يُصَاحَبُ هذه القصة رسومات وقرص ممغنط يروي قصة العصافير المحاصرة، وهي خطوة جيدة لمواكبة عصر التكنولوجيا الذي يفرض نفسه بقوة على كافة المجالات في الحياة المعاصرة. كان هدف الكاتبة في القصة أن تروي قصة اعتداء الصهاينة على فلسطين. لكنها لم تقل ذلك صراحة بل خطَّطت أن تقول الرسومات ما صمتت عنه بقصدية مُحْكَمَةٍ فالكوفية الفلسطينية التي تحيط برقبة العصفور زقزوق، ونجمة داوود التي تعلو قبعة الصيادين، ذات دلالة واضحة. تستثير هذه القصة الخيالية عقول الأطفال، وتمكنهم من التفكير والاعتماد على الذات في حل المكشلات. وحتى القرَّاء الصغار الذين يعايشون أحداثًا تشبه أحداث القصة فعليًا يساعدهم هذا النوع من القصص على أن ينتصروا ولو بالخيال الجامح على أعدائهم الحقيقيين. وتبشر الكاتبة بالجيل الجديد القادم أنه صاحب الإرادة في التغير وتحقيق النصر. ففي نهاية القصة هناك فرخ صغير يقترح خطة حربية كان قد رتَّب لها مع رفاقه، فحققت النصر لهم على الأعداء (الصيادين). تحكي قصة (العصافير المحاصرة)، عن العصفور زقزوق، الذي ينشد مع رفاقه العصافير، نشيداً يمجِّدُ تاريخ الأجدًاد، ويتغنى بالوطن. تصف القصة عمل زقزوق النشيط الذي يجهز بيته بالقش والريش الناعم، من أجل استقبال فرخه الوليد فقد اقترب موعد إباضة زوجته. ومرَّة، وأثناء عودة زقزوق مساء بالحبِّ الطيِّب، سمع أصواتًا مخيفة غريبة تملأ المكان. وعرف من رفاقه العصافير، إنها أصوات بنادق الصيادين. وبعد أن يعود إلى العش، تلاحظ العصفورة زوجة زقزوق حالته وتسأله عن سبب حزنه وصمته، وتعاتبه، لأنه لم يُبد فرحًا بالبيضة التي تحمل فرخهما، يطمئن زقزوق زوجته، ويحنو عليها، ويوصيها، بالعناية بنفسها وبالصغير. يبقى القلق يكتنف نفس زقزوق، القلق على مصير الفرخ، ومصير العصافير أجمع، فبنادق الصيادين تمنعهم من التقاط رزقهم، أو تعليم فراخهم الطيران. وبعد حصار طويل، تجوع خلاله العصافير حتى تشارف على الهلاك، ويدعو زقزوق العصافير فتجتمع، ويحدث بينهم نقاش حاد حول سبل إنقاذ حياتهم، وفي النهاية، تقتنع العصافير الخائفة بخطة زقزوق، وينجح في تحريضهم على نيل حريتهم وحقوقهم. بداية، تنجح الخطة التي رسمها زقزوق للعصافير، ثم يلملم الصيادون شتات أمرهم، ويُحكمون قبضتهم على العصافير الثائرة، فتتراجع حماسة العصافير، ويقترح بعضهم الانسحاب من المعركة حفاظًا على حياتهم، يغضب زقزوق من الخذلان، ولكنه يظل رابط الجأش، متذكرًا شروط القيادة، التي تعلمها من أبيه. في النهاية، ينقذ الموقف فرخ صغير، حيث تقدم بخطة جديدة، تضمن النصر للعصافير. فقد نصح العصافير بالتقدم إلى قلب الغابة المظلم، وهناك سيعمي الظلام عيون الصيادين، وفي الوقت نفسه سيقعون في حفرة عميقة، أُعدت خصيصًا لهم. ويكمل فرخ آخر حيثيات الخطة الحربية ويقول: سنوهم الصيادين بأننا نهرب، وسيظل الصيادون يلحقون بنا، وعيونهم معلقة بالسماء. ولكنهم حتما سيقعون في الحفرة العميقة التي تنتظرهم. انتهت القصة بعودة الأمان والاطمئنان إلى الغابة والعصافير، وعاد زقزوق ينشد مع رفاقه، النشيد الذي يفخر بالأجداد ويتغنى بالوطن. بدأت القصة بحدث مشوِّق جاذب، وهناك أنشودة من خمسة أسطر منحت هذه المقدمة تشجيعًا كبيرًا للقارئ الصغير، ليستمر بقراءة القصة. بنت الكاتبة سياق قصتها الخيالية « العصافير المحاصرة» في سياق واقعي هو سهل أخضر بديع، وبطل قصتها هو عصفور اسمه زقزوق. بينت الكاتبة الأبعاد الثلاثية لهذه الشخصية، البعد الخارجي، إنه عصفور، والبعد