|
عرار:
عمان أجمع منتدون على أهمية ما جاء في كتاب "عندما يعيد الجنوب اختراع العالم: بحث في قوة الضعف" للمفكر الفرنسي برتران بادي، لكونه تتبع مسارات بروز دول الجنوب في المشهد الدولي المعاصر. واعتبروا أن أبرز ما يتسم به الكتاب؛ لا في معاينة التحوّلات العميقة والحاسمة التي يشهدها العالم حاليّاً فحسب، بل أيضاً في فهم انعكاساتها على العلاقات الدوليّة، وبالتالي جمعه بين التشخيص والتحليل والاستشراف. جاء ذلك، في إطار ندوة مشتركة بين مؤسسة عبد الحميد شومان ومؤسسة الفكر العربي (بيروت) لمناقشة كتاب "عندما يعيد الجنوب اختراع العالم"، استضافها منتدى شومان الثقافي، أمس الإثنين، وأدارها مع الحضور د.مهند مبيضين، بحضور المؤلف ونخبة من المثقفين والباحثين والأكاديميين. وفي كلمتها الترحيبية قالت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة شومان، فالنتينا قسيسية، إن "المؤسسة، ذراع البنك العربي للمسؤولية الاجتماعية والثقافية والفكرية، مهتمة بتفعيل الحراك المعرفي والمساهمة في تطوير عملية إنتاج ونشر المعرفة، وتوسيع قاعدتها لتصل جميع أفراد المجتمع، عن طريق بناء شراكات حقيقية مع المؤسسات الثقافية والبحثية والمعرفية". وتابعت "ومؤسسة الفكر العربي إحدى هذه المؤسسات المهمة، التي نعتز بتعاوننا معها، في محاولة بناء أرضية معرفية عالمية بين كافة الأطراف المعنية بالمعرفة، وأيضاً تعزيز الأفكار، وطرح الرؤى، وشحن عقول الشباب بالمعرفة الحية، التي تؤسس لحالة معرفية تخدم تنمية المجتمعات مستقبلاً". وبحسبها، فإن شراكة مؤسستي "شومان" و"الفكر العربي" الممتدة على مدار سنوات طويلة، أسهمت في إلقاء الضوء على العديد من القضايا التي تهم العالم بأسره، ومنطقتنا بشكل خاص؛ كالتنوير والتنمية والتطوير في العالم العربي. أما مدير عام مؤسسة الفكر العربي د. هنري العويط، فقال إن "محاضرنا يتمتع بين أوساط المهتمين بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية بشهرة عريضة تجعله في غنى عن التعريف، كما يتمتع بعلاقة حسنة مع العالم العربي، فهو يعرِف أوضاعنا، ويؤيد قضايانا العادلة، ويتعاطف مع ما تعانيه شعوبنا". واعتبر العويط أن الكتاب يمثل إضافة نوعية في مجال العلوم السياسية بصورة عامة، وتجديداً معتبراً لمفاهيم العلاقات الدولية ونظرياتها ونماذجها بصورة خاصة. الباحث إبراهيم غرايبة بين أن المؤلف يخصص معظم الكتاب لرصد مسار وتحولات النظام الدولي الذي تغذيه بطبيعة الحال القوة، ولتلافي الحرب تتعاقد الأطراف والدول على ضوابط لتنظيم القوة (توازن القوى) وهذا ما يشكل ضمانا لاستقرار النظام الدولي. وأوضح أنه في قلب هذا التوازن نشأت مجموعة من الأفكار والسياسات، وكان أكثرها حضورا وتأثيرا في السياسة العالمية هي (قيادة العالم) باتجاه مصالحه، وهي المقولة الأمريكية ومفادها الهيمنة (الخيرة)على العالم لضمان خدمة الشعوب واستقرارها وحماية أمنها". ولاحظ غرايبة، أننا اليوم، وفي ظل العولمة صعود قوى مؤثرة تتحدى