|
|
||
|
سندريلا القصيد هدى كريد
سندريلا القصيد
هدى كريد
حروفها أسماؤنا
رفيف الوجدان أنداء وأنواء،ورود ورعود.قصائد حمّالة لأكثر من معنى ،عصف وضنى حينا وقطر وضياء أحيانا،عالمها خصيب كأن لا يباب ،مشروع اكتمال في وجود محكوم بالنّقص ، في تلافيفه يعتورنا القلق دون أن نعجز عن الوقوف في وجه الغياب.تهبّ النّسيمات الرّوحيّة في السّالك إليه كما يطالعه ذاك الوجه المبتسم وقد أشرقت فيه ملامح شاعرة تونسيّة هي جميلة بلطي عطوي ،صوت أنثويّ مترع بالانشراح ،يسرد ملاحم الحياة ،يتناهى إليها ضاجّا صاخبا أو هسيسا لطيفا ،منسربا من وادي عبقر
حيث تقيم سندريلا القصيدة، ألهمت غواية الحرف ،فباح السّرّ عندها بالعشق ،تكاد تهتك الحجب والغياهب ،سكرى في ألحانها تتقمّص أكثر من هويّة أوساع الأساطير، تسرح في إيماءات الرّمز،تأخذنا إلى عشتار أو برومثيوس أو سيزيف كينونة أسطوريّة جامعة تختزن ما تشاء وتمتاح ممّا تشتهي لتكون امتلاء يقتل كلّ خواء داخل قدّاس الحرف .
ملحمة الحرف
حرف باق على قيد السعادة والأحلام.أزمع في أكثر من بيان شعري أن ينبذ الهموم و يغازل الأقداح مادام على الأرض ما يستحقّ مغامرة الكتابة، يغرّب أويشرّق كي يستعيد طهر اللّحظات الأولى ويبرعم ولو فوق الجماجم.منفلت عن سلطة المسلّمات ،ماض مضيّا عتيّا في نحت الكيان الجمعي أو يعتصر في صميم الذّات.
ومهما يكن من حال ، تبقى الكتابة فعل تطهير بالمعنى الأرسطي ،يغتسل الحرف في مداده ونغسل الأنفس من أدران الواقع وشوائبه.أليس حرف المطر ؟
زخّات البوح
مطر الحروف
من قصيدة (حرف المطر)
يمارس معراجه المبارك بعد أن استعار من النّوارس الأجنحة.
فالشّعر قدّاس الحرف المطير
إذ تتردّد اللاّزمة الصّغرى متتالية في نفس النّصّ
بوركت يا حرف المطر
بوركت يا حرف المطر
و في البيانات نفس رومنطيقيّ واضح ، أنثى الشّعر هبطت بعصا نبيّ وشعاع سنيّ ،فلا يعنيها سوى معراجها نحو العلياء حيث سدرة الفكر
مسافرة أنا
عند سدرة الفكر أنصب خيمتي
من (بنات أفكاري)
طقوس الكتابة عندها مراودة أنثى أحكمت مكيدة القلم متزيّنة ،متعطّرة،تقطع مسافات الشّغف نحو غلمة الرّؤى.
تتشكّل تعادليّة الشّعر كما يلي
هنا لغة الأصالة
يا طيب حرف يدندن الأشعار
حكم القدامى وسعي المحدثين
قصيدة (مدينة الأحلام)
تروم تأصيل اللّغة وتحرص على متانتها في زمن نقيق الضّفادع ، تنهل من عصارة الحكمة في قرائح القدامى بنهج جديد يتأقلم مع ما يستجدّ .تأصيل دون انكماش وانفتاح دون تغريب.
أسطورة حرف يتربّع بين ربّات الشّعر ،يغفو بين أحضان إيراتو وكاليوبي.،هناك يخطّ ملحمة العشق ويفتح معابر النّصر ويوقظ كلّ الأحلام المؤجّلة
قلائد العقيان
الصّورة الشّعريّة تمثيل مرسوم ،مشهد يرتسم بالكلم تطوّع له النّعوت والمجازات والصّفات المشبّهة .والشّاعرة قنّاصة ماهرة للصّور
1. الصّورة الحلم
تنفلت عن عقال الواقع ،تتسامى عن الطّبائع الأرضيّة . حين تسافر الشّاعرة فوق محفّة الودّ بفرمان القلم . يكتبها القلب ، يرسمها. فالتّشخيص قانون في التّشكيل الشّعري.
