على ضفاف الأمنيات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وافيتُ مصــــراً تاركاً صنــــــعاءَ
خلفي ...تنوش الحقد والبغضاءَ
من قلب صنعاء التي كانت وما
برحتْ لكل المكرمات لواءَ
وافيتُ قاهرة المعـــــزِّ تقلُّني
ريحٌ تجرُّ وراءها الأجواءَ
وأتيتُ من سبأٍ وتحت جوانحي
كلُّ الهداهد تحمل الأنباءَ
والحرف يبعثني سفيراً غامراً
قلبَ الكنانة نشوةً وبهاءَ
والشعر تكتبني تراجمهُ إلى
كلِّ اللغات قصيدةً عصماءَ
** ** **
هذا أنا مازلت أرفع للمنى
في كل عضوٍ رايةً بيضاءَ
فظللتُ في المعنى سؤالاً حائراً
لا يقبل التوصيف والإطراءَ
فمتى ستقرأُني الحقيقة قصةً
ماغادرتْ هنداً ولا أسماءَ؟
ومتى سيبنيني الهوى عشّاً على
أهدابهِ فأرى ثراهُ سماءَ؟
** ** **
مازلتُ في بُؤَرِ الشجون محاصراً
والشوقُ يفتح في حشايَ فضاءَ
أحيا بمهجة ظامئٍ متعطشٍ
وكأنَّ بين ضلوعيَ الصحراءَ
لا الغيث يعطيها الرذاذ ولا الصَّبا
يُلقي بها ظلاًّ ولا أنداء
يشتفُّ من كلِّ الشموس حرارةً
تشوي الفؤاد وتحرق الأحشاءَ
وعلى ضفاف الأمنيات يعيش لا
مُتنفَساً يأوي ولا أفياءَ
يروي أساطيرَ الجمالِ ولم ينلْ
إلاَّ لظى الحرمان والإعياءَ
كم تاه في فَلكِ الجنون معانقاً
في كلِّ طيفٍ غادةً حسناءَ
للغيد أوقف عمرَهُ ،وحياتُهُ
تتضرع الأشواق والأهواءَ
لم يثنهِ حالٌ ألمَّ بهِ فقد
أضنى الجراح وأنهك الأرزاءَ
** ** **
من لي بقلبٍ في مواجهة الهوى
يجثو بصدري صخرةً صماءَ؟
لكن قلبي مسرح الفتن التي
في وجهها ماأضعفَ الشعراءَ
وديان تهيامي بلا جهةٍ فكم
جغرفْتُ فيها الطيف والأنواءَ
وولجت من كلِّ الجهات مُسَلَّطاً
كالبرقِ في تسليطهِ الأضواءَ
أجتاز ألفَ متاهتةٍ في لحظةٍ
فيها أجوبُ بفكريَ الأنحاءَ
وأعود بالأمل الجريح مُحمَّلاً
ملئ الجوارح خيبةً وعناءَ
** ** **
بين الحقيقة والخيال أعيش في
وطنين ...أقضي الصَّحْو والإغماءَ
مازلت أحلم أنَّ لي وطناً وما
أشقى الفؤادَ الحالمَ الخطّاءَ
وطني الذي مكيجتُهُ بعواطفي
دهراً تبخّر كالسراب هباءَ
ألقى حقيقتهُ بجيب عصابةٍ
ملغومةٍ فتطايرتْ أشلاءَ
لم يزرعوا غير العداوة منذ أن
حصدوا الضِّعافَ محبَّةً وولاءَ
يتلذذون بجوعنا وبقهرنا
حتى نراهم قادةً عظماءَ
** ** **
غادرتُ صنعاء الجريحة قاصداً
مصراً فألفيتُ الصباح مساءَ
ج
والنيل أسطور العذوبة لم نَعُدْ
نرتادُ صفْواً في رحاهُ الماءَ
قد شوَّهوا لغةَ الجمال وألبسوا
صُوَرَ الطبيعة موضةً شوهاءَ
صفةُ «المماليكِ» التي اتَّصفوا بها
ألقتْ عليهم لعنةً سوداءَ
لم تُبقِ إنسانيةُ الإنسان من
صلةٍ بهم...موتى و لا أحياءَ
منهم تبرّأتِ المبادئُ وانطوتْ
خجلاً وغارت عفَّةً وحياءَ
ج
وأتيتُ تونسَ والعراقَ وكلُّنا
عربٌ نعيش بأرضنا غرباءَ
والشام خاضعةٌ لحرب إبادةٍ
نشبت فأغرقتِ الترابَ دماءَ
وتقرَّبت بدمِ الجماهير التي
ثارت...وقدَّمت الشعوب فداءَ
وتلذَّذت بمجازرٍ وحشيةٍ
حصدتْ رجالاً عُزَّلاً ونساءَ
كل الشعوب بزادها وبشربها
شَرقَتْ وغاصت في الوحول سواءَ
أهدتْ لقاتِلها الحياةَ وصفَّقتْ
برحى القلوب حفاوةً ووفاءَ
وأتى «الربيع» مراهقاً فتحوَّلت
في وجههِ كل الفصول شتاءَ
لم ينضج الإنسان في وطني وقد
عمَّتْ مواسمُ نضجهِ الأرجاءَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