عليه شعراؤها من هموم ذاتية وجمعية، حمّلوها قصائدهم التي أطّرها برنامج شاعر المليون، بما يجد من دعم على مستوى رئيس دولة الإمارات صاحب السّمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. تالياً الحوار: فن واحتراف. بالتأكيد أسهمنا. فلقد كان من أهداف هذا البرنامج أن نضع من الأسس النقدية في الشعر النبطي ما يكفي لأن يكون موضع دراسةٍ علميةٍ، إذا ما اعتُمد في مناهج المدارس والجامعات. ونحن نرى أنّ هذا اللون من الشعر الذي يتمتع بقبولٍ كبير في المجتمع، يتوافر على قيمة أدبيّة مهمّة يجب أن يكون لها مهادٌ نقديٌّ يواكب إبداع شبابنا والروّاد. وطوال الخمس دورات كنّا على بصيرةٍ بما نؤسسه؛ فقد استطعنا أن نشرح لهذا النقد صدوراً ضيّقةً لم تكن لتتقبّله، فباتت رحبةً، تستفيد منه، بل تتشربه، وقد كان الشاعر في مواسم البرنامج الأولى كالحصان الجامح؛ يأبى النقد، ولا يستجيب لمعايير هذا البرنامج، التي نراها موضوعيّةً، في ظلّ مجالس ومنتديات احتفاليّةٍ لا يُقال فيها للشاعر أخطأتَ أو لم تحسن التشبيه أو فاتتك الاستعارة، فكان من الطبيعيّ أن يكون الاعتياد على النقد الموضوعيّ صعباً والتصفيق يلفّ هؤلاء الشعراء، وهي، على أيّة حالٍ، مسألة تعود بنا إلى عهد النابغة الذبياني؛ فالشفاهيّة في الأدب غالباً ما تكون على خصومةٍ مع النقد. اليوم، وبعد مواسم خمسة، أستطيع أن أقول إن البرنامج ثبّت أركان النقد؛ فحين نسمع من الشعراء أن روحاً نقديّةً تكوّنت لديهم وذائقةً لا تحتفي عندهم إلا بالموضوعي من القصيد، نتيقّن من أنّ هذه الأجيال الشاعرة وحضورها من الأصدقاء والأهل والمحيطين على عذرٍ لنا في ما نسعى إلى تأطيره والاشتغال عليه، فحين يلقي الشابُّ بين يدي أهله والمقربين قصيدته ويقاطعه أحدهم بأن الصور تكاد تنضب في ظلّ المباشرة، فإنّ ذلك يؤكّد أنّ النقد وصل إلى (الناس) وطالبي الشعر وقائليه ومتعلميه. ونحن، يا صديقي، حين نتبنى النقد فإنّ القصيدة هي موضوع النقد، وهو النقد الذي نبيّنه للشاعر، على الملأ، بكل احترام وتقدير، فلا ننتقص من كرامة أحد أو ننال من سمعته، أو نعرّض به، وطالما آمن بالنقد محكّاً للقصيدة، فلا حيف على شخصه هو، وهي سنّة البرنامج منذ أن انطلق.
