-
عندما تشع خيوط الفجر تكونين أنت أول من يشكل تلك الخيوط ، تهجرين النوم وترفلين محلقةً نحو الثقة تمازجينها في رواق الكون تَنْهَليْنَ من الوفاء عطر الأحلام وهجوع التأمل فيسطع الضياء مرتلاً فرادة الألحان عذوبةً وحناناً.. الوفاء - الصبر - الإيثار - الثقة.. قيم كهذه.. أنتِ من أضِفتها إلى حيز اللُّغة، قبلك كانت عدمية وغير آبهٍ، علماؤها بها فزدتها حضوراً وضياءً.. أمي.. عندما يكتب الشعراء قصائدهم ولا يتسنى لهم ذكركِ في ثنايا أبياتهم فإن قصائدهم تلك تظل عَبَثِيةً ولا تحمل في طياتها الروح، كونها لم تأسْ بطيفك.. فتبقى فكرتهم ركيكة لعدم اتصالها بروحك الحالمة وهمس أمانك المعهود.. أمي العزيزة أنتِ قاعدة الاستثناء في هذا الوجود لا نرتاب الحياة بوجودك ولا يدخل الخوف في تكوينات معيشتنا، لا نقنط أبداً فنثب بثقة في حيزنا المكاني نستهل أطوار آمالنا.. بنجوةِ العطاء والحب أنتِ من صنعها وبذر بذرتها.. قِيَماً من الجمال وسياجاً من الطهر تشكلين نمط الارتواء وطعم اللوعةِ وأشياء من الشوق.. نعم أمي فأنتِ كل ذلك الحميم في اعتصارات الغربة ووقع الوجع.. فعندما يرخي الليل سدوله ترخين أنتِ عاطفة الزهور لنمنح نحن عبق ذلك العطر.. ومن مزايا مسارك القويم تثبت قدمي في خشوع العابدين تطلقين السوء بعيداً، وتتدثرين من كيانات وديمومة الحب.. ظمآن أنا بمعزلٍ عن محياك وندى قلبك وفجرك الندي، فانزعي الأشجان من فمي ولا تبارحي المكان، فمهلاً كي أقِطفُ من حضورك عبير روائح عمري
-