وعادة ما تكون المعاجم ألقا وعبقا في عالم أثيريّ ،عالم طائرة الورق الّتي تحدب على الذّات وتمسك بيدها كي تقودها إلى موعد التّجلّي
2. الصّورة الاستقطابيّة
تتوسّع الذّات وتستقطب العالم
في القلب تلمع الأنجم
يزدان غابي
خمائل زان وسنديان
( طائرة الورق)
وهنا ترسم في طوباويّة العالم داخلها ،فتترامى كي تسع الكون بأسره، و لا معنى لحركاته خارجها.
3. صورة الحلول
صلوات وابتهال
تنسّك
والرّوح على أرجوحة الضّوء
تعيش الكشف
(بنات أفكاري)
تتحدّ براحة الكون ، يسكبها نقطة ضوء ، حياة بين الشّهقة والدّهشة. و فيها تكثر الاستعارات المكنيّة مثل راحة الكون وجه المجرّة،سبائك النّور... حركة صوفيّة أقانيمها الرّوح والضّياء والعلوّ، شاهقات دون سفوح ،وبحر لا يأبى الانبساط ،لحظة تسمو بالطّين عندما يصلّي العمر في المحاريب ،هي التجليّات الصّوفية والإشراقات الرّوحيّة ولحظات القول الشّفيف.
4. الصّورة الرّمز
العنقاء تغالب الموت وتنبعث من رماد وبرومثيوس يوسوس بغواية البعث وسيزيف يهادن العواصف ويشحذ الأسلحة من جديد .تمتاح الشّاعرة من الأساطير الانسانيّة ،فتتجاوز الماديّة المجحفة وتبحث عن منابع الشّعر الصّافية وتركب اليمّ السّحريّ لتصل الأسطوريّ بالعجائبيّ كسندريلا .وللتّاريخ وهج يطلّ من عيني علّيسة أوعنترة أوالجازية معزوفة الزّمان في رحاب الطّبيعة رمزا غالبا فهي بدورها معين ملهم تستكنه إشاراته باحثة عن نور وعلوّ وألق.وقد يكون الدّين منارة فتعوّل على الرّمز الدّيني كايّوب أو آدم. ولا نعدم رموزا ذاتيّة أجلاها قهوة الصّباح و بلطة.
5. الصّورة المموسقة وكرنفال الأصوات
توقّع الأجراس نقرا وصوت ريح،هتافا أو نواحا ،و جيب القلوب و دقّاتها ،تكتكة السّاعة والمواويل ، هي أصوات مخزونة في ذاكرة السّماع .الرّنين تخييليّ كصوت الزّيف أو نغم وتر الحلم.و التّجسيد منطق الصّورة ،تحوّل المجرّد إلى محسوس ، في بلاغة الإبانة وعليها تدور الأفهام ،فللحياة رصيف وللأنس ساحات وللصّدق منافذ. مهما تعالت الصّورة على منطق الأشياء وأحدثت فجوات البلاغة لا تتمادى فيما يستعصي على المتلقّي ولا توغل في الغموض حتّى تحدث هزّة الطّرب بغير إغراب أو غلوّ و يقام عرس الشّعر حيث الطّوفان جمال لا يغرق .