التلطّف والانحياز. الاختلاف والاتفاق. في الواقع أنت تناقش نقطة حساسة جداً معي، وأنا أشكرك عليها، وقلّما تطرّق إليها من حاوروني بشأن البرنامج؛ وأنا سأكون صريحاً جداً معك، فأقول إنه ومنذ أن كنّا خمسة محكمين في البرنامج، وحتى بعد أن أصبحنا ثلاثة، لم يختلف الأسلوب الذي نسير عليه في التحكيم؛ فلا أحد منا يستشير الثاني في ما يقول، أو في الدرجة التي يرى الشاعر يستحقّها، كما أنّنا لا يطّلع أحدنا أبداً على النتيجة إلا بعد أن تظهر؛ فهل هنالك شفافية أكثر من هذا الذي ذكرت؟!.. نحن تماماً مثل جمهور القاعة لا نعرف النتيجة إلا حين تُعلن. الإجابة على هذا السؤال تحتاج مني أن أفرّق بين شعر الفصحى وأسسه النقدية والشعر النبطي أو العامي الذي نتداوله اليوم. فمن الخطورة بمكان أن تطبّق معايير شعر الفصحى على الشعر النبطي بحجّة الانزياحات؛ لأنّ هذه الانزياحات في الحقيقة هي ليست انزياحات، وإنما أصبحت كياناً مستقلاً ناتجاً عن مسيرة هذا الشعر، فالاحتكام للنبطي معناه أنه يمتلك أسسه الكاملة القائمة بذاتها، فالخلل لا بدّ يظهر حين نقيس النبطي بمعيار الفصيح؛ فسرعان ما تكتشف أنك على خطأ. سؤالك في محلّه، لأنّ نسخاً ظهرت تقلّد برنامج (شاعر المليون)، أو لنقل تسير على اتجاهه، وهذا حقٌّ مشروع لأي جهةٍ في أن تجرّب أو تقلّد. أما فيما يخصّ لجان التحكيم، فأقول: لا يختار عضو لجنة التحكيم نفسه، وهذا ما حصل لي ولزملائي، فالقائمون العارفون بمزايانا البحثية والنقدية والشعرية وجدوا فينا ما يضمن لهذا البرنامج أن يستمر. في الواقع هذه إشكالية واجهتنا منذ أن انطلق البرنامج!.. وسأوضّحها بموضوعيّةٍ تتناسب مع موضوعية سؤالك: هنالك من طبّق فكرة مشابهة لبرنامج (شاعر المليون)، لكنهم منعوا التصويت!.. وجعلوا القرار للجنة التحكيم فقط!.. فماذا حدث؟!.. انتهى البرنامج، وظهر الفائزون، هكذا ببساطة! كلفة عالية. بيئات الشعراء. توسيع المشاركة. في تونس على سبيل المثال، لا الحصر، هنالك الكثير من الأنماط في الشعر الشعبي، وتعلم أنّ الشعر النبطي يقوم على أسس شعر الفصحى، فلا عجب أن تكون قرابة وثيقة بين الشعر النبطي والفصيح، فاسأل معي لماذا يكون هذا النوع من الشعر أخاً للشعر الفصيح؟!.. الإجابة تكون في أنّنا يجب أن نفهم (قوام) الكلمة في اللهجة البدوية، فعلى سبيل المثال لا تختفي الحروف في اللهجة البدوية من الكلمة، وبالطبع فلكلٍّ لهجته، ولديّ أمثلة في إشباع (الهاء) في لهجة البادية، فالكيان العروضي ينطبق على اللفظة البدوية أكثر من انطباقه على اللفظة الحضرية، هذا إن كان ينطبق أصلاً. جرّب أن تدخل هذه العروض على لهجة حضرية ستصتصعب ذلك، أو لن تستطيع، لأنّ الكسر هو أصلاً في قوام الكلمة، وقد تتبّعت ذلك في كتابي الذي أشرت إليه، بجزئيه. قدسيّة الوزن. قدسية الوزن نابعة من النمط الذي قام عليه البرنامج في وزنه وقافيته، أو ما يمكن تسميته بقصيدة (العمود). ملمح التجريب. اشتراطنا على الشعراء الوزن والقافية لا يعني على الإطلاق أننا نتدخل في قصائد هذا الشاعر أو ذاك أو في مواضيعه، فالموضوع الذي يودّ أن يطرحه هو حرٌّ فيه، لدرجة أنّ قصائد معيّنة وردت البرنامج لمشاركين غلّفوها برمز موجه لأعضاء من لجنة التحكيم، فالحرية واردة يا صديقي، ونحن لا نحاسب على الفكرة أو التوجّه، غير أننا لا نسمح كما تعلم بإيذاء الناس أو بالقدح في الدين، وهذا حقٌّ كفله القانون والعرف حتى في أرقى الدول حريّة وانفتاحاً، فـ(شاعر المليون) ليس منبراً للتطاحن الهمجي أو النيل من الأعراض والدين. تكرار التفاعيل. • دكتور؛ حتى لا