الاجتماعي، إنه يعيش في سهل أخضر بديع يمتلئ بالزهر والثمر، والظروف النفسية المحيطة بالشخصية، إنه والد حنون ينتظر أن تبيض عصفورته، ليأتي فرخه الحبيب إلى الدنيا. أوضحت الكاتبة أن للشخصية هدفًا ودافعًا، فقد كان زقزوق مدفوعًا للعمل النضالي، ليحافظ على أمن السهل الذي يعيش فيه، ويحفظ حياة العصافير وحريتها. ولأن عددًا لا يستهان به من الأطفال، يواجهون في حياتهم اليومية، حروبًا ضروسةً طاحنة، ويعايشون ذات الخبرة والأحداث التي جاءت في القصة، نقول: إن القصة تنتمي إلى حكايات المرآة. تلك الحكايات التي تعكس خبرات حقيقية قد يعيشها الطفل، وتجعله يطالع صورتها في القصة، مما يشكل ذلك الجاذبية العالمية التي تتمتع بها القصص التي تحكي ذات الثيمة. ويمكن أن تنتمي هذه القصة، إلى نوع حكايات النافذة، إذا اطلع عليها أطفال لم يعايشوا الحروب، ولم يتعرضوا للهجرة القسرية، حيث، ستكون القصة بالنسبة لهم تصور ثقافة مختلفة، تدور في موقع آخر. فالقصة الواحدة، يمكن أن تكون في آن قصة مرآة أو قصة نافذة، يتبع ذلك طبيعة المتلقي وبيئته. العصافير المحاصرة قصة لا تنتمي إلى الحكايات الأخلاقية، فهي لا تناقش سلوك الأطفال، بل تعمل على تعليمهم درس الحرية، الذي قدمته العصافير في القصة. أوجدت الكاتبة في قصتها مجموعة من العقبات قام بمواجهتها العصفور زقزوق، وهذه العقبات هي التي خلقت الصراعات. ونجد الصراعات في القصة، على وجهين: الأول: الصراع الداخلي الذي عايشه زقزوق، عندما حوصر مع فرخه في العش، فما استطاع تعليمه الطيران، وما استطاع إطعامه، فكان شديد التفكير حول ما الذي يجب عليه فعله. «ومضت الأيام والفرخ الوليد حبيس عشه لم يتعلم الطيران، نفد الحَب من العش وبدت علامات التعب والإنهاك على الزوجة والفرخ مما جعل زقزوق يشعر بالخوف والقلق على مستقبلهم». صفحة 4 والصراع الخارجي: حدث عندما جمع زقزوق العصافير، وبدأ يقنعها بأهمية الخروج من حالة الحصار التي يفرضها الصيادون، وكانت العصافير تمر بحالة يأس وخوف شديدين. «لم يصدق زقزوق ما يسمع، وشعر بالغضب لكنه ظل محتفظًا برباطة جأشه مذكرًا نفسه بشروط القيادة التي تعلمها من أبيه». صفحة 9 وقد ساهم الصراع في الكشف عن شخصية زقزوق، بدت الشخصية أنه قائد شجاع لا يرضى بالواقع المر. هذا الصراع، أدى إلى توتر القصة، وشوَّق الطفل لأن يقلِّب صفحات الكتاب ليعرف ماذا حصل بعد ذلك. أضاف التوتر في القصة منعطفًا جديدًا للأحداث، ففي نهاية القصة، نجد أن الفراخ الصغيرة هي من قادت الموقف الحربي، وأعدت الخطة اللازمة التي أحرزت النصر. «قد تقدم فرخ صغير باقتراح رائع، غير مجرى الأحداث تمامًا، عندما أشار عليهم بالطيران إلى قلب الغابة». صفحة 10 فالتوتر المتصاعد الذي اعتمدته الكاتبة، في قصتها، جعل الأحداث أكثر تشويقًا، والقارئ الصغير سوف يسأل نفسه، بعد كل حدث متصاعد، ما الذي سيجري بعد ذلك. حثَّ التوتر العصفورَ زقزوق أن يتغلب على الواقع المرير، واقع الحصار والجوع. فالتوتر الذي صنعه خوف العصافير من المواجهة، تغلَّب عليه بخطة حكيمة شجاعة لمواجهة الصيادين. والتوتر الذي حدث بعد تراجع العصافير أثناء الاشتباك، جعل زقزوقًا يسمح للفراخ بقيادة الدفة دون خوف من النتائج. ساعد في نجاح حبكة القصة، اعتمادها على الحدث المتصاعد، وكانت هناك سلسلة من الأحداث التي طورت الصراع الرئيس، وقد اعتمد نوع الحبكة في القصة على الحبكة الخطية، يوم في حياة عصفور يجهزُّ عشه بالقطن الناعم والقش، لاستقبال فرخه الوليد، ويواجه هذا