التّيمات
• الذّات
تنتشر ، تتصاول ،ترى العالم في مرآتها .في العنوان النّصّ الموازي تكون أكثر العبارات إيحاء وتجذّرا في الذّاتي و قاعه الشّعوري .نبض بصيغة تنكير يخاتل مُظهرا استغراقا وشموليّة ، مُضمرا مرسلة الشّعر في جوهره تخصيصا. بما أنّ النّبض يتمحّض لها ، هو أداة عرفانيّة في يد السّالكة إلى الحرف . هكذا تمارس رحلتها وتصنع براقها مفارقة هذا العالم برحلة عرفناها دوالاّ" سابح ،سروح " وماعرفناها في أبعاد خاصّة اكتسبتها ومدلولات وجوديّة استقرّت داخلها .عشناها في المطوّلات عبر أفعال الفرسان يخوضون غمار رحلات تعدّدت مقاصدها وماعشناها برحلة هذه الحروف المتصاولة .إنيّة كامنة بالضّروة في الغيريّة . إذ اتّخذت الشّاعرة من أحادي القرن كما هو جليّ في صورة الغلاف مطيّة انتزعتها من المشترك في إرث الشّعوب لتحوّلها إلى رمز ذاتيّ ، يلتحم بسميائيّة مخصوصة دون أن يحيد عن بعض التّصوّرات المألوفة من نبل وقوّة و لين وطهر و نقاء و بياض وعدائيّة وسموّ نحو الأفضل.تخلق من صورته ما بين حقيقة يزعمها بعض المؤرّخين وخرافيّته الموجودة في تجاويف الأساطير وجهين لما نزعت إليه من خيال رومنطيقيّ موجود بالقوّة و واقع مرير موجود بالفعل .
مشروع الإبداع متبتّل في حضرة الذّات و العناوين الفرعيّة تشي بما ترسّب في قرارتها "بنات افكاري،سندرلا الشّعر ،معا نرتق الكلام، شراعي عزيمة سيزيف، أمّي رغم الغياب نحتفل..."
و ليس من المجازفة الإقرار بأهميّة شطحات الذّات وتلوّناتها الرّومنسيّة في علاقة وثيقة بفعل الكتابة / الوجود المتعالق في أكثر من صورة بالأنا الذي تكمن فيه ذات الكاتبة المقدّسة للحرف والمتماهي مع حشود الكتّاب والفنّانين يستوي في ذلك زوربا وعنترة .هويّة أوساع الفنّ الخلاّق ماضيه وحاضره ،شرقيّه وغربيّه، فليست ممّن ينظرون إلى الأشياء بعين واحدة. هي تحدّد قداسة الكائن المبدع بصيغة مفرد تمرّدت على كينونتها و نون النّسوة لتعكس نظرة صفويّة إلى الفنّان.كائن نورانيّ خيّر ملهم. له عين ثالثة يرى بالضّرورة ما لا نرى و يصغي إلى الرّسائل الخفيّة على الدّوام.
• أقانيم القداسة الموطن ..الوطن ..العروبة
شهوة التّجذّر تكبر في كائن قدماه على الأرض وجناحاه في الذّرى.
يسع المشتهى البدء والمنتهى.عند الضّياع تستحضر الشّاعرة تاريخ بلطة أصل كلّ جمال و دعة و رسوخ ،حبّها لا يحدث مرّتين كما الموت والولادة.ومنها ينبع العشق الأكبر للوطن المتبرقع بالحسن والمسحوق تحت أصوات المجعجعين.حينها تتحوّل خيراته إلى رماد.و قد تقترن المحبّة بزهرة المدائن .فتحطّ الرّحال في فلسطين تذرو وجعها الغارق في النّجيع . من بين الحروف المدبّبة ، تجعل منها بيت القصيد ،و تشعل فينا ما أجّلته من حرائق.هي ذاك الحبل السّرّي الّذي يشدّ أقطار الوجع بعضها إلى بعض.
• الانسان /الوجود
لا سبيل إلى التّطهّر بغير الحقائق .و حين تتوحّد الشّاعرة بسيزيف في قصيدة (شراعي عزيمة سيزيف) تجلو الوجود قهرا وعواصف و ملح بحار وأهوالا .والزّوج الأسطوريّ الذّات /سيزيف يقارع الحتميّات الخارجيّة بمشكاة و صبر وقوده الأماني المزهرات.