أنسى، كنتَ طرحتَ في منجزك (الشعر النبطي في الجزيرة العربية والخليج العربي) أننا حتى نتغلّب على الألفاظ التي ترد في الشعر طويلة المقاطع لا قصير فيها، علينا بتحريك الحروف لضمان الانسجام مع التفاعيل وتطبيق عروض الخليل بن أحمد. نعم!.. فإنّ بيرم والأبنودي ونجم ليسوا شعراء نبط. لكن، من الناحية الجمالية، والشعر كما تعلم، يُقاس عليه ويُتعلّم فنّه ومواضيعه، لدينا شعراء في برنامج شاعر المليون يمتلكون من الكفاءة ما يشكّل مادة غنيّة للبحث والدراسة والفرح بالمستوى الذي ما يزال يتطوّر، مع أن المقاييس الفنيّة عند شعرائك الذين تمثّلتَ بهم وشعراء البرنامج الشباب هي تكاد تكون واحدة، ومشتركة، لكن الشعراء الأوائل أو الروّاد لديهم ظروف سابقة وهم خلفية ثقافية يمكن أن يستقي منها شعراؤنا اليوم، ولقد ذُكر الشاعر نمر العدوان على خشبة مسرح شاعر المليون على سبيل الاستئناس بأشعاره في النقد، ومثله شعراء مهمون، فخالد الفيصل كان نبتةً مبدعة في الشعر النبطي وصل إلى المستوى الذي وصل إليه بتجويده الشعر بالاستناد إلى موهبته؛ فاسأل معي: هل يمكن أن يصل أحد أبنائنا الشعراء إلى مثل هذا المستوى؟!.. أو يصل إلى مستويات متقدمة تضاهي أو تساوي مستويات الشعراء الآخرين الذين ذكرت؟!.. الإجابة، يا صديقي، ستكون بالإيجاب، ولكنّ ذلك مرهونٌ بمقدار التعب على القصيدة وعدم قطع أنفاسها باستعجال إثمارها في الساعة أو الساعتين، بل في الإخلاص المستمر الذي تدعمه الثقافة والشواهد التي تُستقى وتؤخذ ويتم التطوير فيها، فمسألة كم ترتفع في شأو الشعر مسألة يقوم بها الشاعر في المقام الأوّل، ولا أحد سواه. الإعلام الثقافي. بتفاصيلها!.. كما سردتها لك!.. (فسينجرا) في قطر، و(البديحة) في الإمارات!... ألم تسمع في حلقة أمس من (البرنامج) ما يشير إلى البديحة أو البدحة، في قصيدة لأحد الشعراء؟!.. يا أخي، والله لو ذهبت إلى لتلفزيون وقدّمتها على أنها ليست سندريلا وأن لنا على الأقل حقّاً فيها بوصفها تراثاً لنا أو لنقل مشتركاً، لأنكروا عليك ذلك، وظنوا بك الظنون!! • دكتور، أتعبتنا بهذا الحوار!!.. ولنا الحقّ في أن تعرّفنا بشعرائنا الأرادنة الذين شاركوا في برنامج (شاعر المليون)؟!! اشتغل محرراً غير متفرغ في جريدة الوحدة بأبو ظبي 1987، وكاتباً رئيساً في مجلة الصدى بدبي 1999 حتى 2003، وهو عضو الهيئة الاستشارية في مجلة الفن والتراث الشعبي برأس الخيمة منذ 1994، وعضو الهيئة الاستشارية في مجلة معالم ثقافية بأبو ظبي 1996، وعضو الهيئة الاستشارية في مجلة الثقافة الشعبية في البحرين منذ 2007، وهو مشرف أدبي في مجلة الصقار بأبو ظبي منذ 2002 حتى 2006. مجلات الشعر والفنون الشعبية. معزوفات على قصائد نبطيّة. ديوان بن عتيج. ابن جبران. ديوان بن زنيد. سراب الأماني. ديوان ضاع الوفا. ديوان بن مسلم. ديوان بن نعمان ديوان الأخوين. ديوان الأخوين. للشاعرين عمير بن حيّي الهاملي ومحمد بن حيّي الهاملي. إعداد وتحقيق وشرح د. غسان الحسن بالاشتراك مع علي مصبح الكندي. صدر عن لجنة الشعر الشعبي - نادي تراث الامارات - أبو ظبي. سلسلة شعراء من الامارات (9). الطبعة الأولى 2003. فيض الوجدان في الشيخ زايد بن سلطان. ديوان علي مصبح الكندي. ديوان كميدش بن نعمان الكعبي. سيرة بنت بن ظاهر. غانم بن راشد القصيلي. الحكاية الخرافية في الأردن وفلسطين. برامج إذاعية وتلفزيونية. *رئيس تحرير وكالة أنباء عرار بوابة الثقافة العربية الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الجمعة 06-04-2012 11:30 مساء
الزوار: 5231 التعليقات: 0
|