سيادة الدول وقوتها الصلبة، وتنشأ عمليات تضامن هوياتية ولغوية واسعة تعبر الحدود، ويتحول الصراع إلى اجتماعي أكثر مما هو سياسي. وبحسبه، فإن علم الاجتماع يحل أو يشارك علم السياسة، ويتداخل الصراع بالنسيج الاجتماعي، إذ تتشكل مجتمعات حربية، وتغذي المجتمعات الميليشيات بالمقاتلين والحماية والإمداد، وكان المطلوب إلحاق الهزيمة بالعدو، معتبرا في هذا السياق أن العدو اليوم يبدو غير ثابت، وأحيانا لا يمكن أو يصعب التعرف عليه. ولفت غرايبة إلى أن المؤلف خصص الفصل الأخير والمكون من عشرين صفحة للتفكير والتساؤل حول تطور النظام الدولي، إذ اكتسبت النماذج الرئيسية للعبة الدولية مثل السيادة والإقليمية والهيمنة والحوكمة العالمية والجهات الفاعلة والصراع وتعددية الأطراف مفاهيم ومعان جديدة. ورأى غرايبة أن القيمة العظمى للمنتجات المتداولة اليوم تكمن في فكرتها وتصميمها، ولا تمثل كلفة الإنتاج المادي نسبة تذكر في قيمتها النهائية، ففي طبيعة الحال يتقدم المصمم والمفكر والمبدع، هكذا أيضاً تصعد الفلسفة والفنون والآداب باعتبارها البيئة الحاضنة للإبداع والخيال والتصميم والتفكير النقدي. كما رأى أن الحروب لم تعد من عمل الأمم ولا الأفراد الذين يجندون للدفاع عن وطنهم، لكنها نتبع من التشوه الاجتماعي، ومن صعوبة الاندماج مع المؤسسات المفترض أن ننتسب إليها، بحيث تفقد الأرض كنطاق محدد معناها ولا تعود الهوية الوطنية تشكل مؤشرا حصريا، في وقت كانت المكون الأساسي للحرب التقليدية. بدوره، نبه المؤلف إلى أن النظام الدولي فعل إنساني يعيد بشكل مثير للقلق إنتاج السمات الأكثر شيوعاً في علم الاجتماع وحتى في علم النفس، فتاريخ هذا النظام يتكون من تغيرات حصلت أو افتعلت. وأعتبر أن النظام الدولي بقدر ما يدّعي لنفسه دوراً عالمياً وشاملاً، فإنه ينتج انحرافاً، يشبه إلى حد ما عمليات التوسع الحضري التي حصلت في ما مضى بسرعة كبيرة، لافتا إلى أن العالم اليوم لم يعد مبنيًا حول القوة. ورأى بادي أن لا شيء يتغير في الممارسة الدولية، على الرغم من الابتكارات المؤسسية الجديرة بالثناء، على غرار تعددية الأطراف، التي تم لجمها على الفور في ما هو أساسي من قبل القوى القديمة للسلطة المتحكمة بالأمور منذ زمن بعيد. وبادي، أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية في باريس. ولديه اهتمامات واسعة بقضايا الشرق الأوسط. مؤلفاته ترجم معظمها إلى اللغة العربية، وتعد مرجعاً مهماً في العلاقات الدولية. حيث شارك كذلك، في تحرير الموسوعة العالمية للعلوم السياسية. فضلا عن عمله كمستشار تحرير لسلسلة "أوضاع العالم" لأكثر من عشرين سنة. وتعد "شومان"؛ ذراع البنك العربي للمسؤولية الاجتماعية والثقافية والفكرية، وهي مؤسسة ثقافية لا تهدف لتحقيق الربح، تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي والأدب والفنون والابتكار. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الثلاثاء 08-10-2019 08:38 مساء
الزوار: 905 التعليقات: 0
|