|
|
||
|
أيام الفاطمي المقتول وأيامنا
هذه رواية جديدة للشاعر والروائي التونسي نزار شقرون، وهو باحث ومحاضر في الجامعة التونسية أيضا. مؤلفاته عديدة بين الشعر والفكر والرواية. منها في الشعر «ضلالي من هُداي» وفي الرواية «الناقوس والمئذنة» وفي النقد الفني «نشأة اللوحة في الوطن العربي» كما ترجم أعمالا منها «نحو حداثة متجددة» لحكيم بن حمودة، وغيرها. الرواية الجديدة تحمل عنوان «أيام الفاطمي المقتول» صادرة هذا العام عن دار مسكلياني التونسية ودار صفصافة المصرية. الرواية بطلها «مختار بن منصور الفاطمي» الشاب المولود في السادس والعشرين من يناير/كانون الثاني 1978 وتوفي في السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2012 في مصر، ونقلت جثته إلى بلدته تونس، والسبب الذي قيل هو تعرضه لعاصفة قوية أثناء عمله في البحث الميداني، داخل قلعة أثرية في مصر. لكن هل حدث ذلك فعلا؟ مع البحث عن السبب يتم إخراج الجثة من القبر من جديد، وتبدأ رحلة الروح مع العائلة وتاريخها، وكيف أن أباه من الطائفة الشيعية الإسماعيلية، وكيف كان محبا للكتب، ومن هنا جاء شغف البطل بمعرفة تاريخ الفاطميين الذين تقريبا لم يبقَ منهم أثر في البلاد. كذلك مع أخته نعيمة وأخيه الأصغر حسين. تتأخر حقيقة مقتله. وهنا الحيلة الفنية لتستمر الرواية التي تشغل عامين تقريبا حتى مقتله، كانت العاصفة فيهما هي الربيع العربي. الحكاية ليست له فقط، لكن كما قلت له ولما حوله. موت أبيه والاحتفاظ بجثته لليوم التالي لتأخر خروج شهادة الوفاة بسبب أحداث الثورة في تونس، فوضعه الأهل والجيران في شقة كان يملكها يهودي غادر البلاد، ومفتاحها مع أحد الجيران. النقاش حول ذلك والموافقة أخيرا، فأبوه لم يكن عنصريا. الثورة في تونس ومصر.. رحلته إلى مصر لدراسة تاريخ أجداده الفاطميين، فلا حاضر حقيقيا بلا جذور. مصر أو الشرق الذي حذّره والده من الذهاب إليه، فهو مصيدة الحالمين لكنه فعلها فعاد جثة. يستطيع بالسرد المشهدي للأحداث، أن ينسيك أمر جثته المؤجل دائما. ترى مشاهد الاحتجاجات في تونس والبوليس والجيش في مواجهة الخنازير، الذين لا تجد رمزا للوصف، إلا أنهم الثوار كما تراهم السلطة. في القاهرة يعمل في مركز الأبحاث والدراسات التاريخية ويلتقي بمدير المركز المؤرخ السبعيني العمر، الذي راقت له اهتمامات مختار الفاطمي. تستيقظ قصة حبه القديمة للتونسية خديجة المثقفة اليسارية التي كانت تنشد الشعر، والتي رفضت أمه الزواج بها وماتت في رحلة هروب جماعية من تونس في البحر المتوسط إلى أوروبا. يوقظ قصة الحب لقاؤه مع «بيرسا» اليونانية التي تركت الإسكندرية إلى القاهرة للعمل في مركز الأبحاث، والتي ستكون دليله في ما يريد. لكنك تشعر بأن الإسكندرية مقبلة. تستمر الرحلة بين القاهرة والمدينة البيضاء في تونس تتداعي متوازية، فيها كثير مما هو مشترك، خاصة أيام الغليان والثورة. صارت المدينة البيضاء كئيبة، لكنه لا يزال يحتفظ بسحرها مدفونا في روحه، ويظل الطواف بها رغم حظر التجوال الذي فُرض على البلاد. تتوازي وتتقابل مصر معها سنوات الثورة. القاهرة كئيبة ملوثة لكن تشرق مع بيرسا. يقابل يوناني آخر هو كانوبي من الإسكندرية، يعمل معهم في البحث، وهنا تطل المدينة الثالثة. اسم كانوبي يحيل من يعرف الإسكندرية إلى طريق كانوب القديم الذي هو شارع فؤاد الآن، أو مدينة كانوب التي اختفت على الشاطئ القديم، ويعود اسمها إلى القائد البحري الإغريقي كانوبوس ويقال إنه دُفن فيها. الأسماء اليونانية في الرواية تحيلك إلى ما ضاع من المدينة. في الإسكندرية صفحات رائعة مع بيرسا وكانوبي. شوارعها ومحلاتها مثل «سوفيانو بولو» وهو بالمناسبة آخر ما بقي من محلات من زمن الجاليات الأجنبية، قام التلفزيون المصري معي بالتصوير فيه منذ سنوات. وفندق متروبول ومكتبة الإسكندرية. صارت القاهرة تعني له رحلتين. الأولى هي البحث في أثر الفاطميين خلال الفترة المستنصرية، والثانية هي اقتفاء أثر بيرسا. في القاهرة يتجلى طموحه في المعرفة مع المخطوطات كأنه لم يمت، أو كما قال «مُجتث من القبر ومحروم حتى من جثتي». في تونس في المستشفى تزداد الجثث، وتمتلئ المستشفى بها، وتظل جثته محل خلاف في ما يمكن أن يفعلوا بها. نقترب من النهاية الآن. انتهى تقريبا الطواف الذي لم ينسه وهو ميت، ويعيده لنا مصورا. الجثة في نظرهم مومياء كما يقولون عنها، لأنها وصلت من مصر في صندوق ودفنوها به، ثم أخرجوها ليصلوا إلى سبب الموت الحقيقي. هي في نظر الطبيب لعنة، فما إن وصلت إلى المستشفى حتى ازدادت الجثث في قسم التشريح. الجثث الأخرى طبعا من ضحايا الثورة في تونس. سيقضي الليلة جوار جثته ولا يخالط الجثامين الأخرى الباردة، فهي جثامين بلا ذاكرة! كان هو ذاكرة الجميع في روايته. الليل في المستشفى وكيف سيدفنون كل الجثث ما عدا جثته فمن الواجب الوطني تشريحها أولا. بين الحيرة في ذلك نعرف من التشريح ومنه، أنه أصيب بطلقتي عيار ناري في مصر، في إحدى التظاهرات ضد الإخوان المسلمين أثناء حكمهم. يعتبرونه شهيدا فقد قتل في بلد آخر. هل انتهت القصة؟ لن تنسي هذه الرحلة أبدا وتظل تملأ الفضاء حولك. الجثة هنا لم تحدثنا عما في العالم الآخر، لكنها في مشهدية رائعة تعيد عالمنا الذي كاد يضيع من ذاكرتنا، بعد أن ارتفعت الآمال يوما في فضاء البلاد. كاتب مصري الكاتب: سكرتاريا التحرير والنشر بتاريخ: السبت 05-07-2025 11:38 مساء الزوار: 42 التعليقات: 0
|
|