العصفور أحداثًا كثيرة، تجعله مصرًا على تحقيق شروط حياة عادلة لفرخه ولباقي العصافير. هذه الحبكة الخطية ذات الأحداث المتصاعدة، هي التي رسمت جو القصة، فجعلته صاخبًا مليئًا بالحماسة، والتوتر، والمواجهات، من أجل الحياة الفضلى. تمتعت لغة القصة بألفاظ جزلة جعلت القصة تناسب الأطفال الأكبر سناً عمر(12) سنة بالرغم من أن البداية توحي بأنها موجهة للطفل في الطفولة المتوسطة 6-8 سنوات. «في سهل أخضر بديع، مليء بالشجر والزهر، عاشت العصافير عيشة راضية هانئة، وكان سيد العصافير زقزوق ينشد مع رفاقه دومًا: أنا قادر على الطيران..أجدًادي زينة الأوطان». صفحة 1 من الأمثلة على لغة القصة الجزلة (ساهمًا، شروده، كئيبًا، الإنهاك، أفنان، الذي آلت إليه، يعطي رفعة، أهم بند، أَثار الارتباك قلوبهم، يتناثرون، استدركوا، خالج، امتعاضًاً، برباطة جأشه، شروط القيادة، الروح المعنوية، مصدر، نقترفها، غير مجرى الأحداث). ولعل ورود مثل هذه اللغة الجزلة في قصة للأطفال، يحوج الكاتب أن يورد في نهاية الكتاب صفحة للمترادفات، تساعد الطفل على تعلم الكلمات الجديدة، خاصة أن بعضًا من الكلمات تحدثت عن الشعور، مثل (رباطة جأش، خالج، امتعاضا). وهذه الكلمات، هي في الحقيقة أكبر من مستوى العمر العقلي لطفل، دون الثانية عشرة من عمره الزمني. وكذلك، وردت في قصة العصافير المحاصرة أمثلة عربية، وقد عمدت الكاتبة إلى شرحها وتبسيطها على لسان العصافير، كتقنية كتابية جيدة. «المياه التي تغرق السفينة، هي التي تدخل إلى داخلها. قاطع العصفور ذو الريش الملون زقزوقًا بلهفة قائلًا: لقد فهمنا يا سيد العصافير، تقصد أنه يجب إبقاء أفكار الخوف والفشل خارج عقولنا، ليكون النصر حليفنا، فالسفينة التي تجري على الماء لا تغرق، ولكنها تغرق فور دخول الماء إليها». صفحة 6 وبالرغم من أن الكاتبة وظَّفت المثل وشرحه في القصة، توظيفًا جيدًا، أثرى الجو الحماسي للنص، لكني أرى أن هذه اللغة تخص الروايات، ويمكن أن توجه لليافعين في رواياتهم وقصصهم. أما قصص الأطفال، فيجب، أن تتمتع لغتها بمفردات مناسبة لمستوى الكتاب. ونظرة إلى أدوات السرد في القصة، نلاحظ أن الكاتبة اعتمدت على وسيلة خداع حيث استخدمت العصافير في المرة الأولى خدعة الطيران، في مجموعة تنعطف يمينًا وشمالًا، لتضليل الخصم، الصيادين. «قاد زقزوق سربه بنجاح فأخذ ينعطف تارة شمالًا وتارة يمينًا ويوهم الصيادين بأنه سيهبط فوق رؤوسهم». صفحة7 واستمرت الكاتبة في استخدام هذه الأداة السردية، وسيلة الخداع في التوترات الأخرى، التي وردت في القصة، وقد استخدم العصفور الأصغر وسيلة خداع أخرى، للانتصار في المعركة، وهي الهروب إلى قلب الغابة المظلم. النهاية غير المتوقعة بدأت ذروة الأحداث في قصة العصافير المحاصرة عندما استجمع الصيادون أمرهم، وبدأوا بإطلاق الرصاص، ورمي الشباك، استعدادًا لسقوط العصافير. وكان على زقزوق إعادة الثقة إلى سربه، فبدأ في بثِّ الحماسة إلى صدورهم، ونجح في ذلك. وجاءت النهاية بانعطافة غير متوقعة، حملت حدثًا جديدًا، لكنه ناسب منطق القصة، فقد تقدم فرخ صغير باقتراح، أن تطير العصافير نحو قلب الغابة المظلم، وقام فرخ آخر بشرح حيثيات الخطة، ووافقت العصافير على الاقتراح الذكي. «ومن يومها لم تعد العصافير تسمع صوت الرصاص وتعانقت العصافير ابتهاجاً بسماء حرة وآمنة وعاد زقزوق ينشد مع رفاقه». صفحة 12 بهذه النهاية المرحة اختتمت الكاتبة قصتها، كيف لا، والقصص الخيالية تحتمل مرحًا عاليًا في تنوع سردها ونهاياتها.