ففي قصيدة (غربة)، تطلّ على مدارات الرّعب في قولها "إنّني في الغربة غريق"، غير أنّها تضمّخ الوجود بألحانها السّكرى ،تلتقط حشدا من المدركات التّخييليّة ، تراها بقلبها ويعزّزها قلمها،هكذا يدهشنا فالس زوربا والعنقاء الهائمة به و أنشودة برومثيوس الجبّار تلعلع بإرادة الحياة .
وهي لا تحيد عن ذلك الامتلاك القاتل لكلّ خواء، فتتوهّج ببهجة ثاوية في ركن ما ، وتنعطف بالحلم على مساحة الورق أكثر لتكون الصّور الشّعريّة نورانيّة ،انسيابيّة ، منها تنسرب دفقات الحياة وجرعات الفرحة .
استقي عطر الخلود
(حضور الغياب )
اركب سواقي الحسّ
وميض ضياء
(معزوفة الزّمان)
و برأينا يندرج القصّ الرّمزيّ في هذه التّيمة، شأنه في ذلك شأن أقنعة ابن المقفّع والاستعارة الحيوانيّة وقصص لافونتين وإرث الحكمة المستترة .غير أنّه لا وجه للتقيّة بما أنّ السّياسي لم يكن رهانا ملحّا ، إنّما هو توظيف جماليّ وعزف على أكثر من وتر. مثل صورة نثار الحمامة الضّائعة في سجاف الفتنة الّتي حوّلتها إلى غراب يوارى القتيل ويشهد على أوّل خطيئة.
أكابيلا
النّبض سابح في دروب الجمال والسّروج / الحروف تمتاح من ذاكرتها القريبة والبعيدة ، من أبي العلاء بتضمين يجعل من النّصّ حواريّة أصوات وصولا إلى الشّابي بتونسه الجميلة ورؤاه المعسولة تسبح في عبير الحبّ وكلّ التّصوّرات الرّومنطيقيّة . من مناهل الشّعر الحديث ، تستلهم حداثة الأشكال و تهندس فراغات القصيدة و قيم السّواد والبياض لتشكّل الإيقاع البصري مدّا وجزرا( قصيدة همسة نموذجا)
".............مزامير هدّها الوهن "
و ترقيما محقّقة حداثة الأشكال والتّواشج بين الشّعر والرّسم. ولا أدلّ على ذلك من (أمل وحياة) تسعة اجزاء انضوت تحت لوائها ،تستسقي عشتار واهبة الحياة .
و هي القادرة مع ذلك على القصيدة العموديّة وفنّ التّطريز وقوامه هندسة حروف تخلق اسما معيّنا وآية ذلك قصيدة (فلسطين جرحي القديم الجديد)
فيها يرتسم الدّال فلسطين بما تداعى من أصوات في أوائل الأبيات.
هكذا ننتهي إلي حروف تعملقت في مركز النّور، أعواد مسك كلّما احترقت فاح منها الشّذى. قطعنا معها كلّ مسافات الشّغف والحنين ، تملّكتنا شهوات سرّيّة ملء الحواسّ. اكتوينا بجمرات ملتهبة وانتشينا بضحكات مدوّيات لأنّها كتابة ترشح بالمعنى والضّديد .و قوّة النّص في التّفريد يخلقه الوصف والتّسريد . صوت جمعيّ تأتلف فيه الشّواغل والقضايا الكبرى .و مع ذلك يبقى الموضوعيّ معادلا للذّاتي في غنائيّة لا تخفى و نوع من إعادة التّشكيل يجعل من الكتابة وجعا أو اشتهاء يشقّ مسالك الظّفر في مسارب الحلم والتخييل بصور الرّومنطيقيين الذّائبة في عشق الذّات .ومن عمق العمق ، يكون الإنسان أو لا يكون، فلسفة وجود وشرعة حياة، لحظةَ يشفق الأنا على قرينه، يتناهى إلى الأسماع أجمل موّال ينسّل من رحم الحكاية السّرمديّة و قد علّت شهرزاد بمعيّة شهريار البنيان وترنّما بصوت واحد في ملحمة الكيان.
الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الثلاثاء 30-06-2020 07:52 مساء الزوار: 191 التعليقات: 0
|
|